آخر الأخبار
  الأمانة توضح ملابسات إنهاء خدمات عدد من موظفيها   18.4 مليار دينار موجودات صندوق استثمار الضمان حتى الشهر الماضي   ولي العهد يترأس اجتماعا للاطلاع على البرنامج التنفيذي لاستراتيجية النظافة   قرار حكومي جديد بخصوص أجهزة تسخين التبغ والسجائر الالكترونية   إجراءات حازمة بحق كل من ينتحل شخصية عمال الوطن   إرادة ملكية بقانون الموازنة .. وصدوره في الجريدة الرسمية   بتوجيهات ملكية .. رعاية فورية لأسرة من "ذوي الإعاقة"   منتخبا إسبانيا وإنجلترا يقدمان عرضين لمواجهة النشامى "وديًا"   استطلاع: 80% من الأردنيين يرون مشروع مدينة عمرة مهما   الأردن الرابع عربيًا و21 عالميا في مؤشر نضج التكنولوجيا الحكومية   التربية تنهي استعدادها لبدء تكميلية التوجيهي السبت المقبل   تحذير أمني لمالكي المركبات منتهية الترخيص في الاردن   الدفاع المدني ينقذ فتاة ابتلعت قطعة ثوم في الزرقاء   "المياه" تدعو المواطنين للتحوط بسبب وقف ضخ مياه الديسي لـ4 أيام   الاتحاد الآسيوي لكرة القدم يعتزم إطلاق دوري الأمم الآسيوية   تعديل على ساعات عمل جسر الملك حسين الثلاثاء   قرارات مهمة من صندوق الإقراض الزراعي   وقف واسع لضخ المياه في العاصمة والزرقاء (أسماء مناطق)   العموش يسأل الحكومة عن تحركات السفير الأمريكي الجديد   إثر خلافات .. القبض على سيدة وضعت مادة مخدرة لزوجها للإضرار به

شبكة للحوار في المنطقة العربية

{clean_title}

 

عدت للتو من الاجتماع التأسيسي لشبكة الحوار في المنطقة العربية الذي انعقد ما بين 4 و7 تموز الجاري في بيروت ومنتجع برمانا اللبناني، حيث أقرت خمسة عشر منظمة أهلية عربية وعدد كبير من الشخصيات العامة ينتمون إلى ثمانية دول عربية خطة استراتيجية لعملهم خلال السنوات الثلاث القادمة،واختاروا مجلساً تنفيذياً،من خمسة أعضاء، لقيادة الشبكة.

ومع أن العالم العربي يعج بالشبكات والائتلافات والتحالفات، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، فإني ما كنت لأنظر إلى نشوء شبكة اقليمية جديدة بهذا القدر من الاهتمام، لولا هويتها المميزة وطبيعة القوى المنخرطة فيها.

فهي من ناحية أولى تملأ فراغاً كبيراً على صعيد إرساء قواعد الحوار ما بين مكونات المجتمعات العربية، وفي المقدمة منها احترام التنوع والتعددية وقبول الاختلاف ما بين البشر، وإرساء ثقافة وقيم التسامح ورفض التعصب والتمييز بكافة أشكاله، الدينية والطائفية والعرقية والجهوية والقبلية.

و فضلاً عن رفض ومقاومة التمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي،ذلك أنه ما من قضية تهدد وحدة مجتمعاتنا العربية وتسيء إلى وجهها الحضاري أكثر من الاعتداءات التي تطال المواطنين من ذوي الانتماءات الدينية غير الاسلامية أو القوميات والأعراق غير العربية، أو ما يسمى "بالأقليات" في منطقتنا العربية، كالاعتداء على الكنائس ودور العبادة، أو استهداف حياة الأفراد والجماعات بسبب انتمائهم الديني أو الطائفي أو العرقي، أو التمييز ما بين المواطنين على أساس الأصول الوطنية والثقافية أو النوع الاجتماعي.

