آخر الأخبار
  للاردنيين .. اليكم أبرز تفاصيل المنخفض الجوي   "رياض حسن" بقبضة ادارة العمليات العسكرية في سوريا   صحيفة: إسرائيل تواصلت مع الأسد عبر واتساب   الأمن العام: إلقاء القبض على أربعة أشخاص قاموا بالاعتداء على سائق مركبة وتحطيم مركبته بمحافظة إربد   إعلام لبناني: توقيف حفيدة رفعت الأسد ووالدتها بمطار بيروت   السفارة الصينية في الأردن: تمديد تخفيض رسوم تأشيرة الدخول للصين   محافظ دمشق: لا نعادي الاحتلال الإسرائيلي   الافتاء": المساعدات المقدمة الى غزة الاسبوع الماضي تجاوزت الـ 2 مليون دينار   تحويل السير اثر حادث تصادم بين 4 سيارات بنفق صويلح   كتلة هوائية باردة تؤثر على الأردن بدءا من اليوم   خبير اجتماعي: مليون عامل أردني بلا حماية   تصريح رسمي حول انتشار الانفلونزا في الأردن   سوريا .. تصفية شجاع العلي المشتبه بتورطه في جرائم مسلحة   خطة أمنية شاملة خلال فترة امتحانات الثانوية العامة   مهم من وزارة العمل حول أخر يوم للإجراءات التنظيمية للعمالة الوافدة   مراكز الإصلاح تُمكّن أحد نزلائها من اجتياز متطلبات الماجستير   مندوبا عن الملك وولي العهد .. العيسوي يعزي الشوابكة   "جمعية البنوك الاردنية" تبشر الاردنيين بخصوص أسعار الفائدة للعام القادم   أمطار قادمة للمملكة في هذا الموعد!   الأردن يرفض اقتحام وزير أمن الاحتلال للمسجد الاقصى

اعادة الهيكلة في البوتاس

{clean_title}



لقد كان اكبر انجاز يسجل ، لرئيس مجلس الادارة الجديد في شركة البوتاس ، معالي المهندس جمال الصرايرة ، والذي لم يمضي على تعيينه سوى ثلاثة اشهر تقريبا ، اضافة الى انجازاته العديدة الاخرى ، التي جعلته الرئيس الاكثر شعبية في البوتاس ، واكسبته محبة وتقدير وثقة الاغلبية الساحقة من العاملين ، هو ادراكه السريع ، لعمق الجروح التي سببتها هيكلة الرواتب عام 2008 ، والغبن الذي لحق بفئة كبيرة من العاملين ، وعدم توفر ارادة الاصلاح لهذا الخلل ، الذي مضى عليه اكثر من اربع سنوات ، وعدم ايمانه بالحلول الترقيعية ، فامر باعادة دراسة الهيكلة من جديد ، ونسف كل بناء فاسد وما قام عليه ، واعادة البناء على اسس جديدة واضحة وعادلة .

وهنا لا بد من الاشارة ، الى ان خصخصة شركة البوتاس العربية ، في عام 2008 كانت خطوة ايجابية كبيرة من قبل الادارة الكندية ، ساهمت في تحسين رواتب العاملين في البوتاس جميعا ، بعد ان تأكلت هذه الرواتب لفئة كبيرة من العاملين ، وتضآلت امام غول الغلاء ، واصبح العديد من العاملين في البوتاس ، على وشك اللجوء للتنمية الاجتماعية بعد تقاعدهم ، لكن هذه الهيكلة في الرواتب ، ساهمت في اعادة مستوى معيشتهم الى حد كبير ، الى ما كان عليه الوضع في بداية تشغيل المصانع في بداية الثمانينات ، حين تميزت شركة البوتاس بكل ما تقدمه لعامليها .

