في غياب الشفافية والوضوح، تصبح سياسة التأويل والتهويل هي السائدة في الشارع الأردني، خاصة عندما يتعلق الأمر بواحد من أكثر الموضوعات جدلاً على الساحة الأردنية في الوقت الراهن؛ وهو التنقيب عن النفط. فرفع أسعار النفط وتعويمها قبل ثلاثة أشهر تقريبًا، وكذلك رفع أسعار الكهرباء في وقت قريب، تجبر المواطن الأردني على التفكير ببدائل لمصادر الطاقة، والاعتماد على الناتج المحلي، لمواجهة غلاء الأسعار، وضيق سبل العيش المصاحبة لهذا الرفع.
يؤكد الخبراء أن الأردن يعوم على بحر من النفط. فمخزون النفط في أرض الأردن يناهز 7 مليارات برميل، حسب تصريحات سابقة لشركة (ترانْس غلوبَل) الأمريكية. ويؤكد المختصون أيضًا أن نزازات النفط في بحر الإسفلت - أي البحر الميت - دليل قاطع على وجود الذهب الأسود في بلدنا، كما هو الحال في الدول المجاورة.
المهندس كمال جريسات، عاشق الأرض الأردنية ومدير عام سلطة المصادر الطبيعية (من 1987-1994)، المسؤول عن اكتشاف بئر حمزة عام 1984 – أول بئر نفطيّة في الأردن – قال: إن الحقل أنتج يوميًا 600 برميل من النفط الجيد الخالي من الكبريت لمدة ثلاث سنوات؛ أي بإنتاج إجمالي بلغ مليون برميل. بعد ذلك، أخذ إنتاجه في التراجع لأسبابٍ جيولوجية تتعلق بتأثره بحركة الصدع الغربي الإفريقي، وتلامس النفط لبكتيريا النبلويا المصاحبة للأمطار. فأصبحت هذه البكتيريا تتغذى على النفط الخفيف في الحقل، وتحوله إلى إسفلت يحوي كمية من الكبريت. لذلك، طلب وقتها من الحكومة وقف العمل مؤقتًا في هذه البئر لعدم جدواها الاقتصادي.
إن حقل الريشة في منطقة الرويشد هو من المواقع الواعدة للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي. فكان ينتج 30 مليون قدم مكعب عام 1987؛ أي ما يُقارب 500 برميل في اليوم. كذلك، يتوقع أن يصل إنتاجه إلى 12 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. بدأت شركة البترول الوطنية في التنقيب عام 2010؛ إلا أن الحكومة طلبت منها إدخال شريك استراتيجي لتطبيق تقنيات حديثة في المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد، والتكسير الهيدروليّ، والحفر غير المتوازن لرفع القدرة الإنتاجية؛ لأن هذه الإمكانات أكبر من قدرة الأردن. ومنذ أربع سنوات، وشركة (برتش بتروليوم) تعمل في المنطقة،وقد طلبت مؤخّرًا التمديد لسنة خامسة، حسب الاتفاقية الموقعة مع الحكومة. وأغلب الظن أن الحكومة ستوافق على ذلك.
لم يصدر حتى هذه اللحظة أي بيان أو معلومة رسمية، سواء من الجانب الأردني أو هذه الشركة، عما توصلوا إليه في عمليات الحفر. وبلغت كلفة التنقيب قُرابة نصف مليار دينار خلال هذه الفترة الزمنية. فهل يمكن أن تتكبد الشركة هذا المبلغ إنْ لم يكن الأمر مُجديًا؟ الاتفاقية بين الشركة والحكومة الأردنية وقعت باللغة الإنجليزية؛ فرغم وجود نسخة عربية مترجمة منها، إلا أن النسخة القانونية المعتمدة هي الإنجليزية.
نتمنى أن لا تتكرر في هذه الاتفاقية الأخطاء السابقة التي حدثت مع شركة الفوسفات وغيرها. فما سمعناه أنه إذا نجح هذا المشروع، فلن تكون حصة الأردن منه أكثر من 15% من الإنتاج، في حال وصل إلى حدٍ معين، ولغاية عام 2046.
التنقيب شرقيّ الصفاوي بواسطة شركة البترول الوطنية ما زال قائمًا أيضًا، ولم تصدر أية معلومة عن هذا التنقيب أو إلى أين وصل.
قبل أيام، وافق مجلس النواب على إلغاء سلطة المصادر الطبيعية، من دون إبداء الأسباب وتوضيح الأمر للمواطن الأردني. والمعروف أن هذه السلطة ليست كبعض الهيئات المستقلة الأخرى التي قد تستنزف خزينة الدولة من دون مردود يُذكر. لذلك، احتج الكثيرون على هذا الإلغاء؛ لكنّ الحكومة لم توضح الأسباب التي جعلتها تلغي مؤسسة نهضت بدور كبير منذ تأسيسها في اكتشاف مصادر البلاد الطبيعية.
نتمنى على وزارة الطاقة والثروة المعدنيّة – الجهة الرسمية المسؤولة – أن تضع النقاط فوق الحروف وتخرج عن صمتها لتعطي المواطن الأردني إجابات شافية ووافية بخصوص التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي. فهذا أدنى حقوق المواطن. كذلك، على الحكومة أن تستشير وتوظف الكفاءات الأردنية في الجامعات والمراكز البحثية والمؤسسات الحكومية والخاصة،فلم يعد الوضع يحتمل غيْرَ ذلك.