كشفت دراسة للبنك الدولي أطلقت أمس، أن المعلمين ومقدمي الرعاية الصحية في القطاع الحكومي في المملكة لا يبذلون الجهد الكافي في عملهم، مؤكدة ضرورة تفعيل المساءلة والرقابة والتحفيز على العاملين في هذين القطاعين لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.
وأكدت الدراسة التي جاءت تحت عنوان "المساءلة الخطوة الأخيرة على الطريق نحو تحسين جودة الخدمات الصحة والتعليم"، أنّ مستويات طلاب الأردن في المدارس الحكومية تعد من أدنى المستويات عالميا في مواد العلوم واللغات والرياضيات، وأن الجهد الذي يبذله المعلمون في تحقيق معايير مهنية تتعلق بمستويات التعليم ما تزال "متدنية".
وقالت الدراسة "رغم ارتفاع مستويات التحصيل الدراسي، فإن متوسط درجات الطلاب الأردنيين في سن 15 في برنامج التقييم الدولي للطلاب في الرياضيات والعلوم واللغات يصنف ضمن أدنى البلدان المشاركة في هذا البرنامج، وبالمثل فإنّ مستوى تحصيل طلاب الصف الثامن في مادتي الرياضيات والعلوم يأتي تقريبا في مؤخرة قائمة الأنظمة التعليمية المشاركة في دراسة الاتجاهات الدولية في الرياضيات والعلوم".
ويرى البنك "أنّ مؤشرات كهذه تعد غير متوقعة نظرا لتشابه مستويات إنفاق المملكة على هذا القطاع مع المستويات الدولية".
وذكرت الدراسة أن أربعة مقاييس موضوعية لجهود المعلِّمين تتسق مع معاييرهم المهنية في الأردن وهي؛ تقديم الملاحظات التقييمية إلى الطلاب باستمرار، والرد على أسئلة الطلاب بالأسلوب المواتي لتهيئة بيئة تعليمية تتسم بالاحترام والمساندة الوجدانية، وتصميم مجموعة من وسائل تقييم الطلاب تقدم فرصا متنوعة لتقييم أداء الطلاب، ومراعاة مستويات أداء الطلاب واحتياجاتهم المحددة عند تصميم الدروس.
وخلصت إلى أن الجهد الذي يبذله المعلِّمون في استيفاء هذه المعايير "متدنٍ" على ما يبدو؛ إذ لا يصحّح سوى معلم واحد من بين كل خمسة معلِّمين جميع صفحات كراسات الطلاب، فيما يقوم نحو 25 % من المعلِّمين بتصحيح بعض الصفحات فقط، ولا يصحّح 3.4 % من المعلِّمين أيا من الصفحات.
وعندما يعجز طالب عن الإجابة عن سؤال، أفاد الطلاب بأن 70 % من المعلِّمين يكررون ببساطة السؤال نفسه على الطالب نفسه مرة أخرى أو يوجِّهون السؤال إلى طالب آخر بدلا منه، فيما يقوم 5.4 % من المعلِّمين بتوبيخ الطالب أو إخراجه من قاعة الدراسة أو إيقافه في زاوية القاعة.
وأفاد نحو اثنين من بين كل ثلاثة معلِّمين بأنهما لا يستخدمان سوى واحدة أو اثنتين من وسائل تقييم الطلاب، وذكرت نسبة ضئيلة لا تتجاوز رُبع مجموع المعلِّمين أنها تستخدم وسائل التقييم هذه للاسترشاد بها في تخطيط الدروس.
ورغم أن هذه النتائج تقتصر على المعلِّمين في الصفوف الابتدائية الأولى، فإنها قد تدل على وجود تحدٍ أوسع نطاقا في مختلف مراحل التعليم بالمملكة.
وأشارت الدراسة الى أنّه في العقدين الماضيين، اقترب الأردن من تعميم الالتحاق بالمرحلة الابتدائية (97 %) وإتمامها (93 %)، كما حقق معدلات مرتفعة في الالتحاق بالمرحلة الثانوية (88 %) وإتمامها (90 %)، متساوياً في ذلك مع بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. لكن التقييمات الدولية للطلاب ما تزال تعيد توجيه اهتمام المملكة للتركيز على الشيء المهم فعلاً، وهو مستوى تعلُّم الطلاب.