لقد تحولت هذه الهيكلة من نعمة الى نقمة ، بفضل التدخلات لاحراز مكاسب بغير وجه حق لاكثر من جهة ، سواء لنقابيين او متنفذين بالشركة او لافراد من العاملين ، انتظموا في تكتلات ، محسوبة على هذا المدير او ذاك ، وتم التلاعب بالهيكلة ، وانتزاع مكتسبات من عاملين ومنحها لاخرين ، وبعضها تم بمجرد اتصال هاتفي مع مدير الموارد البشرية الاسبق ، واقرت هذه الهيكلة اصلا بدون اسس محددة ، او بأسس واهية لبعض الحالات ، بعيدة عن العدالة ، استخدمت لتبرير الايذاء اكثر منها للمنفعة ، بعد ان تم تجاهل العديد من دراسات شركات انصفت العاملين .

كل هذه التجاوزات كانت مكشوفة ومتوقعة ، تحدث بها المتضرر شاكيا ، كما المستفيد متباهيا ، وهي ظاهرة للعيان ، لا يستطيع احد انكارها او تبريرها ، لكن ما خفي اعظم ، واقصد هنا الانتهاكات لحقوق العاملين ، التي مارسها بعض مدراء الدوائر العرب ، وحاولوا سبغ صفة قانونية عليها ، ومن امثلة ذلك :

اعتماد المسمى الوظيفي كاساس لتعديل الراتب ، مع تجاهل الدرجة الادارية ، وهذا ما تم مع العديد من الفنيين ، وبالذات في دائرة الصيانة ، حيث كان المسمى سابقا يرافق الدرجة الادارية ، فمثلا عندما يتم ترقية فني اول وهو في الدرجة الادارية الثامنة الى الدرجة السابعة ، يجب ان يتبدل مسماه تلقائيا الى مراقب ، وهذا الامر كان يخضع للمزاجية احيانا ابان العهد العربي ، حيث تمت ترقية العديد من الفنيين الى الدرجة السابعة دون تبديل المسمى الى مراقب .

 

وعندما جاءت الهيكلة ، اعتمد المسمى الوظيفي ، فحصل المراقب على زيادة اكبر في الراتب ، والفني الاول على زيادة اقل ، مع ان الاثنان في نفس الدرجة الادارية ، لا بل ان بعض من حرموا من هذا المسمى اقدم ممن حصل عليه ، ولم يكن لذلك علاقة بالاداء الوظيفي ، والذي لو كان منخفضا لما حصل اصلا على الترقية في الدرجة ، ومع ان هذه القضية مثارة منذ الهيكلة قبل خمس سنوات ، الى انها بقيت دون حل ، لعدم توفر ارادة احقاق الحق لدى المدراء العرب ، مما حدا بالمتضررين الى رفع قضايا امام المحاكم .

في الوقت الذي منحت فيه المسميات الوظيفية للفنيين نفس الميزات المالية ، فقد تم تجزئة مسميات المهندسين ، حيث منح بعض النظار الدرجة المالية الخامسة ، الاعلى راتبا ، واخرون اما الدرجة المالية السادسة او السابعة ، دون اسس واضحة ، ولعل اكبر مظهر من مظاهر الاستهتار في البوتاس ، ان يتم تعيين مهندس حديث التخرج ، بنفس راتب مهندس خبرته عشرين عاما بالاشغال الشاقة الميدانية ، فقط لانه ابن احد المدراء ، وعمره اقل من سنوات خبرة بعض المهندسين الذين يتساوى معهم بالراتب .

 لقد تم تجاهل العشرات من سنوات الخبرة ، وبالاخص للمهندسين ، فتساوى الراتب لمن يحملون نفس الدرجة المالية ، فالمهندس الذي تم منحه مسمى ناظر قبل الهيكلة باسابيع ، اصبح يتساوى بالراتب مع الناظر الذي يحمل هذا المسمى لخمسة عشر عاما ، لا بل راتبه اعلى من ناظر اخر ، نزل عليه غضب الحاكم الناهي ، فمنح الدرجة المالية السابعة .

