عنوانٌ لكتابٍ ،استعرتُهُ ليكونَ عنوانَ مَقالِي هذا ،أرَّخُ لحقبةٍ مهمَّةٍ مِن تأريخِ الأردنِّ ،المليئةِ بالأمواجِ الهائلةِ مِن الأحداثِ المتلاحقةِ - سياسيةٍ كانتْ أمْ اقتصاديةٍ أمْ اجتماعيةٍ - ؛والتي كادتْ تُودِيَ بالأردنِّ لولا عنايةُ اللهِ ،ثمَّ الحكمةُ الموروثةُ والحنكةُ السياسيَةُ التي اتصفَ بها المغفورُ لهُ بإذنِ اللهِ الحسينُ بنُ طلالٍ ؛الذي أدركَ ببعدِ نظرهِ كيفَ يدفعُ الأخطارَ عن بلدهِ الأردنِّ
وكيفَ يُجنِّبهُ الزللَ والسقوطَ في الهاويةِ ،فرأى مؤلفُ الكتابِ السير تشارلز جونستون السفيرُالبريطانِيُّ في الأردنِّ آنذاكَ ما بينَ عامِ 1956-1960 أنْ يؤرِّخَ لهذهِ الفترةِ العصيبةِ المضطربةِ مِن تأريخِ الأردنِّ ؛وَمُؤكَّدٌ أنَّني لستُ بصددِ تقييمِ الكتابِ وتقديمهِ للقرَّاءِ ،بقدرِ ما أحاولُ الربطَ بينَ أحداثِ تلكَ الفترةِ وبينَ ما نعيشُهُ في هذهِ الأيامِ مِن أحداثٍ متقلبةٍ ؛لا تقلُّ جسامَتُها عنْ ما مَضى مِن أحداثٍ
وسأحاولُ جاهدًا تسليطَ الضَوْءِ على ما يَجري اليومَ مِن أحداثٍ تكادُ تعصفُ بأردنِّنا الحبيبِ في غيابٍ تامٍّ للحِنكةِ السِياسية وبُعدِ النظرِ ،لإنقاذِ البلدِ من عبث العابثين واستهتارِ المستهتِرين.
يعيشُ الأردنُّ كابوسَ الحربِ ودوامَةَ الصراعِ العسكرِيِّ في سُوريا ،وتداعياتِه على الداخلِ الأردنِيِّ ؛ويخشى الكثيرونَ مِن انتشارِ حُمَّى الحربِ وانجرافِ الأردنِّ في صراعٍ يثيرُ خوفَ جميعِ الأردنيين ،بَعدَما أخذَ نزيفُ الدَّمِ الناتجِ عَن الصراعِ السورِيِّ وصولَه إلى الأردنِّ ،وأصبحتْ مَنطِقةُ الحدودِ الشِمالِيةِ هَمزةَ الوصلِ لوصولِ اللاجئين والجرحى والمصابِين السوريّين ؛ونقلِ المساعداتِ الطبيِّةِ وموادِّ الإغاثةِ الأخرى.
ويأملُ الجيشُ الحرُّ استخدامَها كساحةٍ للعملياتِ عبرَ الحدودِ الجنوبيَّةِ التي أضحتْ مِحورَ الصراعِ الرامِي إلى خلعِ الرئيسِ السورِيِّ بشار الأسد والتِي تُعتَبرُ بوابةَ العبور إلى دِمشقَ ؛وذلكَ عَن طريقِ إنشاءِ منطقةٍ عازلةٍ داخلَ الأراضي السوريةِ ،في منطقةِ درعا على وجهِ الخصوصِ ،لتشكلَ حِزامًا امنِيًّا ،وقاعدةً للمعارضةِ المسلَّحِة ،فأغلبُ السكَّاِن الذين يقطنون المنطقةَ الجُنوبيّةَ ،هم مِن مؤيدِي الجيشِ الحرِّ والمتعاطفِين مَعَهُ.
