انعكاس العنف المبني على النوع الاجتماعي على حياة الناجية.
نساء بلا معيل أو طبابة نفسية يقبلنَ العنف.
العمل على كافة حالات أطراف العنف.
الحاجة لتنفيذ خطط لوقف العنف القائم على النوع الاجتماعي.
عمان- سلمان الحنيفات
تصرخ الطفلة رنيم وتبكي بعد أنْ اقفلت المعلمة باب الصف في رياض الأطفال، فكلما كانت مع المعلمات ابتهجتْ ولعبتْ وأظهرت تفوقا على أقرانها، ويتبدل الحال بمجرد أنْ تلمح أولياء الأمور، تبدأ بالصراخ والخوف دون أنْ تتحرك من مكانها خوف الطالبة لفت انتباه معلمتها التي اخذت بالتقرب من والدتها يوميا دون ان يلتف اليها أحد الا ان تودد المعلمة للأم كشف لها ما تعرضت له طالبتها.
اعتاد والد الطالبة بحسب المعلمة التي تحدثت مع ام رنيم (اسم مستعار) وتبينَ خلال حديثها معها أنّ والد الطالبة اعتاد على ضربها هي وشقيقها الرضيع بشكل يومي في المنزل وداخل الغرف المغلقة، ما اضطرّ الأم أنْ تهرب من العيش معه، لتنتقل وتستقر في محافظة أخرى.
عانت والدة رنيم الأمرين فهي أم لا تحمل أي شهادة بسبب صغر عمرها عندما تزوجت ومطلوب منها بذات الوقت ان تصرف على طفليها، ام رنيم بحسب وصف المعلمة شابة تبلغ من العمر ٢٠ سنة لا تملك مهارة تمكنها من الاستقلال الاقتصادي، وتعتمد بمصروفها اليومي على تبرعات الجيران الجدد.
عاشت الأم وطفلتها
ذات الخمس سنوات وشقيقها الرضيع، تحت الضرب الجسدي والشتم والاساءات اللفظية،
وقالت إنها لا تملك مالا يمكنها من العيش هي وطفلتها ورضيعها، ولا حتى مكان
يأويها؛ لذا كانت تقبل بالعنف لعله يتبدل يوما ما، مستعينة بالدعاء.
التبعية المالية وعدم
قدرة المرأة على تلبية احتياجاتها الأساسية أحد أسباب تفاقم العنف ضدها، وقبولها به،
أو تأخرها في طلب الحماية كما حصل مع أم رنيم.
وصل مجموع حالات العنف التي تعرضت لها النساء إلى 9868 حالة تعرضنَ لعدة أنواع من العنف الجسدي والجنسي والنفسي بالإضافة إلى الإهمال، بحسب تقرير الربع الثالث لعام2022 للفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف، حيث يضم عددا من الوزرات والمؤسسات التي تتعامل مع قضايا العنف الأسري.
منسقة برامج حماية المرأة من العنف في اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة المحامية دانيا الحجوج علقت على قصة أم رنيم ومثيلاتها: بالقول: " قد تكون الناجية من العنف تعرضت للعنف الجسدي والذي يمكن أنْ يترتب عليه تراجع في الصحة الجسدية والنفسية، وتحتاج إلى دعم نفسي ومتابعة صحية لاستعادة صحتها الجسدية والنفسية، لذا على اللجنة أن تشرح للمستفيدات عن منظومة الحماية الموجودة في الأردن، والتي يمكن أن تقدم النصح والإرشاد للنساء والفتيات اللواتي يتعرضن للعنف؛ للحد من ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات في المجتمع وعدم تقبل العنف بجميع أشكاله".
وأضافت الحجوج، قد تكون الناجية من العنف الاقتصادي والذي بدوره يؤدي إلى تراجع المرأة اقتصادياً أيضاً، والاستيلاء على ممتلكاتها وتجريدها منها، والتحكم في مواردها المالية مما يترتب على ذلك سوء وضعها الاقتصادي، وعدم قدرتها على تلبية احتياجاتها، لذلك تقوم اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة وشركائها بتنفيذ العديد من الحملات لرفع الوعي بالحقوق القانونية للنساء، وأيضا التوعية بمنظومة الحماية القانونية الموجودة في الأردن.
تبين الدراسات أنّ المُساءَ إليهنّ في العادة يلجأنَ إلى الاستسلام وعدم المقاومة، أو على الأبعد يلجأنَ إلى البكاء أو الصراخ والتذمر دون تقديم شكوى إلى الجهات المختصة إلاّ بنسبة قليلة، عدم المقاومة أو حتى الشكوى مرجعهُ إلى الحالة النفسية والاجتماعية التي تعتري المُساء إليهم، والذين يقعون تحت تأثير المسيء، وخاصة إذا كان العنف داخل الأسرة، والذي يحكم بينهم العلاقات الاجتماعية، والتي تفرض على مَن يُعتبر ضعيفاً الانصياع للقوي والذي يُعتبر ذي سلطة روحية عليه.1*
انعكس العنف المبني على النوع الاجتماعي على حياة الغارمات؛ بحيث أصبحت المرأة المعرّضة للعنف تحتاج إلى تمكين معرفي ثم اقتصادي، فبعض الحالات تجبر المرأة على قروض لإعالة أسرتها من شركات التمويل الصغيرة أو البنوك، وعند عدم مقدرتها على السداد تصبح " غارمة " ومعرضة للتوقيف الإداري، هذا ما قالته منسقة المشاريع في جمعية حماية ضحايا العنف الأسري إيناس شنيكات في معرض حديثها عن مشروع نفذ لخدمة 20 سيدة غارمة على مدى 6 أشهر، قدموا لهن الخدمات النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والقانونية.
