الحمد لله أننا وصلنا – كما يبدو – إلى المرحلة التي أصبح فيها الأردني مثل نظيره في بعض دول الخليج، يُنجز معاملاته من منزله وهو جالس بجانب مدفأة الحطب، لا يكترث لبرودة الطقس ولا لكمية الأمطار التي تجري في الشوارع، ولا لتلك المناهل التي تصرخ مستنجدةً العون كل شتاء. المواطن اليوم – وفق الخطاب الرسمي – لا يعاني من أزمة سير على إشارة، ولا يبحث عن مكان يصطف فيه خوفًا من مخالفة. كل شيء يُنجز بنقرة زر، وكل معاملة مُيسّرة، وكل إجراء «مُؤتمت»… ما شاء الله!
بل أصبح الأردني، بكل فخر، يناقش في المؤتمرات الدولية ما وصلته الحكومة الإلكترونية من مكانة مرموقة عالميًا. يناقش، يجادل، ويُستدعى كخبير لنقل التجربة الأردنية في التحول الرقمي! تجربة فريدة لا تبقى لها إلا لمسة واحدة أخيرة ليكتمل المشهد: الإعلان الرسمي عن بيع الأرقام المميزة على موقع وزارة الاقتصاد الرقمي.
إذا كان هذا هو الإنجاز الذي يُقدَّم على أنه تتويج لمسيرة التحول، فالمشهد يحتاج إلى وقفة. فالتحول الرقمي الحقيقي لا يقاس بعدد الخدمات التي تُحوَّل إلى بوابات دفع وواجهات بيع، بل بما تحققه هذه الخدمات من تسهيل، وعدالة، وكفاءة، وتوفير حقيقي للوقت والجهد. التحول الرقمي لا يكون بواجهة إلكترونية تُقدم خدمة هامشية، بينما ما زالت الخدمات الأساسية تعاني من البطء، والازدحام، وتعطّل الأنظمة، وتضارب الإجراءات بين المؤسسات.
لسنا ضد تطوير الخدمات أو تحديث طرق تقديمها، بل نحن أشد الناس رغبة في رؤية الأردن يتقدم رقميًا. لكن التقدم الرقمي لا يكون بتلميع الهوامش وإهمال الجوهر.
فإذا كانت وزارة الاقتصاد الرقمي ترى أن بيع الأرقام المميزة على موقعها الرسمي يُعدّ خطوة استراتيجية في مسار التحول الرقمي…
فكل ما يمكن قوله هو: برافو.
برافو على تحويل التحول الرقمي من مشروع وطني إلى مجرد قائمة أسعار على موقع إلكتروني.
المهندس عبدالحميد الرحامنة.
مستشار وخبير تكنولوجيا معلومات.