 التلاعب في منح المسميات الوظيفية قبل الهيكلة ، وهذا ما حدث في الاسابيع او الاشهر القليلة التي سبقت هيكلة الراتب ، حيث كان التسابق من كل طرف لجلب المنفعة لاتباعه ، فتم منح مسميات مراقب ومشرف بدون اسس ، وتم على سبيل المثال ترقية احد مهندسي الصيانة الى رتبة ناظر قبل الهيكلة باسابيع ، رغم وجود من هم احق منه بهذا المسمى في اقسام اخرى ، وكان بالامكان اجراء التنقلات الضرورية لمثل هذا الغرض .

وعلى ذكر التنقلات ، لا بد من الاشارة ، الى ان الهيكلة قد طرحت منذ بداية الخصخصة ، وبالتحديد في عام 2004 ، حيث سببت المعلومات التي سربت عن تفاصيلها ، العديد من الاحتجاجات ، وكان التبرير للمحتجين من قبل مدير الصيانة انذاك ، ان الذي يحدد المسمى هو المهام الوظيفية في ذلك الوقت ، فالناظر "رئيس القسم " في موقع ما سوف يخفض مسماه الى مشرف ، ومساعد مدير صيانة سوف يخفض الى ناظر ، وبنفس الوقت ناظر موقع معين سوف يصبح مديرا .

 

 اي ان " الوزن الوظيفي " ، هو الذي يحدد المسمى صعودا او هبوطا ، وفهم من ذلك ان كل موظف سيبقى في مكانه ، وعلى ضوء مهام عمله هناك سيكون مسماه الوظيغي في الهيكلة ، وقد جمد مشروع الهيكلة لاربع سنوات لاحقة ، لكن التحضيرات لها لم تتوقف ، واعداد المحاسيب للمواقع المتقدمة لم يتوقف .

وكما هو متوقع ، تم في السنوات الاربع التي سبقت الهيكلة ، اجراء التنقلات للاتباع ، كي يضمن كل منهم مسماه المعد له في الهيكلة ، كما تم ضم اقسام لقسم اخر ليس بينهم رابط ، بهدف تعظيم دور مسؤول القسم ، وتهيئته للمسمى الاكبر ، وبنفس الوقت سحب معظم مهام اقسام ، والحاقها باقسام اخرى ، من اجل تقزيم دورها ، وبالاخص في دائرة الصيانة .

هذه بعض حالات التزييف ، التي تم اسباغ الصبغة القانونية عليها ، وادت الى سيل من التظلمات ، منذ عام 2008 وحتى الان ، كل هذا تم في وضح النهار ، نتيجة سلطة الاستبداد المطلقة ، وعدم وجود مرجعية توقف الحاكم الناهي عن استبداده ، اضافة الى التجاوزات الواضحة دون فبركة لمبررات ، وعلى عينك يا تاجر .

لم يتوقف الامر عند هذا الحد ، ففي عام 2009 ، والذي يحق لنا تسميته عام النهب ، حيث سجلت فيه شركة البوتاس ارباحا هائلة ، انتشرت ظاهرة فريدة ، تمثلت بالعمل الاضافي التنفيعي الهائل ، خاصة بعد زيادة الرواتب ، التي وصلت عند البعض للضعف ، واصبح العمل الاضافي مجزيا ، ومدعاة للتسابق عليه ، وحقق غير المغضوب عليهم وغير الضالين ، ارقاما فلكية من حيث مردود العمل الاضافي التنفيعي ، تجاوزت رواتبهم الشهرية ، في الوقت الذي حرمت فيه اقسام واشخاص في دائرة الصيانة من الحد الادنى من العمل الاضافي .

 

لا بل تم تشجيع انتقال الفنيين من قسم معين الى اقسام اخرى تتوفر فيها فرص العمل الاضافي ، ودون توفير البديل ، واستمرت هذه الظاهرة لسنوات لاحقة ، لكن بزخم اقل ، بعد الازمة المالية العالمية ،ولا بد هنا من لفت النظر الى ظواهر فريدة رافقت عام النهب ذاك ، لقد كان من الطبيعي ان تذهب الى محل بيع اللحوم يومي الجمعة والسبت وفي العطل ، فتجد مهندسا وفنيا او اكثر جاؤا لشراء الذبائح ، من اجل اقامة "الزرب" الجماعي في المصانع اثناء مناوبتهم ، وللمرء ان يتخيل حجم الهدر في الجهد والوقت لاعداد هذه الماكولات ، التي "مع الاسف" لم يتح الفرصة لها لدخول موسوعة جينيس .

