آخر الأخبار
  جاموس: كنا الأفضل في كأس العرب لكن تفاصيل صغيرة حرمتنا من اللقب   المومني اشاعات متعلقة ببمدينة عمرة الجديدة .. تهدف للتشويش   "المفوضية": توقعات بعودة 75 ألف سوري لبلدهم من المملكة في 2026   توافقات أردنية مصرية لتسريع عبور الشاحنات ودعم الترانزيت   الجامعة الأردنيّة تحتلّ المركز الرابع عربيًّا والأولى محليًّا في تصنيف الجامعات العربيّة 2025   مصدر: لا ملكيات شخصية في أراضي عمرة .. وجميعها لخزينة الدولة   فيدان: نتوقع بدء المرحلة الثانية من اتفاق غزة مطلع 2026   محمد الشاكر يوضح حول العواصف الثلجية نهاية العام   الدكتور منذر الحوارات: دراسة اقتصادية تظهر أن كل دينار يُحصّل من منتجات التبغ يقابله 3-5 دنانير كلفة صحية لاحقة   خلال تصريحات تلفزيونية .. المدرب جمال سلامي يتغزل بمهاجم النشامى يزن النعيمات   مسودة نظام الناطقين الإعلاميين في الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية لسنة 2025   النائب ابراهيم الطراونة: الاردنيين نسيوا همومهم ومشكلاتهم في لحظات تشجيع المنتخب الوطني، حيث تجاوزوا خلافاتهم ورفعوا عنوانًا واحد هو الأردن   بعد سؤال للنائب خالد أبو حسان .. وزير الشؤون السياسية والبرلمانية العودات يوضح حول "أمانة عمان"   وزير العمل للشباب: الأجور ترتفع كلما زادات مهاراتكم   مذكرات تبليغ قضائية ومواعيد جلسات متهمين (أسماء)   العرموطي: الأولى تخفيض ضريبة الكاز للفقراء وليس السجائر والتبغ   نائب أردني: السفير الأمريكي ما ضل غير يصير يعطي عرايس   النقد الدولي: الضمان الاجتماعي تشهد تراجعًا تدريجيًا رغم الفوائض المالية   وزارة الطاقة توضح بشأن اتفاقية تعدين النحاس في منطقة أبو خشيبة   الديوان الملكي ينشر صورة من اجتماع للملك بالعيسوي
عـاجـل :

من أين بدأ التاريخ؟

{clean_title}
جراءة نيوز - الدكتور منذر الحوارات يكتب ..

إنَّ التدقيق في أول تحوُّل تاريخي كبير في منطقتنا، وهو انهيار الإمبراطورية العثمانية، يُبيّن أنَّ هذه اللحظة لم تكن هي نقطة البداية، بل انطلقت قبل ذلك بما يزيد على القرن، فقد بدأت أركان الإمبراطورية بالتداعي لأسباب داخلية عديدة، وأيضًا لأسباب خارجية، عبَّر عنها صعود أمم قوية أخرى استثمرت العلم وقوانين الحداثة والتطور للانقضاض على تلك الإمبراطورية المريضة، وكانت نتيجة كل ذلك انهيارها، وبالتالي لم يكن تفكُّكها مفاجئًا أو وليد اللحظة، وفي الوقت نفسه، كانت أوروبا تُحكم قبضتها على أدوات الحداثة والتنظيم، مما أتاح لها الانقضاض على الإرث العثماني مترامي الأطراف، وهكذا، كانت اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور جزءً من خطوات محسوبة في مشروع طويل الأمد لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم المصالح الاستعمارية.

ومع بداية الاستعمار الغربي وهو المشروع الكبير الثاني، لم يكن الهدف مجرد تقسيم الأرض، بل كان مشروعًا لإعادة تشكيل المنطقة سياسيًا واجتماعياً وفق رؤى ومصالح الدول الغربية، وبموجب هذا المشروع، وُلدت الدول العربية الحديثة، التي استمرَّت هشَّة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ذلك لأنها، باختصار، لم تكن نتاج مصالح داخلية أدَّت إلى تسويات متفق عليها، وافتقرت إلى الجذور والمقدمات التاريخية الحقيقية، بالتالي بقي الإيمان بها هشًّا ومحدوداً، وفي سياق هذه الغفلة والتواطؤ الدولي، تم تأسيس أول مستوطنة يهودية في فلسطين، والتي لم تكن مجرد بناء بل إيذاناً بانطلاق مشروع كبير وعميق الجذور يهدف إلى تغيير هوية الأرض الفلسطينية وكذلك واقعها الديموغرافي، ولم يتسلَّح هذا المشروع بدعم الدول الغربية فقط، بل بفهم عميق من الحركة الصهيونية لمفهوم الدولة الحديثة وأهميتها كأداة للبقاء والتوسع، ويمتد هذا الفهم إلى عصر النهضة الأوروبي وما تلاه من تطورات.

في المقابل كان العرب يفتقرون إلى مشروع سياسي موحَّد ولم يكن لديهم أي رؤية استراتيجية، بل ظلوا منقسمين بين زعامات قبلية ونخب تقليدية تمسكت بالماضي، ولم يكن مفهوم الدولة الحديثة جزءأً من وعيها، بل اعتبرتها تهديداً لبقائها، وفي أحسن الأحوال كانت تنظر إلى الدولة كأداة للسيطرة على الموارد والمكانة الاجتماعية، لذلك كانت معارضة الدولة بصيغتها الحداثية جزءاً أصيلًا من مكونات النخب المسيطرة.

