سؤال يطرحه الكثير من ابناء الشعب الأردني اليوم، خصوصاٌ بعد سماعهم لأرقام الخسائر الكبيرة والتي بلغت المليارات، فهل تخسر حقاٌ ؟ وما هي حقيقة هذه الخسارة؟ وما هي أسبابها؟ وما هي الخطوات اللازمة لإيقاف نزيف الخزينة تجاه مصروفات الطاقة؟ في البداية وقبل الإشارة الى موضوع الخسائر التي منيت بها شركة الكهرباء الوطنية في السنوات الثلاث الأخيرة لا بد من الإطلاع على تاريخ هذه القطاع الذي مر بأزمات كثيرة ومتعددة نتجت عنها هذه الخسائر
بدأت الحكاية في العقد الرابع من القرن الماضي حين كان لدينا في الأردن شركتان للكهرباء هما شركة كهرباء اربد وشركة الكهرباء الأردنية بإمكانيات بسيطة ووحدات توليدية صغيرة تتماشى مع إحتياجات المستهلكين في تلك الفترة. في عام 1964 أدركت الحكومة الحاجة الى نظام كهربائي متطور يخدم كافة مناطق المملكة وبدأت بدراسة مستفيظة نتج عنها نظام الكهرباء لسنة 1967 والذي تضمن عدة بنود منها: - إنشاء سلطة الكهرباء الأردنية لتكون مسؤولة عن توليد ونقل الطاقة الكهربائية لشركات التوزيع ليصار الى توزيعها الى المستهلكين من خلال الأخيرة. - بناء محطات توليد تضم وحدات توليدية كبيرة نسبيا لتغطي الطلب المتزايد على الطاقة في ظل استقبال اعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في ذلك الوقت
بناء عدد من محطات النقل ذات الفولتية 132 كيلو فولت (132 الف فولت) موزعة على كافة مناطق المملكة. تكللت هذه الخطة بالنجاح، ففي عام 1975 تم ربط أول وحدة توليدية متوسطة الحجم بقدرة 14.7 ميجا واط في محطة الحسين الحرارية مع الشبكة والتي تعمل على الوقود الثقيل، وفي عام 1977 تم ربط وحدات توليدية بقدرة 33 ميجا واط في نفس المحطة.
في عام 1984 تم استحداث وزارة الطاقة والثروة المعدنية لتكون المسؤول الرئيس عن إدارة النظام الكهربائي ومتابعته.
وبعد ذلك التحقت العديد من الوحدات التوليدية بالشبكة الكهربائية لتتوج الجهود المبذولة في عام 1999 بدخول خمس وحدات توليدية في محطة العقبة الحرارية بقدرة اجمالية مقدارها 650 ميجا واط وذلك بعد إدخال مستوى جديد من الفولتية وهو 400 كيلو فولت والربط الكهربائي مع الشبكة المصرية من خلال نفس المحطة.
في عام 1996 حدث تغير كبير وجذري في السياسات المتبعة في قطاع الطاقة، فبعد أن كانت سلطة الكهرباء الأردنية هي المسؤولة عن توليد ونقل الطاقة الكهربائية وتوزيعها في بعض المناطق على نظام الشركات المتكاملة رأسيا (وهي الشركة المسؤولة عن جلب المادة الخام وتصنيعها وإعدادها بالشكل النهائي وتسويقها ) ، تم التحول من خلال برامج الخصخصة وإعادة الهيكلة الى الشركات المتكاملة أفقيا (عدة شركات مسؤولة عن التوليد وغيرها مخصصة للنقل وأخرى تقوم بمسؤولية التوزيع الى المستهلكين)
وكان لهذا التحول سببان رئيسان: - الغاء الإحتكار المنظم الذي كانت تتبعه سلطة الكهرباء الأردنية من خلال وجودها لوحدها في ساحة قطاع الطاقة. - فتح باب التنافسية في قطاع الطاقة من خلال دخول عدة شركات مستثمرة للقطاع بهدف تحسين جودة الكهرباء كسلعة مقدمة الى المستهلكين وفتح باب الإختيارية للمستهلك كما حدث في قطاع الإتصالات لاحقا.
تم ذلك من خلال قانون الكهرباء لعام 1996 وإعلان شركة الكهرباء الوطنية كخلف قانوني وواقعي لسلطة الكهرباء الأردنية وكذلك انشاء هيئة تنظيم قطاع الكهرباء لتعنى بأمور الرقابة والتشريع وفض النزاعات والخلافات بين الشركات العاملة في القطاع وتقبل الشكاوى من المستهلكين.
وبعدها أصبح النظام الكهربائي الأردني مكون من عدة شركات كما تم شرح ذلك في مقال سابق بعنوان " مكونات النظام الكهربائي الأردني".
أما بالنسبة لوحدات توليد الطاقة الكهربائية في الأردن فيعمل بعضها على الوقود الثقيل فقط كوحدات محطة الحسين الحرارية، والبعض الآخر يعمل على الغاز الطبيعي المستورد من جمهورية مصر العربية عبر خط الغاز او على الوقود الثقيل كوحدات محطة العقبة الحرارية.
وما تبقى من الوحدات التوليدية يعمل على الغاز المصري أو على وقود الديزل كوقود ثانوي ومكلف جدا في حال شح الغاز المصري أو إنقطاعه.
وهنا يجدر الإشارة الى أن الغاز المصري الوارد للإردن عبر خط الغاز العربي - الذي يخرج من مصر الى الأردن ويصل الى سوريا - وصل في عام 2009 الى ما يقارب 300 مليون قدم مكعب في اليوم، وكانت تعمل كل الوحدات التوليدية على هذا الغاز وتغطي كافة إحتياجات المملكة من الطاقة بالإضافة الى بعض الوحدات التوليدية الصغيرة التي تعمل على الديزل من أجل تغطية الأحمال العالية خلال فترات الذروة الصباحية والمسائية.
ومن الأرقام الواجب ذكرها هنا هي أن أسعار الطاقة المولدة من الوحدات التوليدية العاملة على الغاز المصري تراوحت في تلك الفترة قبل عام 2010 ما بين 17.2 الى 31.3 دينار للميجا واط (أي ما يعادل 1.72 قرش الى 3.13 قرش للكيلو واط الواحد) أما سعر تكلفة الطاقة المولد من خلال وقود الديزل فيتراوح بين 95 الى 251.8 دينار أردني للميجا واط الواحد وبالنسبة للطاقة الكهربائية المولدة من الوحدات العاملة على الوقود الثقيل فتتغير أسعارها حسب سعر النفط العالمي.
ويتم إضافة تكلفة جاهزية الوحدات وصيانتها وتكلفة الكادر العامل عليها الى هذه القيمة. أما سعر البيع لشركات التوزيع خلال هذه الفترة بلغ حوالي 47 دينار أردني للميجا واط (حوالي 4.7 قرش للكيلو واط) وبهامش ربح بسيط جدا يتم استخدامه لأعمال التوسعة المكلفة للنظام الكهربائي بالإضافة الى الدعم المقدم من الخزينة لتغطية تكاليف التوسعة.
كما انه كان يتم شراء الطاقة الكهربائية من الشبكتين المصرية والسورية لتغطية الطلب على الكهرباء في الأردن وتراوحت أسعار الطاقة المشتراه ما بين 71.1 الى 103.4 دينار أردني للميجا واط الواحد. سأقوم إن شاء الله بمناقشة مقدار الخسائر المالية المترتبة على شركة الكهرباء الوطنية من خلال الارقام والأمثلة التوضيحية في الجزء الثاني من هذا المقال.