وهكذا،وبدلاً من إدراك الطبيعة المركبة للمجتمعات العربية، بكل ما تحفل به من ثراء وتنوع عرقي وديني ومذهبي، والتعامل مع هذه الطبيعة المركبة باعتبارها خاصية مجتمعية إيجابية ذات جذور تاريخية عميقة، فإن قوى التطرف والظلامية والتعصب القومي سعت في الأعوام الماضية إلى إثارة الكراهية والتعبئة الجاهلة ضد مكونات أصيلة لها شرعيتها التاريخية في المجتمعات العربية، وحتى إلى استهدافها بهجمات دموية واعتداءات متكررة على مساكنها وأماكن عباداتها، خالقة مع الوقت ثقافة ظلامية حاقدة على كل ما هو "مختلف"، أو يمثل هوية فرعية أخرى،وكما حدث مراراً في العراق ومصر واليمن، ويخشى أن يمتد إلى دول عربية أخرى.

أما الميزة الأخرى للقاء والشبكة التي إنبثقت عنه، فهي وجود أطياف متنوعة من المنظمات والجماعات والشخصيات التي أخذت على عاتقها التصدي لمهمة الحوار وإشاعة ثقافته وإعلاء قيمته في حياتنا المعاصرة، خاصة بعد الربيع العربي، ليصبح طريقة تفكير وأسلوب حياة ونقطة إنطلاق أساسية لبناء المجتمعات الديمقراطية، وهو ما سوف يمكن العرب من الاسهام بدور فاعل في بناء عالم إنساني أفضل.

 كما جاء في رؤية الشبكة،ففي اجتماعات بيروت (كانون الأول/ ديسمبر 2011 وبرمانا (تموز/ يوليو 2012) شارك ممثلون عن القوى الدينية المسيحية والاسلامية والاتجاهات الليبرالية واليسارية والقومية والعلمانية، وشمل اللقاء بلداناً من المغرب والمشرق العربيين، إضافة إلى العربية السعودية.

أما طبيعة المنظمات المشاركة في اللقائين اللذين بادرت إلى الدعوة إليهما الهيئة القبطية في مصر، من خلال "منتدى حوار الثقافات" فقد تمثلت في منظمات حقوقية وتنموية وأحزاب سياسية ومراكز أبحاث، إضافة إلى خبراء أكاديميين ومفكرين وقضاة وناشطين من الشباب والشابات.

ومثل اللقاءات العربية الأخرى، لم يستطع المنظمون الوصول إلى بعض الأقطار العربية مثل العراق واليمن وبعض دول الخليج والمغرب العربي، إلا أن اللقاء الأخير نجح، مع ذلك، في إرساء اللبنات الأولى لشبكة الحوار في المنطقة العربية.

 كما تم انتخاب أول مجلس لها للمرحلة التأسيسية، ضم ممثلين عن مصر والسعودية وفلسطين والمغرب، كما أقر خطة عمل أولية، بالاعتماد على مداولات أربعة مجموعات عمل قامت ببحث وتحديد الأولويات، في مقدمتها قضايا التطرف والتمييز، الدين والدولة وإدارة التنوع، الأمية الثقافية، كما تم تحديد الفئات المستهدفة بالحوار.

 ولابد من الاشارة هنا إلى أن الشبكة استهلت أعمالها بعقد ندوة فكرية إقليمية تحت عنوان "التشريع والتعددية والأقليات في العالم العربي"، أدارها الدكتور القس أندريه زكي مدير عام الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية، ورعاها سفير مصر بلبنان أ. محمد توفيق، وتحدث فيها القاضي المستشار محمود الخضيري (مصر) والقاضي غالب غانم (لبنان) ود. أمل القراحي (تونس).

يبقى أن نقول أن ثورات الربيع العربي بقدر ما جسدت تعطش الشعوب العربية إلى الحرية والكرامة الإنسانية والمساواة والعدالة الاجتماعية، فإنها أثارت، من ناحية أخرى، قلق الأقليات الدينية والطائفية والقوى المدنية من صعود "الإسلام السياسي"، ولا سيما الجماعات الدينية المتطرفة.