ومع كل خطوة يخسر فيها العرب أرضاً، كانت إسرائيل تُرسّخ وجودها كدولة حديثة تمتلك مؤسسات قوية وجيشًا منظمًا وبنية تحتية متقدمة، هذه الفجوة الفكرية والتنظيمية لم تكن عشوائية، بل كانت نتيجة مباشرة للتباين بين مشروع صهيوني متماسك وأطراف عربية منشغلة بصراعاتها الداخلية، وبالتالي عندما حدثت لحظة العام 1948، لم تكن هذه نقطة البداية، بل نتيجة حتمية لكل ما سبق، وبالرغم من أنها فجَّرت أحداثًا هائلة وتغيرات كبيرة في أغلب الدول العربية، إلا أن هذه الأحداث لم تعكس لحظتها بل كانت محصلة لكل ما سبق، فكل الانقلابات أو ما أُطلق عليها «ثورات» في وجه الأنظمة الحاكمة لم تستطع إحداث تغيير حقيقي أو تحوُّل جذري في بنية هذه الدول أو قدرتها على مواجهة التحديات، وما كشف هشاشة تلك الثورات وفشلها هو هزيمة العام 1967، التي توَّجت هذا الإخفاق وكشفت ضعف هذه الأنظمة ليس فقط أمام إسرائيل بل أمام شعوبها، وأدى هذا الإخفاق للتيار القومي إلى صعود الحركات الإسلامية لملء الفراغ على أشلاء التيار القومي المهزوم، والذي لم يستطع انتصار أكتوبر 1973 قلب معادلته، بل أدى إلى نتيجة بمثابة زلزال قلب معايير المنطقة عندما وقَّعت مصر اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل، مما جعلها أكثر رسوخًا وأمنًا في قلب المنطقة، وأدى إلى تغييرات جوهرية في قواعد الصراع.

لم تتوقف الأحداث الكبرى في المنطقة، فكانت الثورة الإيرانية واحدة من الأحداث المهمة، وما تلاها من حرب الثماني سنوات مع العراق وغزو الكويت، وما تلا ذلك من أحداث أغرقت المنطقة في فوضى عارمة، تُوِّجت هذه الفوضى بالغزو الأميركي للعراق في العام 2003، والذي قُدَّر له أن يغيِّر الجغرافيا السياسية للمنطقة برمتها، فانهيار نظام صدام لم يكن مجرد حدث محلي عراقي، بل كان شرارة لموجة هائلة من الفوضى والانقسامات بشتى أنواعها، من الطائفية إلى الإثنية وغيرها، وكانت ذريعة كل ذلك أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أطلقت شرارة الخراب في المنطقة على كل المستويات، وبعد ذلك بعقد، ونتيجة للتراكمات والإخفاقات التي عانى منها المواطنون العرب، انطلق الربيع العربي وأطاح بالعديد من القادة العرب، لكنه ترك فراغاً سياسياً وأمنياً ملأته الفوضى والتدخلات الخارجية، وفي الأثناء، كانت إسرائيل تقفز قفزتها الكبرى وتصنع فارقاً بينها وبين أعدائها لا يمكن جسر هوته، مما مكَّنها من تعزيز وجودها الإقليمي والدولي، مستفيدة من إدراكها العميق بأن التغيير في العالم العربي ما يزال بعيداً عن التماسك أو الفعالية.

وفي نهاية المطاف، كآخر فصل في هذا المسار الطويل كان طوفان الأقصى وبالرغم من عظمة لحظته، إلا أنه كشف هشاشة محور كامل هو محور إيران، والذي أثبت أنه لم يغير فهمه لقواعد التاريخ الحديث وسار على نهج المشروع العربي المنهار سابقاً، وبالتالي فإن انهيار هذا المحور، سيقود إلى تغييرات عميقة في المنطقة تجعل إسرائيل فاعلًا رئيسيًا بل وصانعاً لمستقبل المنطقة السياسي والاقتصادي وربما الهوياتي، وهذا ربما تجسيد لصراع بين حركة صهيونية حملت أفكار الحداثة الأوروبية التي قامت على أسس علمية، وأدركت أهمية الدولة كمؤسسة حديثة تدير المجتمع والاقتصاد والسياسة، وعملت على بناء مؤسسات سياسية واقتصادية وتعليمية قبل إعلانها، في مقابل من ما يزالون يراوحون في قناعاتهم بأن الدولة الحديثة تمثل خطراً على وجودهم، ومن هنا كان الفشل وربما من هنا بدأ التاريخ.
ما سبق يؤكد أن التاريخ الحالي لم يبدأ من لحظة وقوع الحدث، بل هو محصلة لتفاعلات سابقة تراكمت فوق بعضها بعضا لتصل بنا إلى كل اللحظات المتفجرة تلك، بالتالي لا بد من الاعتراف أولاً بالإخفاق والهزيمة، ومن ثم العودة بطريقة نقدية لمحاكمة كل ما سبق من أحداث صغيرة أو كبيرة للوصول إلى النقطة التي انطلق بها هذا التاريخ المأساوي والتراجيدي لمنطقتنا، وجعلها مثقلة بالموت والخراب على مدى قرن كامل، كل ذلك في محاولة لإصلاح ما يمكن إصلاحه وإلا ستستمر منطقتنا وشعوبنا تمارس دور الضحية إلى أجل غير مسمى.