ما تزال السجالات والنقاشات مفتوحة في إسرائيل، إزاء الضربة الإسرائيلية المحتملة أو المرجّحة للمواقع الإيرانية النووية، وما إذا كان يتوجب على تل أبيب أخذ وجهة نظر الإدارة الأميركية حول هذا «القرار» في الاعتبار وبخاصة ان واشنطن حاولت استرضاء نتنياهو بل و»اجبر» الأخير أوباما بأن يقول لأول مرة: إن إدارته لا تريد «احتواء» طموح إيران النووي بل «منعه» ما يعني أن كل الخيارات على الطاولة.. لكنها (إدارة أوباما) تريد منح المزيد من الوقت للعقوبات الاقتصادية التي اثبتت نجاعتها كما تقول إضافة إلى انتظار ما ستسفر عنه مباحثات 5 + 1 مع طهران، حيث تريد الاخيرة عقد المفاوضات في مدينة غير اسطنبول، بعد الفتور الذي اعترى علاقات البلدين مؤخراً إزاء الأزمة السورية وانعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا في اسطنبول.
الثنائي نتنياهو وباراك تساورهما الشكوك إزاء الإلتزام الأميركي في «منع» طهران من المضي قدماً في برنامجها النووي، وبخاصة بعد الكشف عن ما قيل في «الميكرفون المفتوح» بين أوباما ومدفيديف أثناء لقائهما على هامش مؤتمر الأمن النووي في سيؤول، عندما طلب أوباما من نظيره الروسي تخفيف «الضغوط» عليه في شأن منظومة الدرع الصاروخية إلى ما بعد انتهاء انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني القريب لانه سيكون اكثر مرونة!!
في الأثناء... تُواصل وسائل الإعلام الإسرائيلية تسليط الأضواء على «الموضوع» وينقسم جمهور المحللين والكُتّاب وقادة الأحزاب وقادة الوسطين العسكري والامني، بين مؤيد لضربة كهذه كون امتلاك إيران للسلاح النووي يشكّل تهديداً «وجودياً» لإسرائيل بل إن نتنياهو يقول انها «محرقة» أخرى تواجه إسرائيل وبالتالي فهو «لن» يسمح لطهران بتجاوز خط اللاعودة مهما كان الثمن.. في المقلب الآخر هناك من يرى في ما يذهب إليه نتنياهو (وباراك) تهويلا وصرفا للأنظار عن اخفاق الائتلاف اليميني المتطرف الذي يرأسه نتنياهو في تحقيق أي اختراق مع الجانب الفلسطيني فضلاً عن دعمه اللامحدود للمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس خصوصاً، اضافة بالطبع إلى تردده في معالجة المسائل والملفات المطلبية والاحتجاجات الفئوية المطالبة برفع الرواتب وتخفيض أسعار البنزين ولهذا يضخّم من مسألة النووي الإيراني. أصحاب هذا الرأي يدعون إلى التريث وعدم قيادة إسرائيل إلى حرب لا نهاية لها، لان إيران ليست عراق صدام حسين في العام 1981 (عندما تم تدمير مفاعل تموز بقرار من مناحيم بيغن) وبخاصة ان طهران - يضيف هؤلاء - تدرك ان لدى إسرائيل من القدرات النووية والتقنية والتسليحية ما يسمح لها بتوجيه ضربة انتقامية (ثانية) ما يحول دونها (طهران) ومحاولة «إبادة» إسرائيل على ما يهدد قادتها.
الأكثر سخونة في الجدل الدائر الآن في إسرائيل هو تحذير دوائر عديدة في الكيان الصهيوني من مغبة الخروج على القرار «الأميركي» والقيام بضربة منفردة دون إخبار واشنطن مسبقا أو التنسيق معها، لان ذلك سيكلف إسرائيل غاليا وربما لن تجد التأييد الأوتوماتيكي التي كانت تلقاه قراراتها (العسكرية خصوصا) كما حدث على الساحتين الفلسطينية واللبنانية.
احد هؤلاء كتب في صحيفة هاآرتس يوم الأربعاء الماضي مقالة حفلت بالأرقام والمعطيات اللافتة وجاءت تحت عنوان مثير «431 ملياراً سبب لعدم الهجوم» يقول فيها رؤبين بدهتسور:».. اذا كان ما يزال يوجد من يتسلى بفكرة الهجوم على إيران بغير موافقة الإدارة الأميركية، فانه يجدر به ان يقرأ التقرير الذي نشره قبل ثلاثة أسابيع - سي.آر.إس - وهو جسم البحث التابع لمجلس النواب الأميركي، وفُصّلت فيه المساعدات التي أعطيت لإسرائيل على مدى السنين. إن تعلق إسرائيل - يواصل بدهتسور - بالولايات المتحدة كبير جدا كما تبين معطيات التقرير حتى ان كل قرار بالهجوم قد يعرّض استمرار المساعدة للخطر ويبلغ حد عدم المسؤولية الآثم.
الأرقام التي يوردها التقرير «خرافية» لا يمكن للعجالة هذه ان توردها كلها لكنني اكتفي ببعض منها «.. إن تجميع المعطيات التي تظهر في التقرير لا يقل عن كونه مدهشاً يقول الكاتب، فعلى مرّ السنين حولت الولايات المتحدة إلى إسرائيل مساعدة تزيد على 431 مليار شيكل (أكثر من 115 مليار دولار) ومن أجل وضع هذه الأشياء في تناسب نقول: إن إسرائيل حصلت من الولايات المتحدة على مساعدة اكبر من التي حصلت عليها 15 دولة في أوروبا معاً، في اطار خطة مارشال لعلاج القارة المدمرة بعد الحرب العالمية الثانية».
لم ينته الاقتباس فثمة أرقام أخرى كلها جاءت في اطار المنح والمساعدات العسكرية والمالية العاجلة التي لم تدخل في تلك الاحصائية لكن المجال لا يتسع وحسبنا القول ان الكاتب إسرائيلي والتقرير أميركي.
فهل تسألون الآن مَنْ الذي يتحكم بمَنْ؟
عودوا إلى الأرقام.