ورغم ارتفاع مستويات التحصيل الدراسي، فإن متوسط درجات الطلاب الأردنيين في سن الخامسة عشرة في برنامج التقييم الدولي للطلاب في الرياضيات واللغات والعلوم يُصنَّف ضمن أدنى البلدان المشاركة في هذا البرنامج.
وبالمثل، فإن متوسط مستوى تحصيل طلاب الصف الثامن في مادتي الرياضيات والعلوم يأتي تقريباً في مؤخرة قائمة الأنظمة التعليمية المشاركة في دراسة الاتجاهات الدولية في الرياضيات والعلوم.
وتعد مؤشرات كهذه غير متوقعة إلى حد ما نظراً لتشابه مستويات إنفاق الأردن في قطاع التعليم مع المستويات الدولية؛ فمعدل الإنفاق على التعليم الحكومي كنسبة من إجمالي الإنفاق الحكومي وصل إلى نحو 10.3 % في العام 2012، وهو ما يزيد قليلاً على متوسط بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي للعام نفسه (9.8 %)، كما يتساوى مع نظيره في بعض البلدان المشاركة في برنامج التقييم الدولي للطلاب والتي تحقق معدلات أداء قوية مثل ألمانيا والنمسا وبولندا.
علاوة على ذلك، بلغ معدل الإنفاق على التعليم الحكومي كنسبة من إجمالي الناتج المحلي 3.4 % في العام 2011، وهو ما يقل قليلاً عن متوسط بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (5.2 %)، لكنه يتساوى مع نظيره في سنغافورة واليابان ومنطقتي ماكاو وهونغ كونغ الصينيتين الإداريتين، وهي البلدان الأعلى أداء في هذا البرنامج.
وفي القطاع الصحي، أكدت الدراسة أنّ مؤشرات الصحة في الأردن لا سيما معدلات الوفاة بين الأمهات والرضع، تشير الى إمكانية تحقيق مكاسب صحية كبيرة فيما يتعلق بجودة الرعاية، مشيرة الى أن النقص الملاحظ في جودة الخدمات يعزى الى محدودية الموارد التي توجه الى النظام.
وتشير الدراسة الى تدني جهود مقدِّمي خدمات الرعاية (التي تُقاس وفقا لنسبة التغيُّب عن العمل، والجهد السريري المبذول أثناء مقابلات المرضى، ومقدار الوقت المبذول مع المرضى، وتقديم الرعاية وفق الحقوق المقررة) في مجالات عدة.
فخلال الزيارات الميدانية إلى مراكز الرعاية الصحية، سُجِّلت نسبة التغيُّب (بعذر أو بدون عذر) بين العاملين بواقع 17 % في المتوسط.
لكن هذا المتوسط يمثل تفاوتا كبيرا فيما بين المنشآت.
ففي حين كانت تعمل بعض العيادات بكامل طاقمها، كان يتغيَّب أكثر من نصف العاملين في عيادات أخرى، مما يشير إلى ضعف إمكانية الحصول على الرعاية.
وبناءً على مقابلات مع مرضى خرجوا من منشآت للرعاية الصحية، تُبرز نتائج الدراسة تدني جهود مقدِّمي خدمات الرعاية خلال المقابلة السريرية.
ففي المتوسط، لم يقم مقدِّمو الرعاية الصحية إلا بنصف عناصر الفحص الرئيسية، مما يشير إلى محدودية المعلومات السريرية المُعتمد عليها في إجراء التشخيصات واتخاذ القرارات الأخرى المتعلقة بالحالة الصحية.
وتُتخذ هذه القرارات خلال المقابلات السريرية التي لا تتجاوز مدتها 4 دقائق.
وكان متوسط مدة المقابلة هو 10 دقائق، بيد أنه يصعب تقديم رعاية شاملة عالية الجودة وفقا للحقوق المقررة خلال 10 دقائق، ناهيك عن 4 دقائق.
وأيدت البيانات أن قصر مدة هذه المقابلات صاحبه انخفاض الجهد السريري المبذول وانخفاض احتمال تقديم الرعاية وفق الحقوق المقررة، على الرغم من أن المرضى أفادوا في المتوسط بأنهم تلقوا رعاية اتسمت بالاحترام والاستجابة ووفقا للحقوق المقررة.