 

 كما كان من الملفت ايضا ، ان تجد مهندسين ، اصبح بعضهم مدراء ، كانوا يعملون اضافيا كل يوم وفي نهاية كل اسبوع ، وكان الواحد منهم لا يرد التحية بحجة انشغاله ، وبعد ان اصبحوا مدراء ، ومنع عنهم العمل الاضافي ، اصبحوا يغادرون مواقع عملهم مع نهاية الدوام ، رغم ان طبيعة عملهم لم تتغير ، وما تغير هو المسمى الوظيفي فقط ، وبعض هولاء بحاجة الى دورات في الادارة ، كي يحسنوا التعامل مع زملاء لهم ، لم يجدوا الدعم لنيل مواقعهم .

لقد تعرض عمال خلال عشرات السنين ، الى تظلمات العهد العربي لكنها كانت بالنسبة لهم انية ، ولم يفكروا باللجوء الى القضاء ، احتراما للعلاقة الاسرية التي كانت تربط جميع العاملين في البوتاس مع اداراته العليا ، وخاصة في عهد المرحوم سليمان الهواري ، والمهندس ناصر السعدون اطال الله عمره ، وهنا لا بد ان اذكر قصة فيها العبرة عن المرحوم الهواري ، المدير العام الاسبق ، حيث تعرض احد المدراء لاشكال ما مع الادارة العليا .

 

ولان الجمل عندما يقع تكثر السكاكين عليه ، فلقد ساهم الجميع بايذائه ، حتى وجد نفسه يوما مضطرا للاستقالة ، وبعد استقالته بفترة ، علم المرحوم سليمان الهواري بالحقيقة ، وبالظلم الذي تعرض له ذاك الرجل ، فذهب الى السوبرماركت الذي عمل فيه ذاك المدير بعد استقالته ، واعتذر له وساهم في تعيينه مديرا في احدى الشركات الحليفة ، فكم من مدراء هذه الايام يمتلك مثل هذه الاخلاق ؟ ولا ننسى المهندس ناصر السعدون ، الذي كان يداوم في مكتبه ليلا ، وكان باستطاعة اي عامل مهما صغر ، ان يذهب الى مكتبه ، ويطرح مظلمته ، وان اقتنع بها ابا غازي ، فانها تحل فورا وبرضى الجميع ، رغم التجاوز الاداري ، فهذا الجو الاسرى جعل اي تجاوز على حقوق اي من العاملين امرا انيا ، سوف يحل لاحقا ، ان استطاع العامل اثبات حقه ، لكن مع الادارة الاجنبية وهيكلتها ، واستبداد المدراء العرب ، فالظلم يتجذر ويترسخ ، ويتوسع افقيا ليشمل حتى توزيع السكن الوظيفي .

نود هنا ان نلفت انتباه معالي الرئيس ، الى احتمالية التلاعب في اعادة الهيكلة ، ان ترك الامر لمن تسبب في مأساة الهيكلة السابقة ، ولعل ما يخططون له الان ، الاستفادة من الامر الواقع الذي فرضوه ، بان يجعلوا المهام الحالية لكل موظف هي الاساس في تحديد موقعه من الهيكلة ، وهذا الامر فيه ترسيخ نهائي للظلم ، لانهم تلاعبوا في المهام الوظيفية سابقا ، عظموها لمن شاؤوا ، وقزموها لاخرين ، والعدل يقتضي ان يتم توزيع الوظائف من جديد ، لياخذ كل واحد الموقع الذي يتلائم مع مؤهلاته وخبرته ، مع مراعاة ما خسره المتضررون من سنوات سابقة ، خبرة وضرر مادي ومعنوي .