 ولم يكن هذا القلق خافياً عن العيان خلال الأشهر الأخيرة، ففي مختلف البلدان التي شهدت تحولات سياسية نوعية مثل تونس ومصر وليبيا واليمن، وكذلك في البلدان العربية الأخرى، التي تتطلع إلى التغيير، أو تشهد ثورات أو تحركات شعبية ودعوات إلى الاصلاح السياسي، أظهرت العديد من القوى الاجتماعية والسياسية الوازنة رفضها لمحاولات القوى الأصولية المتطرفة تغيير الطابع المدني للدولة، أو الانتقاص من حقوق المرأة ومكتسباتها، أو فرض الهوية الخاصة للحركات الدينية على دول ما بعد الثورات العربية.

وقد أثبتت عدد من الممارسات الطائفية لبعض الجماعات المتزمتة والمتعصبة، في مصر وتونس، أن الاستمرار بالاعتداء على حريات التعبير والحقوق المدنية يهدد بشق المجتمع في هذين البلدين ويبدد مكتسبات ثورتهما، ويفتح الباب واسعاً لقوى الأنظمة القديمة لاستعادة مواقعها ثانية.

ولذلك لابد من تبديد مصادر قلق القوى المدنية والأقليات في العالم العربي، وترجمة الالتزامات المعلنة للحركات الاسلامية الرئيسية في مصر وتونس وسورية، وغيرها من الدول العربية بخيار الدولة المدنية الديمقراطية التعددية إلى أفعال ملموسة، وإلا فإن مسار الاصلاح والغيير في العالم العربي سوف يتأثر سلباً.

إن التحضيرات لقيام شبكة الحوار في المنطقة العربية سبقت ثورات "الربيع العربي" بنحو عامين، وهي بذلك ليست مجرد ردة فعل لهذه الثورات، غير أن إستكمال العملية التأسيسية لها جاء في الوقت المناسب، للتصدي لمهمة بناء ثقافة الحوار في دول المنطقة، ولتطوير مرجعيات قانونية وقيمية لتنظيم العلاقة بين "الأغلبية" و"الأقلية"، ولإشاعة قيم التسامح والتصدي الحازم لأشكال التطرف والتعصب وإقصاء الآخر.

 وهو ما يتطلب تحقيق جملة من المهام في مجالات التكوين وبناء القدرات وكسب التأييد، إضافة إلى بناء أطر مؤسسية للتضامن ونشر الوعي حول أهمية الحوار كوسيلة ديمقراطية لحل الخلافات وبناء التوافقات بين المكونات الاجتماعية والسياسية في كل بلد عربي. 

شبكة للحوار في المنطقة العربية

 هاني الحوراني مركز الأردن الجديد للدراسات .

عدت للتو من الاجتماع التأسيسي لشبكة الحوار في المنطقة العربية الذي انعقد ما بين 4 و7 تموز الجاري في بيروت ومنتجع برمانا اللبناني، حيث أقرت خمسة عشر منظمة أهلية عربية وعدد كبير من الشخصيات العامة ينتمون إلى ثمانية دول عربية خطة استراتيجية لعملهم خلال السنوات الثلاث القادمة،واختاروا مجلساً تنفيذياً،من خمسة أعضاء، لقيادة الشبكة.

ومع أن العالم العربي يعج بالشبكات والائتلافات والتحالفات، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، فإني ما كنت لأنظر إلى نشوء شبكة اقليمية جديدة بهذا القدر من الاهتمام، لولا هويتها المميزة وطبيعة القوى المنخرطة فيها.

فهي من ناحية أولى تملأ فراغاً كبيراً على صعيد إرساء قواعد الحوار ما بين مكونات المجتمعات العربية، وفي المقدمة منها احترام التنوع والتعددية وقبول الاختلاف ما بين البشر، وإرساء ثقافة وقيم التسامح ورفض التعصب والتمييز بكافة أشكاله، الدينية والطائفية والعرقية والجهوية والقبلية.