وقالت الدراسة إنّ العقدين الماضيين شهدا تقدُّما ملحوظا في تحسين الأوضاع الصحية للسكان. فقد ارتفع متوسط العمر المتوقع عند الولادة من 69.9 عاما في 1990 إلى 73.7 عاما في 2012.
وتراجع معدل الوفيات النفاسية من 86 لكل مائة ألف ولادة حية في 1990 إلى 50 في 2013. وانخفض معدل وفيات الرضع من 34 لكل ألف مولود حي في 1990 إلى 17 في 2012.
كما تراجع معدل وفيات الأطفال دون الخامسة من 39 لكل ألف مولود حي إلى 21 في الفترة ذاتها. ورغم تحقيق هذه المكاسب، فإن المؤشرات الصحية في الأردن، لاسيما معدلات الوفاة بين الأمهات والرضع، تشير إلى إمكانية تحقيق مكاسب صحية كبيرة فيما يتعلق بجودة الرعاية.
ورغم أنه يمكن استنتاج أن العوامل الأساسية وراء هذا النقص الملاحظ في جودة الخدمات بالأردن تُعزى إلى محدودية الموارد التي تُوجَّه إلى النظام، فإن الشواهد تشير إلى غير ذلك.
ففي العام 2011، بلغ الإنفاق العام للأردن على قطاع الصحة كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي 6 %؛ أي نحو ضعف متوسط الإنفاق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهو 3 %.
وانعكس ذلك في نصيب الفرد من الإنفاق الصحي والذي بلغ 392 دولارا، وهو ما يزيد كثيراً على المتوسط في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل وكذلك البلدان النامية في المنطقة، وإن لم يكن الأعلى فيها.
ويبرز الأردن داخل المنطقة وبين البلدان ذات الاقتصاد المماثل بوجه عام نظراً لارتفاع مستويات إنفاقه العام على قطاع الصحة.
وأكدت الدراسة ضرورة بذل الجهد الكافي من قبل مقدِّمي الخدمات ويستلزم أن يشعروا بأنهم خاضعون للمساءلة عن جودة ما يقدمونه من خدمات.
لكن إحساسهم بالمساءلة لا ينشأ بالضرورة بشكل طبيعي، فهو يتطلب في الغالب آليات لمراقبة أدائهم وتحفيزهم.
وقالت الدراسة "إن زيادة الرقابة من جانب مديري المدارس ورؤساء الوحدات الصحية قد تؤدي إلى تحقيق تحسُّن ملموس في أداء مقدِّمي الخدمات في مكان العمل، خصوصا أنّ مديري المدارس ورؤساء الوحدات الصحية يتمتعون بمؤهلات تتيح لهم رصد الانخفاض في مستوى أداء مقدِّمي الخدمات حين يرون ذلك نظرا لأنه تم تدريبهم كمعلِّمين وأطباء، وقضوا سنوات عديدة في التدريس داخل قاعات الدراسة وفي تقديم الخدمات السريرية، ويعملون في المكان ذاته حيث يعمل المعلِّمون ومقدمو خدمات الرعاية الصحية الخاضعين لإشرافهم".
وأكدت الدراسة أنه رغم مكاسب الأداء التي يمكن تحقيقها من خلال وجود الرقابة الملائمة، فإن بيئة المساءلة في قطاعي التعليم والصحة بالأردن لا تتيح سوى حوافز ضئيلة للغاية لتشجيع المعلِّمين ومقدِّمي خدمات الرعاية الصحية على بذل أقصى ما في وسعهم.
فمن ناحية، لا توجد حوافز مالية لتشجيع مقدِّمي الخدمات على تحسين الأداء وعلى المستوى المركزي، لا ترتبط أنظمة رواتب المعلِّمين ومقدِّمي خدمات الرعاية الصحية إلا بالمؤهلات وسنوات الخبرة، وبالتالي لا تُقدَّم أي حوافز لهم لتشجيعهم على تحسين الأداء وفقاً لحدود معارفهم. وعلى مستوى المنشآت، فإن استخدام الحوافز المالية يعوقه محدودية الاستقلالية الإدارية لمديري المدارس ورؤساء الوحدات الصحية والقيود على ميزانيات منشآتهم، فيما يحد عدم قدرتهم على تعيين الموظفين وفصلهم من تأثير جهودهم لتعزيز مساءلة مقدِّمي الخدمات.
