باتت قضية شغب الجامعات مؤرقة لأصحاب القرار بشكل خاص والمجتمع وأولياء الأمور بشكل عام حتى انها باتت ترقى لتصبح ظاهرة . ورغم ما تم اتخاذه من إجراءات للحد من هذه المشكلة إلا أنه بين الفنية والأخرى تبرز بؤرة شغب جديدة ويتم التعامل معها بنفس الإجراءات والآليات التي لم تعد تجدي نفعاً بدليل تكرار حدوثها
وتتحمل إدارات الجامعات المسؤولية في حال عدم قدرتهم على التعامل مع هذه المشكلة والحد منها، مما يلقي المسؤولية كاملةً على هذه الادارات للتحرك لوضع حد لهذه المشكله والعمل على عقد اجتماع أو ورشة عمل جادة تضم جميع المعنيين وعلى رأسهم عمداء شؤون الطلبة، والذين يعتبرون حجر الرحى في التصرف مع الشغب أما بإخماده أو بتأجيجه بحسب الخبرة والأسلوب في التعامل مع مثل هذه الأمور، كونهم يتحملون المسؤولية الأكبر في إدارة شؤون الجسم الطلابي من خلال توفير كافة الإمكانات المادية والمعنوية التي تحقق له التكيف السليم مع الحياة الجامعية
فعمداء شؤون الطلبة هم عيون الإدارات ورئيس الجامعة يتحسس هموم ومشاكل الطلبة من خلال عميد شؤون الطلبة فهو مرجعيته في التعرف على واقع الطلبة التكيفي والتفاعلي، وهذا يستدعي من رؤساء الجامعات الدقة المتناهية في اختيار عمداء شؤون الطلبة
فالعميد يجب أن يتحلى بالخبرة أولاً ثم الاتزان والحيادية والمرونة ثانياً فكثير من المشكلات تبدأ بشرارة صغيرة وتتسع بسبب عدم الكياسة والخبرة في التعامل معها من شؤون الطلبة، أو في عدم قدرة العمادة على تلمس واقع الطلبة واتجاهاتهم واحتياجاتهم
فالأصل أن يتم استقراء كل هذا من قبل العمادة والتدخل الوقائي والعلاجي في بؤر المشكلات قبل أن تحدث، فليس المطلوب من شؤون الطلبة فقط إقامة فعاليات استعراضية في المناسبات العامة
ولكن المطلوب أصلاً إقامة فعاليات وانشطة تعمل على ترسيخ الانتماء والهوية الوطنية وتأصيل ثقافة شبابية مبنية على حرية التعبير بمنظور ديمقراطي يقوم على احترام الرأي والرأي الآخر ويعزز ثقافة الحوار الواعي الذي يفتقر إليه شبابنا.
فهذا ما يجب أن تسعى إليه عمادات شؤون الطلبة، فإذكاء روح المواطنة وتنمية شخصية الطالب باستخراج واستفزاز قدراته وإمكانياته وتوجيهها من خلال الأنشطة المصاحبة للمنهاج تجعله أكثر انتماءاً لجامعته وأكثر تهذيباً في ممارساته.
أما أن نخمن الأسباب التي تؤدي إلى العنف الطلابي ونترك الحلول فهذا أمر غير مقبول وخاصة من مؤسسات أكاديمية الأصل فيها أن تكون مؤلاً لتقديم الحلول لكافة المشكلات التي تواجه المجتمع بشكل عام فكيف في مشكلاتها
فكما أسلفت المطلوب أن يتم جهد وطني بالتنسيق بين جميع الجامعات لوضع حد لهذه المشكلة بدءاً بإجراء دراسة وطنية جادة تشمل جميع الجامعات لمعرفة الأسباب العامة لمشكلة الشغب وانتهاءاً بالتوصل لأجراءات تنفيذية للحل، وأن يتم مراعاة كثير من الجوانب التي لها صلة بالشغب ومنها دور المدارس في تأهيل ثقافة الحوار وترسيخ قاعدة الانتماء والهوية الوطنية قبل أن يصل الطالب إلى المرحلة الجامعية
أما الجامعات فيجب أن تعيد النظر في الأهداف والآليات والبرامج لعمادات شؤون الطلبة بحيث يتم التركيز على تفعيل دور الأندية الطلابية ومجلس الطلبة وأن تتغير آليات التصويت لهذه الأندية والمجالس بحيث يتم تجاوز التكتلات الإقليمية والعشائرية والطائفية والتي في العادة تكون السبب المباشر للمشكلات التي تؤدي للشغب، وأن تّفعل الأنشطة الرياضية والثقافية والفنية والاجتماعية بحيث تستوعب الكم الأكبر من الطلبة وبحيث تحقق هذه الأنشطة تطلعات هذه الشريحة مما سيشجع في الانخراط بها، فالأصل أن لا تقل نسبة الطلبة المشاركين في الأنشطة بكافة أشكالها عن 30% من الجسم الطلابي
فإذا أحس الطلبة أن هذه الفعاليات مثرية ومتنوعة فهذا يبعدهم عن التجمعات الغير مفيدة والتي تكون بؤر للمشاكل وأن يستحدث في عمادات شؤون الطلبة أو كليات التربية مكاتب للإرشاد النفسي والتربوي يقوم على إدارتها متخصصين أكفاء.
كذلك أن يكون الأستاذ الجامعي مربياً بالمفهوم التربوي وان يعمل على إزالة الهوه بينه وبين طلابه بأن تكون العلاقة قائمة على الاحترام المتبادل بين العالم والمتعلم وان يكون له دور كلما أتيحت الفرصة في محاربة التعصب بكافة أشكاله وإن يحث طلابه على البحث العلمي لما له من دور في صقل شخصية الطالبة المعرفية وإبعاده عن القضايا السطحية التي ربما تكون سبباً في الانجراف في العنف، كذلك أن يعاد النظر في محتوى مواد العلوم الإنسانية في الجامعات بحيث تتضمن مساقات في القضايا السلوكية والنفسية والانفعالية، وفي مهارات الحوار والتفكير الناقد.
وأخيراً يجب أن يعاد النظر في العقوبات بحيث يراعى فيها الجانب الوقائي والبنائي والرادع، وأن يكون من يتخذ القرار في العقوبة حيادياً ومؤتمناً وجاداً في حكمه بحيث لا يقبل أي واسطة أو محسوبية في تنفيذ قراره وهذا سيجعل للجنة العقوبات مصداقيتها وشفافيتها مما سينعكس إيجابياً على ردود الأفعال لدى الطلبة بأن من يخطأ يستحق العقاب أي كان.
فنحن مجتمع يباهي بالديمقراطية وسيادة القانون، وسمعة الجامعات الأردنية يجب أن تكون مصانة، فهذه المؤسسات الأكاديمية التي نعتز بها يجب أن نسعى جميعاً لتكون في الطليعة لأنها مصانع الرجال. د. نزار شموط [email protected]