حقاً أنّ هُناك أُحجياتٌ بلا انتهاء ؟ عديدةٌ هي الأحجيات التي تُثقل كاهل الانسان على الأرض. ونحن نُفكّر فيها ما وسعنا التفكير. من يتدفّقُ مثل قافلةٍ مُسرعةٍ إلى الجحيم, وأولئك الذي تكونت لديهم القناعة التامة بأنّ الموضوع هزليٌّ, فلن يكون سوى عسر الهضم بانتظارهم. إنّ لنا عدداً هائلاً من الأولاد والأقارب والأصدقاء, يرقُدون في أعماقنا كحنينٍ رائع, ولكنهم قد يبقون على بُعدٍ مؤلمٍ منّا. دعونا نقول مُستقبلا أنّ البطل الحقيقي هو ما بعد الحرب نفسها, لا أن نصلَ إلى مرحلةٍ نعجزُ فيها بالانفصال عن الماضي, ونفتقر فيها للقُدرة على التواصل مع المستقبل. استدعيتُ طبيب العائلة, بعد أن فحصني قال: بأنّه ليس على يقينٍ من أنني سأسترد عافيتي, تم حقنني بالأدوية, وأصبحت النبضات عند رُسغي, وفي أعلى ذراعي غير محسوسة. انقضت ساعتان فوقفوا يُحدقون في جُثماني, أُعِدَّ الكفن , لملمتُ لُعبي الأثيرة, اجتمع الأقارب كُلهم , انقضت ساعةٌ أخرى تقريباً , فجأةً ظهر الطبيب وقال: إنّه حيٌّ, فالقلبُ استأنف الخفقان, فلماذا نجعل هذا الأمر عالقاً بأذهاننا طوال العُمر. فلا نجعل هذه الصورة تبثُّ الذُعر في أنفسنا طوال العمر. لقد راودني بما هو أعلاه, شعورٌ يستبقُ الأحداث بأنّ هُناك في هذا العالم لوناً من الرغبات يُحاكي ألماً لاذعاً. هل نُمعن التفكير " أريد أن أتغير فأصبح أيّاه" وأمعن التفكير " أريد أن أكونه".
طرأت تغيراتٌ عديدة فيما حولي, فقد انشطرت العائلة, وغادرتُ الدار التي وُلدت بها, وانتقلت إلى دارين مُنفصلين في الشارع نفسه, لا تفصلهما إلّا نصف كُتلةً من المباني. كُلٌّ منا يعتقد ولو بالمُصادفة أن يلقى حتفه ولكن كُلٌّ منّا سيقول " كمكان ذلك حرياً ألّا يناسبني". أنّ ذلك نهايةً ساخرةً لحياتي, لا بل سنبقى ضاحكين منهُ ساخرين في قبورنا. حينها سنقول : كنت أسمع صوت البيان, ولكن لم يكُن مني أيّ إذعان. بالجهة المُقابلة هناك فؤادٌ يتواصل مع نغم ذلك البيان, وبعد انقضاء فترةٍ من الزمن , ستحاول أن تُقنع نفسك أكثر من مرةٍ بأنّ الأمر لم يعُد سوى كونه هذياناً. كُلنا مؤمنون بأنّ هذا الوباء لا دخل لإرادتنا به, ومن أصيب به بشكلٍ عارضٍ فهو أيضاً عديم الإرادة, لكن من يُلقي بنفسه للتهلكة هنا المصيبة, فهذا الأخير سيُفكر بأن كُلّ شخصٍ تخلّى عنهُ, وهجرهُ الجميع. أستميحكم عُذراً