ومن ناحية أخرى، نادرا ما يعتمد مديرو المدارس ورؤساء الوحدات الصحية على آليات غير مالية لتحفيز مقدِّمي الخدمات على تحسين الأداء.
وعندما يقومون بذلك، فإنهم يستخدمون غالبا آليات للعقاب، مما يحول بدرجة كبيرة دون الاستفادة من إمكانيات الحوافز الإيجابية غير المالية.
وأكدت الدراسة ضرورة التحوُّل نحو أنظمة تعليمية وصحية تستند إلى الأداء في الأردن، مع الإشارة إلى أن هناك تناقضا حادا بين وجود مدخلات هيكلية كافية إلى حد كبير في قطاعي التعليم والصحة بالأردن والتدني الواضح في الجهود التي يبذلها المعلِّمون ومقدِّمو خدمات الرعاية الصحية، مما يعوق بدرجة كبيرة قدرة البلاد على تقديم خدمات عالية الجودة.
ويتطلب ذلك التحوُّل نحو الأنظمة التعليمية والصحية المستندة إلى الأداء في المملكة؛ حيث تقع مساءلة مقدِّمي الخدمات في صميم أجندة الإصلاح لكل قطاع.
ويتطلب التحوُّل نحو أنظمة المساءلة المستندة إلى الأداء أن يقوم الأردن بدراسة أربعة اعتبارات رئيسية، وهي ضرورة اختيار مؤشرات كافية لقياس أداء مقدِّمي الخدمات وتطبيقها، وضرورة توحيد مجموعة مؤشرات الأداء وتنظيمها، وضرورة تصميم أنظمة فعالة للإثابة والعقاب وربطها بمؤشرات الأداء لتحفيز مقدِّمي الخدمات على رفع مستوى أدائهم، وضرورة إرساء آليات لمساءلة مديري المدارس ورؤساء الوحدات الصحية، بالإضافة إلى ضرورة تقديم التدريب اللازم لهم ومنحهم الاستقلالية الإدارية لتمكينهم من أداء مهامهم الإشرافية بشكل أفضل بغرض مساندة تنفيذ هذه العملية المهمة في عموم أنحاء المملكة.
ويتطلب ذلك اعتماد نهج للأنظمة يدمج المساءلة المستندة إلى الأداء ضمن نظام أكبر لإدارة الأداء يتم الاسترشاد فيه بمؤشرات الأداء عند تصميم البرامج الاستراتيجية لتطوير مقدِّمي الخدمات مهنيا.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه هي أول دراسة تمثيلية على المستوى الوطني في الأردن لقياس المساءلة داخل المنشآت وأداء مقدِّمي الخدمات في منشآت الرعاية الصحية الأولية، كما أنها أول دراسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقوم باستقصاء أوجه الارتباط هذه. وتعتمد هذه الدراسة على عينة ممثلة على المستوى الوطني تضم 122 منشأة للرعاية الصحية الأولية؛ حيث تُجمَع البيانات من مقابلات مع المرضى عند خروجهم وإجراء مسوح استقصائية لرؤساء الوحدات الصحية والأطباء والممرضين ممن يعملون في هذه المراكز، وكذلك ممثل من لجنة صحة المجتمع حيثما أمكن.
وفي حالة قطاع التعليم، تم إجراء تحليل تجريبي بالاعتماد على البيانات الموجودة التي تم جمعها من خلال المسوح الاستقصائية لمديري المدارس والمعلِّمين والطلاب، والملاحظات الصفية من الآخرين وعمليات الجرد المدرسية، وتقييمات الطلاب في الرياضيات والقراءة من عينة ممثلة على المستوى الوطني تضم 156 مدرسة.
واستُكمل هذا التحليل بدراسة حالة مقارنة لست مدارس أردنية باستخدام المطابقة الإحصائية وإجراء لتتبع العمليات.