يقول المؤرخ والمنظر السياسي الفرنسي ألكسيس دو توكفيل "لا يمكن أن يكون هناك أكثر روعة من فن الحرية، ولكن لا يوجد أصعب من تعلم كيفية استخدامها".
والحرية هي الثيمة الأساسية في النظم الديمقراطية التي تشكلت في نهاية القرن التاسع عشر، معبرة عن مفهوم جديد يقضي بحكم الشعب أو الأغلبية. والفكرة الأساس، أو ما يجذب إلى تعلق الناس بالرغبة في تحقيق الديمقراطية في بلدانهم، هو أنها تتيح التعبير عن الرأي، ومن خلالها يستطيع الناس تشكيل مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
ومنذ فترة ليست بالقصيرة، يتصاعد جدل غربي جديد، يقوده منظرون ومثقفون وكتاب ليبراليون، خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية، متسائلين حول مدى إمكانية موت الديمقراطية بمفهومها الحديث، لا سيما مع السلوك غير المعتاد للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتجاوزه كثيرا من الأعراف الديمقراطية الثابتة.
فهل تموت الديمقراطية، حقا، اليوم؟
في أحدث الكتب التي تناقش الأمر "كيف تموت الديمقراطية؟" الصادر مطلع العام الحالي لأستاذي العلوم السياسية في جامعة هارفارد ستيفن ليفيتسكي ودانيال زيبلات، تقديم لإضاءة مهمة على مجالات "تخريب" الديمقراطية في العالم. فعلى الرغم من خلو العالم اليوم من الديكتاتوريات بصورتها السابقة كالفاشية والنازية والشيوعية والحكم العسكري والانقلابات الدموية والاستيلاءات العنيفة على السلطة، وأن معظم الدول تجري انتخابات منتظمة، إلا أنه "ما تزال الديمقراطيات تموت.. بصور مختلفة".
لا توجد دبابات أو عساكر في الشارع، ولكن القادة المنتخبين "ديمقراطيا" هم من يقومون بتخريب المؤسسات الديمقراطية. رؤساء منتخبون يطاح بهم. يتم إلغاء الدستور أو تعليق العمل به. الجهود الحكومية لـ"تخريب الديمقراطية قانونية"، ويمكن أن توصف بأنها "جهود لتحسين الديمقراطية". حتى الصحف، فإنها ما تزال محافظة على صدورها، ولكن يتم شراؤها أو تخويفها. يستمر المواطنون في انتقاد الحكومة لكنهم غالباً ما يجدون أنفسهم يواجهون مشاكل قانونية.
خارج الكتاب، ثمة جدل إعلامي كبير حول المسألة أيضا. مجلة "الإيكونوميست"، والتي أسهمت في هذا النقاش، تشير إلى أن الديمقراطية أكثر الأفكار السياسية نجاحا في القرن العشرين، إلا أنها تواجه العديد من المتاعب اليوم، فرغم أنها أصيبت ببعض النكسات بين العام 1980 والعام 2000، إلا أن النكسات كانت أكثر وأشد وطأة منذ بداية الألفية الجديدة.
ورغم أن المجلة تشكك في إمكانية موت الديمقراطية بعد "عقود من الانتصار" ، إلا أنها تؤكد أن "الديمقراطية تخسر قوتها". لكنها لا تحيل الأمر إلى سلوكيات أو سياسات دونالد ترامب، فهي متأكدة أنه ما من خوف على الديمقراطية الغربية، فـ"ديمقراطياته الناضجة ليست في خطر حتى الآن".
الـ"بوسطن ريفيو" شاركت في الجدل، كذلك. ففي مقاله المهم "الديمقراطية عادة: تدربوا عليها"، يشير الكاتب ميلفين روجرز إلى أن "التقارير عن وفاة الديمقراطية الأميركية كان مبالغا فيها إلى حد كبير".
ومع ذلك، فهو ينقل كلام الفيلسوف الأميركي جون ديوي الذي أطلقه في بداية الحرب العالمية الثانية، وتحذيره من الصورة التبسيطية للمجتمع الديمقراطي الذي نفترضه، وقلقه من أن الديمقراطية قد تستسلم لوهم الاستقرار والقدرة على التحمل في مواجهة التهديدات للحرية والمعايير الأخلاقية. إذ "يتوجب علينا أن لا نصدق أن الظروف الديمقراطية تحافظ على نفسها تلقائيا، أو أنه يمكن تحديدها مع الوفاء بالوصفات المنصوص عليها في الدستور"، فما يجري في الواقع قد يكون "تشكلا لشروط معادية لأي نوع من الحريات الديمقراطية".