قال رئيس الوزراء في حديث الى الصحفيين والكتاب لتبرير قرارات ستعلن رفع الدعم عن حزمة سلع (لا بد من اجراءات سريعة محليا كي نطمئن الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات الاقليمية والدولية المانحة الى اننا نقوم بواجبنا في ترتيب اوضاعنا الداخلية ماليا واقتصاديا).
وبترجمة هذه الجملة الطويلة الى اللغة العربية يصبح معناها (أننا لم نكن نتصرف بحكمة في المال الذي بين يدينا ولذا فقدنا ثقة الاصدقاء ولا بد من إقناعهم أننا بلغنا سن الرشد ونستطيع إدارة المال بتعقل).
ان هذا يشبه تماما اليتيم الذي يوشك على بلوغ سن الرشد فيضع القاضي الشرعي بين يديه جزءا من أمواله لإدارتها لاختبار رشده قبل أن يسلمه كامل التركة فان لم يثبت حسن التصرف منع عنه المال ومدد الوصاية عليه حتى يستقيم أمره.
لكم تشبه أحوال الدول حالات الافراد وفي الواقع فان الدول أمثالنا ليست أكثر من فرد ضخم أو مجموعة افراد في واحد ما دامت المؤسسية والقرارات الجماعية غائبة وما دام الحساب والعقاب والترهيب والترغيب لا يتجاوز مخالفة سير وسرقة ثمن رغيف خبز.
سأتفق مع رئيس الوزراء في الجملة التي قالها ولو كنت حاضرا لقاءه مع أسطول الاعلام الوطني لسألته فورا: ولماذا فقدنا ثقة الدول المانحة وكانت حكومات التصحيح تقول وتؤكد أن برنامج الاصلاح الاقتصادي يسير في الاتجاه الصحيح؟
وكلما جاءت بعثة من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو من حكومة سيرلانكا المانحة لعاملات البيوت قالوا لنا أن البعثات خرجت راضية عن الاجراءات النقدية والاقتصادية العبقرية للفريق الاقتصادي!
ولكنت سألت دولة الرئيس السؤال الذي يطرحه المواطنون الآن في الشارع وهو: من أوصلنا الى هذا الحال المهدد بوقف صرف الرواتب؟ هل هو المواطن المسرف المتهرب من دفع الضرائب في القرى والبوادي والارياف والمخيمات أم هو السياسي والاقتصادي الذي لا يرى أبعد من خشب كرسي الوزارة والمسؤول المنافق والاعلام الذي يزيف الحقيقة ويزرع الورد فوق النفايات؟
لا شك عندي أن دولة السيد فايز الطراونة كان صريحا وأن ما قاله يمثل حقيقة، ولكنها للأسف صراحة جزئية ونصف الحقيقة فاذا كان الرئيس يطلب مني كمواطن أن أتحمل الرفع لمصلحة الوطن فعليه أن يقول لي لماذا ومن المسؤول والى متى سأتحمل؟
أكثر من حكومة وقفت الموقف نفسه أمام الاعلام وقالت ان الخزينة في خطر وأن (كلفة الاصلاحات اليوم هي اقل بكثير من الثمن الذي سندفعه جميعا في المستقبل القريب) وأنها لا تطلب شعبية على حساب مصلحة الوطن، فوقفنا معها كإعلاميين ومواطنين لنتبين بعد أشهر أنه لا يوجد أصلاح ولا (نيله) والحكاية فقط سد جزء من العجز في النفقات الجارية لقربة الميزانية المثقوبة, ويبدو أن الحكومة تبحث الان عن تمويل لسد كلفة رواتب النواب التقاعدية.. وكل عام والديمقراطية بخير.