عندما يتوجه الاسرائيليون الى صناديق الاقتراع يوم غد الثلاثاء، سيتذكر بعضهم ان تاريخ نتنياهو يعيد نفسه، وان بيبي نتنياهو الذي وصل الى الحكم في العام 1996 كأصغر رئيس حكومة في تاريخ اسرائيل، يقف اليوم على عتبة الخسارة المعلنة سلفا، وللمرة الثانية في حياته السياسية، وفي عهد الادارة الديمقراطية في البيت الابيض.
في المرة الاولى، عندما جرت الانتخابات الاسرائيلية في العام 1999، كنت في واشنطن، وكان الجو السائد ان نتنياهو رئيس حكومة اسرائيل، هو الذي حاول، بل سعى، الى عرقلة التوصل الى اتفاق بافشال المفاوضات مع الرئيس عرفات التي جرت في وقت سابق في «واي ريفر» والتي تمت برعاية الرئيس كلينتون وحضور المغفور له الملك الحسين. ونتيجة لذلك ساد العلاقات الاميركية الاسرائيلية بعض البرود بسبب عناد وسلوك نتنياهو المتعالي والمتنمر.
وعندما اعلنت النتائج، وتحقق فوز ايهود براك وهزيمة نتنياهو ساد شعور بالارتياح في البيت الابيض والدوائر السياسية الاميركية. وعلى اثرها اعلن نتنياهو انسحابه من الحياة السياسية بشكل مؤقت، الى ان عاد وزيرا للخارجية في حكومة شارون عام 2002.
منذ ذلك الوقت انخفض منسوب « كيميا الاعجاب « بين نتنياهو وادارة الحزب الديمقراطي. وعشية الانتخابات الجديدة، اعاد نتنياهو الكرة، ففجرّ صراعا من نوع آخر، اكثر حدية وسخونة، حين تحدى الادارة الاميركية والرئيس اوباما بذاته، حيث اصراره على القاء خطاب امام الكونغرس حول الموقف الاميركي من الملف النووي الايراني.
في خطابه، حاول نتنياهو، الذي درس الهندسة وادارة الاعمال، رسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عبر تورطه بالصراع الداخلي المحتدم بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وتدخله المباشر بالشأن الداخلي الاميركي، لاعتقاده ان هذا السلوك سيخدمه في الانتخابات الاسرائيلية، خصوصا في صفوف اليمين المتشدد. الا ان حساباته كانت خاطئة ومختلفة في نتائجها، لأن المعارضة قامت بهجمة مرتدة، فالتقطت هذه المناسبة ووظفتها لصالحها في المعركة الانتخابية، ووصفتها بالكارثة التي تقود اسرائيل الى مزيد من العزلة وتهدد مستقبلها.
اليوم ادرك نتنياهو انه خسر المعركة، حيث يواجه واقعا صعبا، ويخوض معركة يائسة، لذلك حاول في كل تصريحاته لوسائل الاعلام الايحاء بأنه مهدد بسبب الضغوط الناتجة عن خلافاته مع الادارة الاميركية، وانه يدفع ثمن موقفه الصارم الذي يخدم اسرائيل ويحميها، ويتهم منافسيه، في حال فوزهم، بالرضوخ المحتمل لرغبات وتعليمات ادارة الرئيس اوباما، لذلك اعلن رفضه المشاركة بحكومة ائتلافية، ومن المتوقع ان يعتزل العمل السياسي مرة اخرى.
في ضوء هذا الواقع، وحسب المستجدات الانتخابية، وبناء على ما نشرته الصحف من استطلاعات، تأكد ان الليكود قد تراجع وسيخسر عددا من مقاعده بالقدر الذي يفقده القدرة على تشكيل الحكومة، وفي احسن الاحوال سيحصل على 21 مقعدا ان لم يكن اقل، وان «المعسكر الصهيوني « بقيادة اسحق هرتسوغ وليفني سيحصد 25 مقعدا على الاقل، لذلك بدأ نتنياهو يتحدث سلفا عن عدم ضمان اعادة تشكيله الحكومة. فهو يريد تبرير فشله، مدعيا بانه البطل والزعيم الذي حارب اكبر واقرب الحلفاء من اجل امن وسلامة ومصلحة اسرائيل، محاولا استجداء اصوات اليمين المتشدد، بما يكفي لحفظ ماء وجهه.
ومن المتوقع ان تحصد القائمة العربية 13 مقعدا بحيث تكون متقدمة في ترتيب القوائم، ونأمل ان يمكّنها واقعها الجديد من لعب دور سياسي مؤثر وضاغط لخدمة الوجود العربي الذي يعاني من التمييز العنصري، حتى في قطاع الخدمات. وبالمقابل يعاني قادة الاحزاب اليمينية المتشددة من فضائح فساد ستفقدهم بعض المقاعد داخل الكنيست، ولكن رغم هذه الخريطة التي تقدم معطيات جديدة في خريطة الانتخابات الاسرائيلية، تبقى نسبة التفاؤل بالتوصل الى حل عادل لقضية الشعب الفلسطيني في ادنى مستوياتها، لأسباب اسرائيلية وغياب الدور العربي، وعدم قيام الشرعية الدولية بدورها القانوني والاخلاقي.