و فضلاً عن رفض ومقاومة التمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي،ذلك أنه ما من قضية تهدد وحدة مجتمعاتنا العربية وتسيء إلى وجهها الحضاري أكثر من الاعتداءات التي تطال المواطنين من ذوي الانتماءات الدينية غير الاسلامية أو القوميات والأعراق غير العربية، أو ما يسمى "بالأقليات" في منطقتنا العربية، كالاعتداء على الكنائس ودور العبادة، أو استهداف حياة الأفراد والجماعات بسبب انتمائهم الديني أو الطائفي أو العرقي، أو التمييز ما بين المواطنين على أساس الأصول الوطنية والثقافية أو النوع الاجتماعي.

وهكذا،وبدلاً من إدراك الطبيعة المركبة للمجتمعات العربية، بكل ما تحفل به من ثراء وتنوع عرقي وديني ومذهبي، والتعامل مع هذه الطبيعة المركبة باعتبارها خاصية مجتمعية إيجابية ذات جذور تاريخية عميقة، فإن قوى التطرف والظلامية والتعصب القومي سعت في الأعوام الماضية إلى إثارة الكراهية والتعبئة الجاهلة ضد مكونات أصيلة لها شرعيتها التاريخية في المجتمعات العربية، وحتى إلى استهدافها بهجمات دموية واعتداءات متكررة على مساكنها وأماكن عباداتها، خالقة مع الوقت ثقافة ظلامية حاقدة على كل ما هو "مختلف"، أو يمثل هوية فرعية أخرى،وكما حدث مراراً في العراق ومصر واليمن، ويخشى أن يمتد إلى دول عربية أخرى.

أما الميزة الأخرى للقاء والشبكة التي إنبثقت عنه، فهي وجود أطياف متنوعة من المنظمات والجماعات والشخصيات التي أخذت على عاتقها التصدي لمهمة الحوار وإشاعة ثقافته وإعلاء قيمته في حياتنا المعاصرة، خاصة بعد الربيع العربي، ليصبح طريقة تفكير وأسلوب حياة ونقطة إنطلاق أساسية لبناء المجتمعات الديمقراطية، وهو ما سوف يمكن العرب من الاسهام بدور فاعل في بناء عالم إنساني أفضل.

 كما جاء في رؤية الشبكة،ففي اجتماعات بيروت (كانون الأول/ ديسمبر 2011 وبرمانا (تموز/ يوليو 2012) شارك ممثلون عن القوى الدينية المسيحية والاسلامية والاتجاهات الليبرالية واليسارية والقومية والعلمانية، وشمل اللقاء بلداناً من المغرب والمشرق العربيين، إضافة إلى العربية السعودية.

أما طبيعة المنظمات المشاركة في اللقائين اللذين بادرت إلى الدعوة إليهما الهيئة القبطية في مصر، من خلال "منتدى حوار الثقافات" فقد تمثلت في منظمات حقوقية وتنموية وأحزاب سياسية ومراكز أبحاث، إضافة إلى خبراء أكاديميين ومفكرين وقضاة وناشطين من الشباب والشابات.

ومثل اللقاءات العربية الأخرى، لم يستطع المنظمون الوصول إلى بعض الأقطار العربية مثل العراق واليمن وبعض دول الخليج والمغرب العربي، إلا أن اللقاء الأخير نجح، مع ذلك، في إرساء اللبنات الأولى لشبكة الحوار في المنطقة العربية.

 كما تم انتخاب أول مجلس لها للمرحلة التأسيسية، ضم ممثلين عن مصر والسعودية وفلسطين والمغرب، كما أقر خطة عمل أولية، بالاعتماد على مداولات أربعة مجموعات عمل قامت ببحث وتحديد الأولويات، في مقدمتها قضايا التطرف والتمييز، الدين والدولة وإدارة التنوع، الأمية الثقافية، كما تم تحديد الفئات المستهدفة بالحوار.

