إذا أردنا أن نشتري منخفضاً جوياً كالمنخفض الذي انتهى اليوم.. فكم ملياراً سندفع؟؟.
هذا سؤال نوجهه لأنفسنا حين نتحدث عن الفقر والبطالة، وحين نتحدث عن هبوط وارتفاع الاستثمارات الأجنبية في بلدنا. فهذه الكميات الهائلة من الماء التي تسقط على الثرى العطش المكدود، هي اضافة اقتصادية واجتماعية ومالية قد لا تهم الفكر الاقتصادي المعلّب، وقد يجدها ابن المدينة الذي غادر حقائق وطنه، مشكلاً للسير، ومشكلاً للشوارع، التي تحولت إلى أنهار، ومشكلاً لسيارته التي انطفأ محركها في وسط الطريق!!.
أيام كنّا «في الفلاحين» حسب التعبير الكوميدي المصري، كنا نغرق في مواسم القمح، ومواسم الحليب والزبدة والمخيض، ومواسم المقاثي والبطيخ والشمام في الصيف، وحين نرجع إلى تاريخ الولايات المتحدة، في القرن التاسع عشر فإننا سنجد ان 80% من الطاقة العاملة الأميركية كانت تعمل في الزراعة، الآن يشتغل 2% منهم وينتجون ستة أضعاف انتاجهم قبل قرنين!!.
قبل مائة عام ونيّف كانت السويد دولة زراعية والآن هي من الدول المتقدمة في حقول الصناعة والتعدين وما يزال الهولنديون بلد مزارعين.. وهي من أغنى دول أوروبا، وأقلها أزمات. فالناس يأكلون في كل حالاتهم الاقتصادية، والناس يزينون بيوتهم بورودها!!
ما نريد أن نقوله هنا، هو أنه لا مواصفات للتقدم الاقتصادي والاجتماعي, ولعل روح الحرية الذي يشكل محور الروح الأردنية هو اعتماد الناس على الزراعة، واعتماد الزراعة على المطر.. فالأردني في سنوات تشكيل الدولة لم يكن بحاجة إلى مال الدولة ووظائفها، وكانت علاقته في خبزه اليومي مع واهب المطر والخصب، حتى في الدين والأعياد القديمة فالصوم المسيحي الذي بدأ.. يمتنع فيه الصائم عن أكل اللحم ومشتقات الألبان وحيوان الجو والبحر لأن المواسم مواسم تكاثر وولادة. ولأن المواليد الجديدة بحاجة إلى حليب أمهاتها.. ولأن الأرض تعطيهم البقول البرية، كالعكوب، والفطر، والهندبه والخبيزة، والفيته. فالطبيعة الكريمة هي التي صنعت حياة وأديان شعوب المنطقة.. فلا معنى للصوم المسيحي الكبير في بلد كبريطانيا.. سوى أنه منقول من الشرق!!.
تمطر الدنيا وتثلج على الأردن، ويحلم الوطن بالخصب والمواسم، وينام الأطفال على هدهدة الوعد بربيع طويل!!.