وأصبحَ يقعُ على عاتقِ النِظام ِالسياسِيِّ في الأردنِّ ،أنْ يعملَ جاهدًا لإبعادِ الأردنِّ عنْ هذا الصراعِ ،مِن خلالِ تبنِّي سياسةِ «النأيِ بالنفسِ» نظرًا لخطورتِه وما سيترتبُ عليهِ مِن نتائجَ لا تُحمَدُ عُقباها.
ولإنجاحِ هذهِ السياسةِ ،يجبُ عليهِ – النظام - أنْ يتَّبعَ سياسةَ النأيِّ بالنفسِ عنْ أمريكا وكلِّ مَن يدورُ بفلكِ أمريكا – قطر وإسرائيل - ؛وَتُعَدُّ هذه حركةً صَعبةً ،ولكنْ يجبُ أنْ تُتخذَ ،كما يجبُ أنْ يكونَ حريصًا على عدمِ الانعزالِ عَن الرأيِّ العامِّ الشعبِيِّ ،وأنْ لا يخاطرَ النظامُ في الأردنِّ بالدخولِ في هذا الصراعِ ،الذي ينبئُ بحدوثِ انفجارٍ ستطالُ شظاياهُ الأردنَّ ،ودولَ الجوارِ الأخرى.
ما يثيرُ قلقي هو وضعُ القوى السياسيَّةِ الأردنيَّةِ المتخبطِ والمتناقضِ ؛بين مَنْ يعلمُ ،وبينَ مَنْ لا يعلمُ ،إلا مِن خِلالِ وسائلِ الإعلامِ الأجنبيّةِ المقروءَةِ والمرئيَّة ،ِحتَّى أنَّ صاحبَ الولايةِ العامَّةِ صاحبِ العضلاتِ المفتولةِ ،هو آخرُ مَنْ يعلمُ ،ممَّا يجعلُ مصيرَ شعبٍ بأكملٍهٍ بيدِ لاعبٍ واحدٍ قدْ وضعَ يدَهُ بيدِ السفيرِ الأمريكِيِّ في عمانَ ؛الأحفورُ الديناصورُ ناصِر جَودة - قدَّسَ اللهُ سِرَّهُ - لجرِّ الدولةِ الأردنيَّةِ إلى مصيرٍ مجهولٍ ،لا يعلمُ بهِ إلَّا علاَّمُ الغيوبِ ،عَبرَ خوضِ معركةٍ بالوكالةِ،خاصةً أنَّ الحديثَ ماضٍ بشأنِ كيفيَّةِ تقسيمِ سوريا على أرضِ الواقعِ ،في ظلِ سعيِّ المدنِيين المرعوبِين ،مِن استمرارِ القتالِ ،للحصولِ على حمايةِ الجيوشِ والجماعاتِ المسلحةِ ،التِي تعهّدت بالدفاعِ عنِ السُنَّةِ ،والعَلويِين ،والدروزِ ، والأكرادِ ،وغيرِهم مِن الطوائفِ.
سيكونُ خطأً تاريخيًا لنْ يغفرَهُ الشعبُ الأردنيُّ ،وسيكونُ ويلاً يجرُهُ النظامُ على بلدٍ غارقٍ في مشاكلِهِ الاجتماعيَّةِ والاقتصادِيَّةِ والسياسيَّةِ ؛التي لمْ تُفلِحْ حتَّى الآنَ أيُّ حكومةٍ على إيجادِ حلولٍ لها ،فكيفَ نبحثُ عنْ حلِّ لمشكلةٍ ،لا ناقةَ لنَا فِيها ولا جَملاً؟!
هلْ فكَّرَ في النتائجِ مَنْ يُريدُ زَجَّنَا في الحربِ على سُوريا ؟هلْ فكَّرَ في مَصدرِ تمويلِ الحربِ باهظةِ التكلفةِ إنْ كانَ على المستوَى المادِيِّ أو البشريِّ؟هلْ فكَّرَ في مصيرِ جُنودِنا في ساحاتِ الحربِ ؟وأنَّه لنْ تُخلِّفَ سوى الأيتامِ والأراملِ والثكالى ،الذين مِنَ المُؤكَّدِ أنَّهم سيضرعون إلى اللهَ – عزَّ وجلَّ – أنْ ينتقمَ مِمَّنْ كانَ السببُ.