 ولابد من الاشارة هنا إلى أن الشبكة استهلت أعمالها بعقد ندوة فكرية إقليمية تحت عنوان "التشريع والتعددية والأقليات في العالم العربي"، أدارها الدكتور القس أندريه زكي مدير عام الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية، ورعاها سفير مصر بلبنان أ. محمد توفيق، وتحدث فيها القاضي المستشار محمود الخضيري (مصر) والقاضي غالب غانم (لبنان) ود. أمل القراحي (تونس).

يبقى أن نقول أن ثورات الربيع العربي بقدر ما جسدت تعطش الشعوب العربية إلى الحرية والكرامة الإنسانية والمساواة والعدالة الاجتماعية، فإنها أثارت، من ناحية أخرى، قلق الأقليات الدينية والطائفية والقوى المدنية من صعود "الإسلام السياسي"، ولا سيما الجماعات الدينية المتطرفة.

 ولم يكن هذا القلق خافياً عن العيان خلال الأشهر الأخيرة، ففي مختلف البلدان التي شهدت تحولات سياسية نوعية مثل تونس ومصر وليبيا واليمن، وكذلك في البلدان العربية الأخرى، التي تتطلع إلى التغيير، أو تشهد ثورات أو تحركات شعبية ودعوات إلى الاصلاح السياسي، أظهرت العديد من القوى الاجتماعية والسياسية الوازنة رفضها لمحاولات القوى الأصولية المتطرفة تغيير الطابع المدني للدولة، أو الانتقاص من حقوق المرأة ومكتسباتها، أو فرض الهوية الخاصة للحركات الدينية على دول ما بعد الثورات العربية.

وقد أثبتت عدد من الممارسات الطائفية لبعض الجماعات المتزمتة والمتعصبة، في مصر وتونس، أن الاستمرار بالاعتداء على حريات التعبير والحقوق المدنية يهدد بشق المجتمع في هذين البلدين ويبدد مكتسبات ثورتهما، ويفتح الباب واسعاً لقوى الأنظمة القديمة لاستعادة مواقعها ثانية.

ولذلك لابد من تبديد مصادر قلق القوى المدنية والأقليات في العالم العربي، وترجمة الالتزامات المعلنة للحركات الاسلامية الرئيسية في مصر وتونس وسورية، وغيرها من الدول العربية بخيار الدولة المدنية الديمقراطية التعددية إلى أفعال ملموسة، وإلا فإن مسار الاصلاح والغيير في العالم العربي سوف يتأثر سلباً.

إن التحضيرات لقيام شبكة الحوار في المنطقة العربية سبقت ثورات "الربيع العربي" بنحو عامين، وهي بذلك ليست مجرد ردة فعل لهذه الثورات، غير أن إستكمال العملية التأسيسية لها جاء في الوقت المناسب، للتصدي لمهمة بناء ثقافة الحوار في دول المنطقة، ولتطوير مرجعيات قانونية وقيمية لتنظيم العلاقة بين "الأغلبية" و"الأقلية"، ولإشاعة قيم التسامح والتصدي الحازم لأشكال التطرف والتعصب وإقصاء الآخر.

 وهو ما يتطلب تحقيق جملة من المهام في مجالات التكوين وبناء القدرات وكسب التأييد، إضافة إلى بناء أطر مؤسسية للتضامن ونشر الوعي حول أهمية الحوار كوسيلة ديمقراطية لحل الخلافات وبناء التوافقات بين المكونات الاجتماعية والسياسية في كل بلد عربي. 

شبكة للحوار في المنطقة العربية

 هاني الحوراني مركز الأردن الجديد للدراسات .

عدت للتو من الاجتماع التأسيسي لشبكة الحوار في المنطقة العربية الذي انعقد ما بين 4 و7 تموز الجاري في بيروت ومنتجع برمانا اللبناني، حيث أقرت خمسة عشر منظمة أهلية عربية وعدد كبير من الشخصيات العامة ينتمون إلى ثمانية دول عربية خطة استراتيجية لعملهم خلال السنوات الثلاث القادمة،واختاروا مجلساً تنفيذياً،من خمسة أعضاء، لقيادة الشبكة.

