كثرت الازمات الداخلية والخارجية التي عصفت بالاقتصاد الاردني في السنوات الماضية جعلت من مسألة ادارة وتنظيم العملية الاقتصادية في المملكة يشوبها تحديات من حيث استدامتها واستقرارها.
الامر ليس بغريب على اقتصاد يعتمد على اكثر من 90 بالمائة من احتياجاته على الخارج، ناهيك عن ان صادراته التقليدية تذهب لاسواق لها ارتباطات بالتطورات المالية العالمية.
اليوم يتجه الاردن الى ابرام اتفاق وشيك وبشكل رسمي مع صندوق النقد على برنامج تصحيح جديد مدته ثلاث سنوات يتم خلالها منح الاردن تسهيلات ائتمانية بقيمة ملياري دولار، والسؤال الذي يطرح على الدوام هل باستطاعة حكومات استكمال مثل هذا البرنامج في ظل الظروف الاقليمية والدولية غير المستقرة؟.
ان عدنا للتاريخ وتحديدا عقب ازمة الدينار سنة 1989 وقع الاردن والصندوق على اول برنامج تصحيح لمدة عامين، وبعد اشهر قليلة الغي العمل بالبرنامج عقب ازمة الخليج الاولى سنة 1990، وبقي الاقتصاد الوطني في مهب الريح ينتظر نتائج التطورات الدولية السريعة، بعدها بدا العمل ببرنامج التصحيح الثاني سنة 1992 والذي استمر لمدة ثلاث سنوات.
اليوم قد يكون الوضع مشابها الى حد ما، فالمنطقة العربية غير مستقرة على الاطلاق، وفي الشمال بوادر الحرب تلوح بالافق، فسوريا لن تعود الى سابق عهدها قبل مرور وقت طويل لا يعلمه الا الله، وهذا كله سيترك اثارا كبيرة على ادارة العملية الاقتصادية في المملكة.
على الصعيد الداخلي لعبت ادارات اقتصادية متعددة التي تفتقد بعضها الى روح الجماعة والفكر الى جعل الاقتصاد الوطني مختبر تجارب لترجمات ادبية اقتصادية غربية، حاولوا تطبيقها على الاردن متناسين خصوصية المجتمع الاردني، لذلك كان الفشل نصيب تلك البرامج.
حتى مجالس النواب التي يفترض بها ان تراقب خطط الدولة الاقتصاية والبرامج الانمائية اغفلت عن ذلك الدور لصالح مطالب خدمية وشخصية ساهمت جليا في زيادة الاعباء المالية على الخزينة.
لم يعد احد قادرا على تحديد هوية الاقتصاد الاردني الذي بات يعتمد في السنوات الاخيرة على المساعدات الخارجية لتعزيز استقراره المالي، فالقطاع العام يستحوذ على اكثر من 56 بالمائة من الناتج المحلي والحصة المتبقية للقطاع الخاص. باتت اعباء الدعم «المشوه» الذي تقدمه الخزينة احد اكبر التحديات المالية للاقتصاد، بسبب عدم عدالة توزيع مكتسباته، فالغني والفقير يحصلون على الدعم على حد سواء مع فارق ان الغني يحصل على اضعاف مضاعفة من الدعم الحكومي للسلع والخدمات، فهل نستطيع القول بان الاقتصاد الاردني اقتصاد حر؟.
لا يمكن ان يستقر الاقتصاد الوطني ويتوشح بهوية خاصة دون الرجوع الى العمل المؤسسي الذي يدوم بغض النظر عن الادارات التنفيذية والتشريعية الرسمية، فالاتفاق يكون على خارطة طريق اقتصادية تحدد مسار العمل والتحديث للاقتصاد الوطني في المستقبل.