ألمْ يكنْ حَريّاً بِهم أنْ يعلَموا أنَّ الجيشَ الأردنِيَّ سيكونُ حسبُه صدُّ هجْمَاتٍ مُحتمَلةٍ ،بلْ حتميَّةٍ سيشُنُّها ضِدَهُ مُسلَّحُو النظامِ السوريِّ حينَ تجبرُهم الظروفُ على البحثِ عنْ مَهرَبٍ فلا يجدونَه إلَّا في الأردنِّ والدولِ المجاورةِ الأخرى؟وهنالِك سيروون عَطَشَهُمْ للحربِ إنْ كانوا مشتاقِين للدماءِ ،ولعلعةِ الرصاصِ!! ألمْ يعلمْ هؤلاءِ أنَّ الحربَ على سُوريا ،حربُ أمرِيكا وحدَها بالإنابةِ عنْ ابنَتِها غيرِ الشرعيَّةِ مِن الزنِا إسرائيلَ ؟لأنَّها تعلمُ وتدركُ سرَّ المنحَدرِ الذي سَيجُرُّها إليهِ قرارَها ؟،طَفقتْ تبحثُ عنْ كلِّ مَن يَمدُّ لها يدَ العَونِ حتّى تحافظَ على أرواحِ جنودِها ،فوجَدت ضالَّتَها في الأردنِّ .
كما أنَّ الهدفَ الحقيقِيَّ للحربِ ،هو ضمانُ سلامةِ إسرائيلَ ،بمنعِ الجماعاتِ الجهاديّةِ الإسلاميَّةِ مِن الوصولِ إلى الحدودِ معَ فِلَسطينَ المُحتلّةِ ،وشنِّ هجْماتٍ صاروخِيَّةٍ أو استشهاديَّةٍ ضدَ أهدافٍ إسرائيليَّةٍ ،وليسَ مساعدةَ الشعبِ السورِيِّ
كمَا أكدَ على ذلكَ وقبلَ كِتابةِ هذهِ السطورِ ،الاجتماعُ الأمنِيُّ الذي عُقِدَ في عمَّاَن بينَ الأردنِّ وإسرائيلَ وقطرَ وإعلانُ وزيرِ الدفاعِ الأمرِيكيِّ عنْ نيتهِ زيارةِ الأردنِّ في الأيامِ القادِمةِ لوضعِ الترتيباتِ اللازمةِ. لا أدرِي لماذا يقعُ السياسيون الأردنيون في التناقضِ ،ويُفضِلونَ رِضا أمريكا على صوتِ الشعبِ الرافضِ لأيِّ حربٍ هو في غِنَى عَنها ؟ألمْ يكونوا قد أكَّدوا مِن قَبلُ عَدمَ مُشاركَة الأردنِّ بأيِّ شكلٍ مِن الأشكالِ فِي الحربِ على سُوريا ،وأتعبوا أنفسَهم لإقناعِنا بِذلك ؟ وها همْ اليومَ على الحافةِ يُوشَكُ أنْ يقعوا ويُوقعوا شعبًا بأكملِه.
فإنْ كانَ الهدفُ مِنَ تدخلِ الأردنِّ المُحتمَلِ ،هو مساعدةُ الشعبِ السوريِّ على دحرِ النظامِ السوريِّ ، فهي حُجَّةٌ باطلةٌ ،فليستْ أمريكا بحاجةٍ إلى الأرضِ الأردنيَّةِ والجيشِ الأردنيِّ لِتقضِي عليهِ ،فسِلاحُها الجويُّ يستطيعُ القيامُ بهذهِ المُهمَّةِ في غضونِ ساعاتٍ ،كمَا فعَلتْ قواتُ الناتو بنظامِ الهالكِ مُعمَّرِ القذافي ،وإنّما الهدفُ أنْ تجعلَ القواتِ الأردنيَّةِ في الصفوفِ الأماميَّةِ ،وتستخدِمُهم كدروعٍ واقيةٍ تقدِّمُ لهمْ فقط مُساعداتٍ لوجستيةٍ ،مِن أجلِ سَوادِ عُيونِ إسرائيلَ. [email protected]