ومع أن العالم العربي يعج بالشبكات والائتلافات والتحالفات، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، فإني ما كنت لأنظر إلى نشوء شبكة اقليمية جديدة بهذا القدر من الاهتمام، لولا هويتها المميزة وطبيعة القوى المنخرطة فيها.

فهي من ناحية أولى تملأ فراغاً كبيراً على صعيد إرساء قواعد الحوار ما بين مكونات المجتمعات العربية، وفي المقدمة منها احترام التنوع والتعددية وقبول الاختلاف ما بين البشر، وإرساء ثقافة وقيم التسامح ورفض التعصب والتمييز بكافة أشكاله، الدينية والطائفية والعرقية والجهوية والقبلية.

و فضلاً عن رفض ومقاومة التمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي،ذلك أنه ما من قضية تهدد وحدة مجتمعاتنا العربية وتسيء إلى وجهها الحضاري أكثر من الاعتداءات التي تطال المواطنين من ذوي الانتماءات الدينية غير الاسلامية أو القوميات والأعراق غير العربية، أو ما يسمى "بالأقليات" في منطقتنا العربية، كالاعتداء على الكنائس ودور العبادة، أو استهداف حياة الأفراد والجماعات بسبب انتمائهم الديني أو الطائفي أو العرقي، أو التمييز ما بين المواطنين على أساس الأصول الوطنية والثقافية أو النوع الاجتماعي.

وهكذا،وبدلاً من إدراك الطبيعة المركبة للمجتمعات العربية، بكل ما تحفل به من ثراء وتنوع عرقي وديني ومذهبي، والتعامل مع هذه الطبيعة المركبة باعتبارها خاصية مجتمعية إيجابية ذات جذور تاريخية عميقة، فإن قوى التطرف والظلامية والتعصب القومي سعت في الأعوام الماضية إلى إثارة الكراهية والتعبئة الجاهلة ضد مكونات أصيلة لها شرعيتها التاريخية في المجتمعات العربية، وحتى إلى استهدافها بهجمات دموية واعتداءات متكررة على مساكنها وأماكن عباداتها، خالقة مع الوقت ثقافة ظلامية حاقدة على كل ما هو "مختلف"، أو يمثل هوية فرعية أخرى،وكما حدث مراراً في العراق ومصر واليمن، ويخشى أن يمتد إلى دول عربية أخرى.

أما الميزة الأخرى للقاء والشبكة التي إنبثقت عنه، فهي وجود أطياف متنوعة من المنظمات والجماعات والشخصيات التي أخذت على عاتقها التصدي لمهمة الحوار وإشاعة ثقافته وإعلاء قيمته في حياتنا المعاصرة، خاصة بعد الربيع العربي، ليصبح طريقة تفكير وأسلوب حياة ونقطة إنطلاق أساسية لبناء المجتمعات الديمقراطية، وهو ما سوف يمكن العرب من الاسهام بدور فاعل في بناء عالم إنساني أفضل.

 كما جاء في رؤية الشبكة،ففي اجتماعات بيروت (كانون الأول/ ديسمبر 2011 وبرمانا (تموز/ يوليو 2012) شارك ممثلون عن القوى الدينية المسيحية والاسلامية والاتجاهات الليبرالية واليسارية والقومية والعلمانية، وشمل اللقاء بلداناً من المغرب والمشرق العربيين، إضافة إلى العربية السعودية.

أما طبيعة المنظمات المشاركة في اللقائين اللذين بادرت إلى الدعوة إليهما الهيئة القبطية في مصر، من خلال "منتدى حوار الثقافات" فقد تمثلت في منظمات حقوقية وتنموية وأحزاب سياسية ومراكز أبحاث، إضافة إلى خبراء أكاديميين ومفكرين وقضاة وناشطين من الشباب والشابات.

ومثل اللقاءات العربية الأخرى، لم يستطع المنظمون الوصول إلى بعض الأقطار العربية مثل العراق واليمن وبعض دول الخليج والمغرب العربي، إلا أن اللقاء الأخير نجح، مع ذلك، في إرساء اللبنات الأولى لشبكة الحوار في المنطقة العربية.

