نقلت لنا وسائل الإعلام المختلفة التي احتشدت في العاصمة القطرية لمتابعة أعمال القمة العربية العادية بعض المفارقات الطريفة التي واكبت ورافقت عملية التجهيز والإعداد اللازمة لهذا الإنعقاد ، من هذه المفارقات ما قد يُفهم على قاعدة المضحك و المبكي في ذات الوقت ، ومنها ما قد يراد له أن يعكس رسائل وبرقيات مرتبطة ببعض العناوين الساخنة والمأزومة التي سيتوقف أمامها القادة والرؤساء والزعماء العرب .
فعلى سبيل المثال فالمقعد السوري ومن سيجلس عليه كبديل عن الرئيس بشارالأسد قد يكون العنوان الأكثر تداخلاً وتشعباً ، والذي يأتي في مقدمة هذه المفارقات وما يدور حولها من تباين وجدل ، فالبرغم من الغياب المؤكد للرئيس السوري ، إلا أننا نجد أن الخلاف يتواصل حول ممثل المعارضة الذي سيقع عليه الإتفاق لتبوء الجلوس على الكرسي الخاص بسوريا في هذه القمة ، أما الخلاف الثاني فقد نشب حول الترتيب الخاطىء لألوان العلم الليبي ، وهذا ما اكتشفه معاون وزير خارجية ليبيا والذي أقدم على تنزيل علم بلاده المرفوع فى قاعة المركز الصحافي بعد أن وجد أن اللون الأسود قد حل في موقع الأحمر والعكس وهذا ما أثار غضب المسؤولين القطريين .
المفارقة الثالثة التي تناولتها وسائل الإعلام بالتعليق ركزت على الزهور البيضاء والتي وضعت بالآلآف وبكميات هائلة لتحيط بمقرات الوفود الرسمية وبالمساحات والأرضيات المجاورة لها ، لون الزهور توحد واستقر على اللون الأبيض ، فكيف هو حال القلوب والنفوس عند القادة المجتمعين ؟
وما هي ألوانها الداخلية يا ترى ؟ وإذا كانت هذه الزهور ستذبل وسينتهي بها المطاف بطبيعة الحال إلى حاوية النفايات ، فإلى أين ستذهب ؟ وإلى أين سوف تستقر عنوانين الحقائق التي يحملها قادة الأمة العربية في قلوبهم وبين جوارحهم ؟ وما هووقع التأثيرات التي أحدثها الربيع العربي على سياساتهم ومواقفهم ؟.
الخطابات والكلمات الإفتتاحية الإستعراضية و كذلك المؤتمرات الصحفية ، وصولا إلى البيان الختامي ، كل ذلك لن يكون قادرا على تغطية الحالة المزرية والمؤلمة التي وصل إليها حالنا العربي ، كما أن توزيع الإبتسامات الغير صادقة أمام عدسات الإعلام لن يستطيع هو الآخر أن يخفي هذه الفرقة و هذا الإنقسام والخلاف الذي يملأ سماء هذا الوطن العربي
كما أن تبادل الزيارات الثنائية بين رؤساء الوفود وكما جرت العادة في القمم لن يكون كافيا لتوصيل رسائل الهدوء والإستقرار والطمأنينة التي نفترض أن تسود على صعيد العلاقات المتبادلة بين هذا القطر وذاك ، وذلك لأن الحقيقة ليست على مقدار التمنيات وقد تصل لتكون على النقيض تماما .
القمة كمحطة عربية لا تزال تعيش فشلها وعجزها المزمن الذي ساد قبل الربيع والذي لا يزال على حاله في مرحلة ما بعد هذا الربيع ، وخصوصا حين نتناول القضايا المصيرية ، والمحاور الصعبة التي تعيش المنطقة وكل دولها تحت تأثيرها ،و إذا كان من الطبيعي أن تكون القضية الفلسطينية في مقدمة هذه الهموم العربية ،لكنها وللأسف وبالرغم من كل هذه المتغيرات تراجعت كثيرا ولم تعد قضية العرب والمسلمين الاولى ، وقد يأتي اليوم الذي سوف تصبح فيه في موقع آخر الذيل بدلا من مقدمة الرأس .
ولذلك ، فإذا عدنا إلى التاريخ فمن السهل أن نصدر الأحكام السهلة على هذه القمة وعلى ما سيخرج عنها من " قرارات " ، فالحال السيء سيظل على حاله ، ولا توجد في الأفق أية بوادر يمكن أن تشير إلى الإنفراج العربي ، وإلى وجود امكانية للتقدم خطوة متواضعة إلى الأمام ، فالقرار وعلى كل الصعد والمستويات ليس مناطا باليد العربية ، وما يجري على ساحات أغلب البلدان العربية لا يقودنا إلا إلى توقع المزيد من حمامات الدم والمصائب والكوارث وقد نجد في قضية المقعد السوري وألوان العلم الليبي التي نتناحر حولها خير دليل على صحة هذا التقدير .
الزهور البيضاء لن تجدي ولن تفيد في نزع الخوازيق والألغام التي يواصل أعداء هذه الأمة دقها وزراعتها على مدى مساحات هذا الوطن المترامي في أطرافه ، وقلوب كل القادة المجتمعين تعيش أوجاعها الذاتية الخاصة وكلٌ منهم يغني على ليلاه
فالأضرار على الصعيد العربي العام كثيرة ومتشعبة ، وقد تكون المصالح الضيقة والمكاسب التي يسعى إليها البعض ولو على حساب الدم واللحم العربي هي التي تتصدر المشهد وبلا أدنى شفقة أو رحمة ، ماذا سيكون لون الورود التي يجب أن نضعها على قبور الضحايا الأبرياء ومن مختلف العواصم ، هذا هو السؤال وقد يكون ذلك أهم بكثير من زهور الدوحة البيضاء ؟!