جراءة نيوز - حمادة فراعنة
التهرب الضريبي جريمة وطنية عند الشعوب المتحضرة ، ومعابة كبرى لدى الدول المتقدمة ، يتم تصنيفها جرمياً بالدرجة الثانية بعد التجسس والخيانة الوطنية نظراً لفداحة أضرارها وتأثيرها على القرار المستقل للدولة الوطنية ، فالخدمات التي تقدمها الدولة من أمن وتعليم وعلاج وتأمين معيشي يجب أن تكون مدفوعة الأجرة والثمن ممن ؟؟ من جيوب المواطن دافع الضريبة ، فالمواطن وحده هو ممول الموازنة عبر الضرائب المجباة ، والحصيلة أنها ليس مِنة من الحكومة على المواطن ، وليس مكرمة من المواطن للحكومة ، بل هي معادلة الحقوق والواجبات ، بين الدولة والمواطن ، وضعف أي منهما يؤدي إلى الخلل في المعادلة بالإحتجاجات الشعبية بسبب سوء الخدمات الحكومية أو نقصانها ، مثلما يؤدي إلى العجز في الموازنة والمديونية عند زيادة المصروفات الحكومية عن مداخليها .
ونحن ورثنا تقاليد التهرب من دفع المستحقات الضريبية المترتبة علينا للدولة ولحكوماتها المتعاقبة منذ عهد جدودنا في الدولة العثمانية الظالمة ، ومنذ عهد الأباء في فترة الإستعمار الأجنبي ، وإستمر تقاليد التهرب من دفع الواجبات بإعتبارها ذكاء وفهلوة وأداء وطنياً نظراً لغياب الإدارة الوطنية خلال تلك السنوات المظلمة ، وقد تواصلت هذه السياسة الموروثة من العهدين العثماني والإستعماري إلى العهد الوطني والإستقلال ، بسبب غياب الديمقراطية والشراكة وتداول السلطة وما أفرزته الإدارة المحلية الوطنية من سياسات تسلطيه وتفرد شخصي أو عائلي أو قومي أو ديني أو مذهبي على مقدرات المجتمع والدولة وأدى ذلك إلى غياب العدالة الإجتماعية بإتجاهين : أولهما غياب العدالة في توزيع الثروة والخدمات وضيق الشراكة في مؤسسات صنع القرار ، وثانيهما غياب العدالة في تحصيل الواجبات المطلوبة من الشرائح الثرية والمتنفذة مقارنة مع ما هو مطلوب من الشرائح الفقيرة والضعيفة المضغوطة ، مما أدى إلى الفجوة القائمة بين المتنفذين من جهة ، وبين المغيبين والمهمشين من جهة مقابلة .
ولذلك تشترط قيم الدفع الضريبي وتقديم الواجبات بوعي وإيمان ورضى ، مقابل تحصيل الحقوق المدنية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية والديمقراطية ، على قاعدة توازن الحقوق مع الواجبات ، فلا يجوز تحصيل الحكومات لمتطلبات الضريبة بإصنافها على المواطن ، بدون أن تقدم له متطلبات حقوق الأمن والتعليم والعلاج والسكن والتأمينات الإجتماعية للفقراء وكبار السن ، هذه مقابل تلك ، وغير ذلك الظلم بعينه ، وغياب العدالة الفاقعة .
منذ الربيع العربي المهدور وهزيمته لصالح قوى الإسلام السياسي المتطرف ، ومؤامرات قوى الشد العكسي المتحفزة ، ونحن نرفع شعاري الإصلاح السياسي والإصلاح الإقتصادي معاً ، وترابطهما في بلدنا ، والتهرب الضريبي جزءاً من منظومة الإصلاح الإقتصادي بل جوهره ، ولكن هذا يتطلب إجراءات فعالة للتصنيف والتدقيق تيمنا للعدالة وتطبيقاتها كي تسهل الأمر بسهولة ورضى على المواطن كي يتخلص من موروث الذكاء والمباهاة من التهرب الضريبي ، ويفهم أن ثمن الخدمات المقدمة له تتم من جيبه عبر الضرائب المدفوعة التي يجني ثمارها بخدمات متقدمة تليق بإحتياجاته الإنسانية .
ولذلك يرتبط الإصلاح الإقتصادي بالإصلاح السياسي القائم على إنتخابات نيابية وبلدية نزيهة وعادلة كي يصل حقاً إلى مؤسسات صنع القرار أشخاصاً وأفراداً وأحزاباً معبرين عن إرادة الناخب الأردني ، لأن البرلمان هو الشاهد وهو المشرع للقوانين وهو المراقب لأداء الحكومة في كيفية وضع الموازنة المالية كي تصل الخدمات لكل المواطنين بعدالة لأبناء المدن والأرياف والبوادي والمخيمات بإنصاف كامل ، وإلا ستبقى لعبة القط والفأر قائمة متواصلة تعكس الفشل في الإصلاح الإقتصادي نظراً وإنعكاساً للفشل في الإصلاح السياسي .