 كما تم انتخاب أول مجلس لها للمرحلة التأسيسية، ضم ممثلين عن مصر والسعودية وفلسطين والمغرب، كما أقر خطة عمل أولية، بالاعتماد على مداولات أربعة مجموعات عمل قامت ببحث وتحديد الأولويات، في مقدمتها قضايا التطرف والتمييز، الدين والدولة وإدارة التنوع، الأمية الثقافية، كما تم تحديد الفئات المستهدفة بالحوار.

 ولابد من الاشارة هنا إلى أن الشبكة استهلت أعمالها بعقد ندوة فكرية إقليمية تحت عنوان "التشريع والتعددية والأقليات في العالم العربي"، أدارها الدكتور القس أندريه زكي مدير عام الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية، ورعاها سفير مصر بلبنان أ. محمد توفيق، وتحدث فيها القاضي المستشار محمود الخضيري (مصر) والقاضي غالب غانم (لبنان) ود. أمل القراحي (تونس).

يبقى أن نقول أن ثورات الربيع العربي بقدر ما جسدت تعطش الشعوب العربية إلى الحرية والكرامة الإنسانية والمساواة والعدالة الاجتماعية، فإنها أثارت، من ناحية أخرى، قلق الأقليات الدينية والطائفية والقوى المدنية من صعود "الإسلام السياسي"، ولا سيما الجماعات الدينية المتطرفة.

 ولم يكن هذا القلق خافياً عن العيان خلال الأشهر الأخيرة، ففي مختلف البلدان التي شهدت تحولات سياسية نوعية مثل تونس ومصر وليبيا واليمن، وكذلك في البلدان العربية الأخرى، التي تتطلع إلى التغيير، أو تشهد ثورات أو تحركات شعبية ودعوات إلى الاصلاح السياسي، أظهرت العديد من القوى الاجتماعية والسياسية الوازنة رفضها لمحاولات القوى الأصولية المتطرفة تغيير الطابع المدني للدولة، أو الانتقاص من حقوق المرأة ومكتسباتها، أو فرض الهوية الخاصة للحركات الدينية على دول ما بعد الثورات العربية.

وقد أثبتت عدد من الممارسات الطائفية لبعض الجماعات المتزمتة والمتعصبة، في مصر وتونس، أن الاستمرار بالاعتداء على حريات التعبير والحقوق المدنية يهدد بشق المجتمع في هذين البلدين ويبدد مكتسبات ثورتهما، ويفتح الباب واسعاً لقوى الأنظمة القديمة لاستعادة مواقعها ثانية.

ولذلك لابد من تبديد مصادر قلق القوى المدنية والأقليات في العالم العربي، وترجمة الالتزامات المعلنة للحركات الاسلامية الرئيسية في مصر وتونس وسورية، وغيرها من الدول العربية بخيار الدولة المدنية الديمقراطية التعددية إلى أفعال ملموسة، وإلا فإن مسار الاصلاح والغيير في العالم العربي سوف يتأثر سلباً.

إن التحضيرات لقيام شبكة الحوار في المنطقة العربية سبقت ثورات "الربيع العربي" بنحو عامين، وهي بذلك ليست مجرد ردة فعل لهذه الثورات، غير أن إستكمال العملية التأسيسية لها جاء في الوقت المناسب، للتصدي لمهمة بناء ثقافة الحوار في دول المنطقة، ولتطوير مرجعيات قانونية وقيمية لتنظيم العلاقة بين "الأغلبية" و"الأقلية"، ولإشاعة قيم التسامح والتصدي الحازم لأشكال التطرف والتعصب وإقصاء الآخر.

 وهو ما يتطلب تحقيق جملة من المهام في مجالات التكوين وبناء القدرات وكسب التأييد، إضافة إلى بناء أطر مؤسسية للتضامن ونشر الوعي حول أهمية الحوار كوسيلة ديمقراطية لحل الخلافات وبناء التوافقات بين المكونات الاجتماعية والسياسية في كل بلد عربي.