أزمة أخلاق
قال تعالى (ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون )صدق الله العظيم
قال صلى الله عليه وسلم (ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق) رواه الترمذي
فما بال الفرد من شعوبنا اصبحت العصبيّة على رأس أنفه والشتيمة على رأس لسانه فلا نطيق اي إزدحام في السير ولا نطيق إنتظار الدور في بنك او مؤسسة وحتّى لا نطيق ان يُطلب منّا حاجة من ابن او ابنة او زوجة بل وبتنا لا نطيق رنّة الهاتف في ساعة الراحة او النوم ولا يطيق طالب جامعة ان يرى تعليمات بمنع التدخين في اروقة الجامعة ولا يتحمل جار ان يرى جار آخر يوقف سيارته امام داره او مشاجرة بين اطفال الجيران ممكن تندلع نتيجتها حرب مسلّحة بين الكبار هذا خلاف التناحر بين الأخوة على مشاكل الإرث والعقار وتقسيم الحصص في الأراضي المشاع وغيره
صحيح ان الوضع العام في دولنا العربيّة والإسلاميّة لا يُحسد عليه أحد خاصّة في ظلِّ وجود منغِّصات عديدة ومعظمها تؤثِّر على حياتنا وحياة اطفالنا بل وتحدِّد مصيرنا ومصير دولنا , ومن هذه المنغصات ما هو داخلي مثل الغلاء في المعيشة يقابله الشح في الدخول والرواتب وكذلك عدم وجود العدل والمساواة في تعامل الحكومات مع مواطنيها وثم وجود فجوة هائلة بين دخول عامّة الناس والطبقة المحظوظة في القطاعين العام والخاص فجوة تهزُّ عقول الفقراء والمعوزين وقد تولِّد عندهم الحسد وحقد الناس على الحكومة وكذلك إستشراء الفساد والفاسدين واخذ اماكن متقدِّمة حسب التشريعات المعمول بها دون تمكن الحكومات في معظم الدول من إجتثاث الفساد والفاسدين من مجتمعاتنا النظيفة أصلا.
وامّا على صعيد المنغصات الخارجية فحدِّث ولا حرج ومنها التحديات التي تواجهها انظمة الحكم في معظم دولنا وما تواجهه هذه الدول لمحاولة الحفاظ على هيبة حكوماتها امام شعوبها وهيبة الدول امام القوّة وجبروت وظلم القوّة وإفتراءات الدول الأقوى فترى أنّ الدول الكبرى شنشلت الشعوب ممثلة بحكوماتها بالقروض والمديونيّة من الجهات التمويلية الحكوميّة والخاصّة فنجد ان دولة في العالم الثالث مديونة بمئات الملايين القليلة ولكن شعبها لا يعرف النوم بينما دولة مثل امريكا مديونة باكثر من 21 تريليون دولار حاليا, وتهدد العالم بينما شعبها مرتاح وينام ليله الطويل وكذلك كثير من الدول الكبرى المديونة مثل بريطانيا وفرنسا والمانيا والصين وغيرها مديونة بعدة تريليونات ولكنها دولا تملك إضافة للقوّة برامج إقتصادية ومنظومة أخلاقيّة وتشريعات نافذة ومطبّقة بعدالة بينما شعوبنا المتأخِّرة إضافة للتنازلات عن القيم والمبادئ ومنها حسن الخلق , والكثير من الأراضي والثروات المدفونة تحت الأرض او هي بادية للعرض فإنّ ديونه تؤرِّق الكبير والصغير والمقمّط على السرير وحتّى من هو مُمدّد على اللحد بانتظار المصير .
ففي العالم المتحضِّر الآخر من السهل ان يُقبض على الفاسد وحرامي الدولة ويُحاكم وتُستردُّ الحقوق والأموال التي سرقها بالقانون وليس بالجعجعة والكذب والإعلام الموجّه كما ان السياسيّون والمسؤولون لديهم كثيرا ما يُواجهون بالشتائم بل بالضرب والإعتداء الجارح ويتم تقديم المعتدي للقضاء ويأخذ عقابه دون اللجوء الى إتهامه بإغتيال شخصيّة المعتدى عليه ونحن لسنا بعيدين عن حادثة منتظر الزبيدي الصحفي العراقي عندما ضرب الرئيس الأمريكي جورج بوش بالحذاء قبل تسعة اعوام ولم يُتهم بمحاولة اغتيال الرئيس وإنما حوكم امام القضاء ولذلك فإن الموروث الثقافي الذي اكتسبته تلك الشعوب بعشرات ومئات السنين تفوّق على الموروث الذي اكتسبناه منذ الف وخمسمائة سنة والعيب ليس بموروثنا الثقافي والديني والأخلاقي بل فينا نحن وفي سلوكياتنا واطماعنا الشخصيّة وطريقة تربيتنا .
فهل يا ترى انحدرنا في بعض الدول الى الحضيض في سوء الأخلاق وباتت الشعوب لا تستحي خاصّة وانّ البعض القليل والشاذ اصبح يعبد الشيطان ويُقيم له الإحتفالات الماجنة وان البعض من بناتهم يخرجن كاسيات عاريات وان الإدمان احيانا يتغلغل في الأوساط الفقيرة اكثر من تغلغله في البيئات الميسورة في تلك المجتمعات واصبحت الحبوب المخّدِّرة تباع على البسطات وامام المدارس فهل نكون قد تخطينا أزمة الأخلاق وسوء الأدب وبدأنا ننزلق الى التبجُّح بما هو ادهى وأمرّْ والعياذ بالله والله المُستعان .
وقال الشاعر الجاهلي الأفوه الأودي
والبيـتُ لا يُبْتَنَـى إلا لـهُ عَمَـدٌ......................ولا عِمـادَ إذا لـمْ تُـرْسَ أَوْتـادُ
فـإنْ تجمـعَ أَوتــادٌ وأَعـمـدَةٌ.....................وساكنُ بلغوا الأمرَ الـذي كـادوا
لا يَصْلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لَهُمْ................ولا سَـراةَ إذا جُهالُهُـمْ ســادُوا
تُلفَى الأمورُ بأهلِ الرشْدِ ما صَلَحَت.................ْفـإنْ تَوَلـوْا فبالأَشْـرارِ تَنْـقـادُ
إذا تَولـى سَـراةُ القـومِ أَمْرَهُـمُ..................نَما على ذاك أَمْرُ القـومِ فـازْدادُوا
وكأنه يشرح وضع شعوب وحكومات كثيرة في بعض دول العالم الثالث .
اللهم إحفظ بلدنا ارضا وشعبا وقيادة من اي سوء وارزقنا حكومات راشدة من اهل الرأي تعمل من اجل خير المواطن والوطن .