بنظر الكثيرين فأن بدء عمل لجنة الانتخابات المركزية في قطاع غزة وعملية تسجيل الناخبين ، لهي خطوة رائعة على طريق الوحدة الوطنية المعبدة أصلاً بالمطبات الطبيعية والصناعية ، وهي كذلك خطوة تعد من الأمور المبشرة بقرب الخلاص وطوي نهائي لصفحة الانقسام البغيضة
ورغم كثرة التصريحات والمتناقضة في بعض الأحيان عن التنبؤ المسبق بتزوير الانتخابات واتهام السلطة الشرعية المحاصرة في رام الله ، بالإقدام على مثل هذا التزوير ، فحرياً بنا ان نصم أذاننا عن مثل هذه الخزعبلات وعن مطلقيها لأننا نعلم جيدا أنهم لا يريدون لهذا الشعب خيراً ،فمصالحهم الشخصية والحزبية دائماً لها الأولوية ولتذهب الأوطان الى الجحيم !
ورغم ان واقعة التزوير لم يثبت أنها قد تمت في أيا من الانتخابات الرئاسية أو التشريعية الماضية وبشهادة جميع الجهات الرقابية والمؤسسات المحلية والدولية والتي أشرفت على العملية الانتخابية في حينها ، بل وشهدت لها في كل المحافل بنزاهة كل الإجراءات ، بالرغم من هذا كله وبالرغم من ثقتنا في لجنة الانتخابات المركزية والقضاء الفلسطيني ، إلا أننا يجب أن نقف دقيقة تأمل فيما يختص بنظرة المواطن لتلك الانتخابات الموعودة !
فالمواطن حتماً لديه الثقة في نزاهة لجنة الانتخابات المركزية ان جرت الانتخابات فعلاً ، ولكن العلة التي يجب ان ندرسها ، هل مازال المواطن يثق في جدوى العملية الانتخابية برمتها وبالمرشحين المنتظرين لشغل مقاعد المجلس التشريعي أو الوطني ؟
وهل التجارب الماضية من عمر المجلس التشريعي، رسخت في ذهنه أننا بمجتمع يحترم الشرعيات وان لا صوت يعلو فوق صوت القانون ؟،فلا شك إن تجربة الانقسام تجربة مريرة تغلغلت في فكر ووجدان المواطن وبات حائراً منهك الفكر ، فهو عليه ان يختار مرشحين عن دائرته ربما يدقق في ماضيهم الوطني ويلم بتفاصيله ولكنه لا يعلم بنواياهم المستقبلية ، وهل هم مقبلين بعد عام أو عامين على الانقلاب وترسيخ الماضي القريب من جديد ؟!
من حقه بل ومن الواجب ان يخاف المستقبل ، فمن روج من المرشحين في الماضي لحياة السمن والعسل وان سعر أنبوبة الغاز لن يتجاوز بضعة شواكل وان العدالة نهجه ودستوره ، لم يحقق إلا نصرا ساحقا لفكره وتنظيمه فقط ، وذهب السمن والعسل ليصبح وحل وطين نعاني منه للان وراحت قضيتنا الأم لتحتل رفوف النسيان !
نعم من حق المواطن وبعد كل تجاربه ، إلا يثق بأحد إلا ما رحم ربي ، فالتركة كبيرة والبوصلة مازالت مفقودة والاستيطان والاحتلال ينهشان أرضنا ومقدراتنا كل دقيقة والمشاكل الاقتصادية وفي مقدمتها البطالة علة لا قبلها ولا بعدها ، والقادم أصعب والحديث المستميت عن المقاومة المسلحة والصمود الأسطوري ، والاعتماد على الوعود الجوفاء لغة لم تعد تنفع ، فالحارة ضيقة وكلنا مدرك للحقيقة المرة !
ان المطلوب وقبل كل شئ ان جرت الانتخابات وان كنت شخصيا وكثيرين مثلي غير متفائلين بإتمامها ، ان ننتخب مرشحين لشغل كراسي المجلس التشريعي والوطني من ثبتت وطنيتهم تاريخياً ، ووقفوا ضد استباحة الدم الفلسطيني ونادوا باحترام الشرعية وتطبيق القانون وتغليب لغة العقل والحوار على لغة السلاح والقوة ، وان يكون لديهم المقدرة على قيادة الشعب فالمسألة ليست بالصراخ أو بتطبيق نهج البلطجة وإنما بتحكيم الضمير والعقل والعمل لمصلحة الوطن والمواطن أولا وأخيرا ، ففلسطين تستحق منا الكثير وقضيتنا قد شهد لها العدو قبل الصديق بأنها من أنبل قضايا الوجود ، ومن يقف على المنابر للدفاع عن حقوق الوطن والمواطن يجب ان يكون بمستوى هذه القضية ، كان شريفً بالأمس واليوم وسيبقى كذلك بالمستقبل ، وإلا يستخدم الشعارات الرنانة والدين لاستمالة عطف الجماهير وكسب أعداد مضللة من الناخبين !
ختاماً فأن المواطن بات الان بحاجة ملحة لزلزال فكري ، ليعيد ثقته في النظام السياسي والاقتصادي بأكمله ، وليعلم ثانية كل الراغبين في ترشيح أنفسهم لشغل مقاعد مجلسي التشريعي والوطني أحزابا وأفراد أن المواطن المخدوع لن يستمر كذلك للأبد ، فقد جرب الأبيض والأسود ولم يعد يكترث أو يهاب الإرهاب ولن يقتنع هذه المرة كذلك بالوعود الكاذبة ومطلقيها ، فأتبعوا اذن الحق ان كنتم تخشون غضبه !!،قال تعالى (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) سورة البقرة (283).