تفرق الأخصائية النفسية الدكتورة هدى بني سلامة من جمعية حماية ضحايا العنف الأسري بين الطفلات والمراهقات والبالغات في الأعراض النفسية التي تظهر عليهنّ جراء العنف وانعكاساته ، وتحدد أعراض الطفلات فتصبح لديها سلوكيات سلبية تعبر من خلالها عن الواقع عليها مثل الألفاظ النابية، نتف الشعر، العدوانية، الكذب، والسرقة، التبول اللاإرادي، أما المراهقة فيظهر عليها سلوكيات الاندفاعية مثل التدخين، التخريب، مقاومة الأنظمة والقوانين، التغيب عن المنزل، التنمر، نوبات غضب، أما المراهقة التي تستخدم توكيد الذات السلبي من المحتمل أنْ يكون لديها انسحاب اجتماعي، الرضوخ للعنف الواقع عليها بسبب ضعف في تكوين الشخصية، تشوه صورة الذات.
وأضافت بني سلامه، أما فئة السيدات فإن آثار العنف عليهنّ احتمالية الدخول في حالة من الاكتئاب، أو المزاج السلبي، عدم القدرة على الحديث عما تعرضت له، أو تصغير مشكلة العنف أو تضخيمها، والبعض يبدأ بالبحث عن تعاطف الآخرين، أو تقوم بإسقاط العنف على أطفالها لعدم قدرتها على مواجهة المسيء أو خوفها الشعور بالوحدة، صعوبة في التفكير المنطقي لحل المشكلة، أو صعوبة في اتخاذ القرار محاولة التخلي عن جميع حقوقها، والنجاة من العرض، الانسحاب الاجتماعي بسبب ضعف الشخصية، نقص الثقة بالنفس وغيرها من السلوكيات الشعور بالذنب.
لا يصلح تمكين المُعنّفة فقط
مدير شؤون الأسرة في المجلس الوطني لشؤون الأسرة حكم مطالقة قال: إنّ الإشكالية التي تحصل في التعامل مع حالات العنف، هو أننا نعمل على الحالة المعنقة فقط، دون العمل معها في إطار أسري متكامل، والأصل أنه يجب العمل على كافة حالات أطراف العنف المسيء والمساء إليه وأفراد الأسرة، ضمن منظومة البيئة الاجتماعية التي يعيشون فيها، أنّ إعادة تأهيل المسيئين والتعامل معهم بشكل يوازي التعامل مع حالات المُساء إليها، وأنّ إعادة تأهيل المسيئين يعزز الإيجابية والتكاملية في التدخلات التي تعالج جذور العنف.
وأكدّ مقابلة أنّه عندما يتم العمل على الحالة المُساء اليها من كافة الجوانب، ومناقشة احتياجات المسيئين، ومناقشة احتياجات الاسرة من الدعم والتأهيل، واتخاذ أي إجراء من شأنه تمكينها بالاندماج اقتصادياً واجتماعياً بعد تجاوز العنف الأسري، سيكون له انعكاس إيجابي على حياة الأسرة بأكملها، وأنّ الاستجابة لحالات العنف هي مسؤولية كافة المؤسسات مقدمة الخدمة (الشرطية، الصحية النفسية، التربوية، والتنمية الاجتماعية).
إنّ حالات العنف الأسري وهي جزء من منظومة الحماية للأسرة والطفل، ويتم تحويلهم من خلال إدارة حماية الأسرة، إلى 19 مكتبا تابعا لوزارة التنمية الاجتماعية داخل الإدارة، ووصلت 11617 حالة لمكاتب الخدمة الاجتماعية لعام 2022، وهناك حيث تُقدم الخدمات النفسية والصحية والاجتماعية (الخدمات الإرشادية).
تقدم وزارة التنمية الاجتماعية خدمات إيوائية لرعاية للمنتفعات من خدماتها من حيث طبيعة العنف أو عوامل الخطورة المعرضة لها الفتيات والنساء من خلال 6 منشآت، استقبلت العام الماضي 1937 سيدة وفتاة بحسب الناطق الإعلامي لوزارة التنمية الاجتماعية أشرف خريس.
قرار هجران العنف، والوقوف وحيدة على الأقدام والبدء بإدرار الدخل دون خبرة سابقة، مهمة صعبة على أغلبية النساء اللواتي يحتجن إلى منظومة الدعم الاجتماعي التي تمثلها مؤسسات الدولة، وبما أنهن بازدياد، فعلى الأردن البدء بإعداد خطة وطنية لتنفيذ التزاماتنا العالمي بقمة نيروبي 2019 رقم (5)؛ لإنهاء العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي.