وحدها «المعجزة» هي القادرة على انقاذ المستقبل السياسي لجورج دبليو بوش فرنسا أو نيكولا ساركوزي, الذي بنى مجده السياسي (العابر) على معاداة الاجانب حدوداً تصل تخوم العنصرية والتخويف, الذي لا يتوقف من مخاطر الاسلام والمهاجرين ودائماً في اثارة موضوع الهوية الوطنية, في مغازلة لا تنتهي أو في سباق لا يتوقف مع اليمين المتطرف, الذي كرّسه ماري لوبين (زعيم ومؤسس الجبهة الوطنية الفاشية) وجاءت ابنته مارين لتسبق, ليس فقط والدها في جذب دعم المزيد من الفرنسيين الى خطابها المتطرف, الذي كان يغرف على الدوام من «صحن» العنصرية وكراهية المهاجرين سواء كانوا عرباً مسلمين أو افارقة سوداً, بل وايضاً في «سحب» الامبراطور الصغير ساركوزي الى دائرتها وايصاله منهكاً الى سباق اراد لنفسه أن يلعب دور الضحية, عندما قال انه لا يرى نفسه في معركة انتخابية بل هو واحد في مواجهة تسعة(..).
اليوم, سيُقرر الفرنسيون اخراج ساركوزي من قصر الاليزيه, الذي «اقتحمه», بعد أن مزق صفوف الديغوليين واتقن قواعد لعبة المؤامرة وتنكّر للرجل الذي أحسن اليه (شيراك) بل ولم يتردد في تعميق التشويه الذي لحق بسمعته, بعد ممارسات فاسدة خلال رئاسته لبلدية باريس كانت اقرب الى تنفيعات لاغراض سياسية, اراد الرجل أن يوظف كل ما يتوفر عليه من سلطة من اجل ايصاله الى رئاسة الجمهورية, وكان ان نجح بعد طول هزائم وانكسارات (ونحن هنا نتحدث عن شيراك) ثم وكي لا يُبقي على احد في حزبه (الاتحاد من اجل حركة شعبية), قادر على تحديه أو منافسته, فإنه شوّه سمعة الاقوى (وقتذاك) دومينيك دوفليبان واعداً بتحويله الى المحكمة بتهمة القذف والتشويه في ما عرف بقضية كلير ستريم.. وهذا ما حصل..
كل هذا (لا) يبقى وراءنا, بل هو جزء من الحساب الذي سيسدده للفرنسيين بعد ان لم يف بوعوده وخصوصا الاقتصادية والمعيشية منها وبعد ان ارتفعت في عهده نسب البطالة والفقر ولم تلبث ازمة المديونية ان عصفت بالاقتصاد الفرنسي على نحو بات مضطرا امام «شراسة» منافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند في المناظرة الساخنة والوحيدة بينهما الى تحذير الفرنسيين من انهم اذا ما ارادوا لبلدهم ان يصبح اسبانيا ثانية فعليهم انتخاب هولاند!!
منطق الهروب الى الامام, يبدو انه لم ينجح مع الفرنسيين الذين سيقولون اليوم ولو بفارق بسيط «وداعاً ساركوزي»، حيث لم يترك من الاثار الايجابية ما يجعلهم يعيدون تفويضه ويبقونه لولاية اخرى في الاليزيه، بل هم (الفرنسيون) ينعون الساركوزية كذلك غالبية حزبه والنخب السياسية التي راهنت عليه، فقام بخداعها واتخذ لنفسه نهجا اراد ان يكرسه نجما في الفضاء الاوروبي مستنسخا تجربة جورج بوش الصغير فاعاد فرنسا الى عضوية حلف الاطلسي (العسكرية) بعد ان كان اخرجها منها الجنرال ديغول في رد على الغطرسة والاستعلاء الاميركي ازاء الحلفاء, ثم انغمس في حروب اميركا بهذه الطريقة او تلك بسلوك اقرب الى الاعتذار عما «قارفه» سلفه شيراك (ووزير خارجيته ورئيس وزرائه لاحقا دوفيلبان) من سياسات اتسمت بالاستقلالية والحرص (النسبي بالطبع) على الشرعية والقانون الدوليين، ولم يكن سلوكه الشخصي بعيدا عن انتقاد الفرنسيين على المستوى العائلي كما على صداقاته مع الاثرياء ورجالات البيزنس، أضف الى ذلك الغرور والاستعراضية والاستعلاء.. كذلك ما شاع عن تلقيه رشاوى (في مغلفات وريثة شركة التجميل لوريال) ومساهمات العقيد الليبي في حملته الانتخابية 2007 بخمسين مليون دولار، جاء آخر تأكيد على حصولها من قبل البغدادي المحمودي اخر رئيس وزراء في عهد القذافي (دع عنك نفي مصطفى عبد الجليل فرئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي هو الوحيد ربما في العالم الاكثر رغبة ببقاء ساركوزي نظرا لما آل اليه مستقبله السياسي في ليبيا ولولا قيادته الشخصية لحملة اعادة استعمار ليبيا, لما كان أحد سمع لا بعبدالجليل ولا بكل الذين يهيمنون اليوم على المشهد الليبي, دون أن يعني ذلك حنيناً الى جماهيرية القذافي أو حكمه الفاسد المستبد).
أياً كانت النسبة التي سيفوز بها هولاند, وأياً كانت الاراء والتحليلات التي ستكتب اعتباراً من الغد حول انعدام خبرة هولاند, وحول الارتباك الذي قد يسود الاتحاد الاوروبي بعد عودة الاشتراكيين الى حكم فرنسا (الدولة الاهم والاقوى الى جانب المانيا في الاتحاد الاوروبي) بعد غياب دام 17 عاماً فإن افول الساركوزية سيترك اثره على مشهد السياسة الدولية نظراً لما مثّله ساركوزي من تطرّف وعدائية واستعداد للمزايدة حتى على العدوانية الاميركية, التي كرّسها المحافظون الجدد في المشهد العالمي, وبخاصة بعد احداث 11 ايلول ولم ينجح باراك اوباما في الحد منها, بل هو ذهب الى اسوأ منها, رغم الآمال التي علّقتها شعوب مظلومة عديدة, لكنه لم يلبث ان تماهى مع «السيستم» الاميركي وواصلت آلة القتل الاميركية عملها في افغانستان والعراق, وخصوصاً في الدعم غير المحدود لسياسات اسرائيل العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني, ولم يتردد هو ووزيرة خارجيته في القول: أن اسرائيل هي حجر الزاوية في السياسة الخارجية الاميركية.
خسر اليمين الغربي بهزيمة ساركوزي (شبه المؤكدة) أحد اجنحته والانظار متجهة الان الى واشنطن لمعرفة ساكن البيت الابيض للسنوات الاربع المقبلات, أما في اسرائيل فنتنياهو يريد أن يحجز لنفسه مقعداً في تاريخ اسرائيل لم يسبقه إليه أحد حتى الان, وهو أول رئيس حكومة شغل منصبه «ثلاث» مرات, وهو لهذا قرر الذهاب الى انتخابات مبكرة, ما قد يثير المزيد من التساؤلات والحيرة حول جدول الاعمال, الذي سيفرضه على المنطقة والعالم قبل الانتخابات الاميركية في «6» تشرين الثاني المقبل.