قديماً كُنا نسمع مُصطلح "أبناء شوارع"، عن أولئك الذين ربما لم يحظوا بتنشئة سوية سواءً ليُتم أو لسوء صنيع الوالدين في تنشئتهم منذُ الصغر، واليوم ليس ببعيدٍ عن تلك الحقبة بتنا نرى شباب "يبعثوا فينا الحُزن"، على درب الثقافات الوافدة الرديئة سائرون.
ففي قصة ترتكب جريمة قتل على نمط آخرى في بلدٍ مجاور، وهناك سلوك آخر غير سوي مع الفتيات من أشخاص ذوي مكانة إجتماعية ما "علمية أو وظيفية"، ونسمع كلمات بذيئة في شوارعنا مما يثير الخجل لدينا ممن رُزق بدفء اللسان منذ النشء.
ونرى إفتتان شبابنا بملاحقة صرعات الفيديوهات وحضور الحفلات بكلف باهظة، وينهجون سلوكات بالشوارع تقليداً لثقافات وافدة من أحط الثقافات التي تروجها مواقع التواصل الإجتماعي بكافة أنواعها.
والمشكلة أن الناس الذين يتجشمون عناء التحليل للسلوكيات التي باتت ظاهرة في مجتمعنا وتقوض قيمه الإسلامية والعربية الأصيلة، يحملون الآخر مسئولية هذا التراجع، فيحملون التيك توك مثلاً أوزار التراجع، ويحملون المؤسسات الرسمية مسئولية هذا الأمر.
ولكن لسوء الطالع أنهم يصمون عيونهم عن أن أبنائنا باتوا يعانوا من يُتم من نوع آخر، فهم أيتام بوجود الأب والأم، عندما تترك الأم والأب على حد سواء الإبن ذو السنتين أو الخمس أو حتى العشر سنين بلا رقابة عقلانية على شاشات الموبايلات والتابلت يصولون ويجولون في أزقة الإنترنت ودهاليز مواقع التواصل الإجتماعي يتعلمون كل ما هب ودب من الثقافات بلا فلترة، ويجد الطفل هنا نفسه يتربى على يد غير آمينة هي يد الموبايل فهو يفكر بما يشاهد ويسأل اسئلة حول ما يرى ويقارن واقعه وما يشاهده.
والمُجيب هو أقرانه الذين يشاركونه ضحالة الخبرة الحياتية، أو يجيبه الموبايل نفسه إجابات تشبع نهمه وفضوله كخصيصة نفس نمائية لديه كطفل في ظل غياب الأب والأم، ولأنه طفل يتعشق تجربة ما يراه فيبني علاقات ويسلك سلوكيات لا يعلم بها الوالدين الذين غيبا نفسهما عن حياة الطفل طوعاً منهما عندما أنجباه وألقياه للموبايل كي يربي إلا بعد دخول الولد في مراكز الشرطة كمتعاطٍ أو كسارق أو بعد فضيحة أخلاقية من أي نوع وربما تحدث جريمة قتل نتيجة قصص وهم الحب بين الشباب والتي لا تتخذ سوى حب الثقافات الغربية والتي لا تنسجم مع آلياتنا نحن أبناء المجتمع الاردني للحب في العلاقات.
وبعد حدوث الوقيعة، يخرج الأب والأم ليصرخوا أنهم لم يربوا هكذا..عجباً ألم تحمل ابنك ذو السنوات الخمس وأقل إلى الموبايل عجينة يرقها الموبايل كيفما يشاء، وما ينشر اليوم عبر تلك الأدوات ليست ثقافات نظيفة كلها.
أجل.. لا ننكر كمختصين بعلم الإجتماع أن للموبايل فوائد على الشباب، ولكن السكين في المطبخ جميله وفي المشاجرة تؤدي لجريمة، وكذلك الموبايل بوقته وضمن استخدام عقلاني ومراقب ومع فتح قنوات التواصل المغلقة درءاً لوجعة الرأس الصغرى في البيت تدرأ عن الأهل وجعة الرأس الكبرى بالفضيحة ومركز الأمن –لا قدر الله-.
وإحصاءات المخدرت مثلاً التي تطلعنا عليها مديرية الأمن العام عبر إدارة مكافحة المخدرات تكشف أننا خلال السنتين الأخيرتين شهدنا تنامياً في التعاطي والإتجار في ظل غلبة المربي غير الأمين "الموبايل" على تربية أبنائنا الذين وفجأة وجدوا أنفسهم بين أهل لا يجيدون التنشئة بصورة سليمة ومهملين فيتركونهم مع مربيتهم "غير المرباة" الموبايل فيتعلمون منها أو منه –لا فرق هنا عندما ترتبط الأمور بسلامة مجتمع- الكثير ومنها المخدرات.
المسئولية هنا مشتركة، ولكن على الأهل والمقبلين على الزواج والأسر الجديدة قبل التفكير بالإنجاب تعلم إستراتيجيات تربية فاعلة وهناك الكثير من الأخوات الفاضلات والإخوة المتخصصين بعلوم التربية والنفس من تصدوا لهذه الأمانة عبر التيك توك وغيره من الممكن اللجوء لهم، كما وأن الإرشاد الأسري في دائرة قاضي القضاة يقومون بجهود تقدر في هذا الصدد.
صحيح أننا نحن تربينا على نمط تقليدي على يد أهالينا، ولكن الزمان تغير منذ عشر سنوات، وبتنا اليوم نتعرض لإنفجار ثقافات تتطلب من الأباء والأمهات وعياً أكبر ومواجهة بنفس شراسة هذه الهجمة الثقافية لإقتناص المفيد منها وتقليص الأضرار الناجمة عنها، لا تقديم أطفالنا على طبق مغلف بالشيفون للموبايل ونحن ممتنين له أن أراح رؤوسنا لنراهم فيما بعد بأسوأ مما كان أبناء الشوارع سلوكاً وخُلقاً-أيام الطيبين-.
ومن ثم نعض الأنامل كمداً بعد وقوع الواقعة، وإفتضاح سوءاتنا أمام العالم وأمام أنفسنا، ومن أساليب المواجهة الحوار وترك الأباء والأمهات للموبايل حتى يتفرغوا للأبناء بنفس مقبلة لا كمن يعمل الشيء مُجبراً و"خاوة" عنه، وتعلم وإستخدام تقنيات الرقابة الوالدية على الموبايل واللاب توب ومحاورة الأبناء ما يشاهدونه وتعزيز ثقافة الحوار غير المقترن بالخوف من التعنيف والمجادلة بالتي هي أحسن.
أخيراً..الطفل كالعجينة كما تعجنها تنتج لك، فلا تتوقع أن تسلم الموبايل وحده العجينة وتتوقع منتجاً زاكياً!
حفظ الله ابنائنا من كل سوء وقدرنا الله أن نكون ناصحين أمينيين عليهم.