العنقود الذهبي

انتحى زاوية فوق الرصيف، الى جانب احجاره المدقوقة، بازميله العنيد ،كان يجلس مكدودا بعد عناء كبيرمن العمل المضني المجهد الشاق، حيث لوحت وجهه الاسمر الملفوح ،اشعة الشمس الحارقة ،فرسمت على محياه اخاديدا زمنيه، تكتب تاريخا ابديا، تعرف بفراستك من خلالها كم سنوات عمره المديد.

راقبته وانا جالس في سيارتي، منتظرا قدوم صديق ، مد يده المعروقة ،الى الكيس، فأخرج قطفا من العنب البلدي المكتنز بحباته الذهبيه، ورغيفين من الخبز الاسمرالشهي، وبدأ يتناول طعام غدائه او افطاره والله اعلم، في الهواء الطلق , بلا فاتورة مطعم، او ضريبة مبيعات، او بخشيش نادل، اوازدراءة نذل، فرحا سعيدا بعافيته بلا خوف من دهون ثلاثيةاوكولسترول خطير , يشرب بين الفينة والاخرى، ماءا قراحا من (شربة فخارية) غطاها بخيش سميك، فهي ثلاجته المتنقلة المجانيه التي تبرد بفعل الهواء،ولاتحمله ارتفاع فاتورة الكهرباء .

فجاة سقطت حبة عنب من عنقوده الممسوك عرموشه بقوة بين اصابعه النحيلة الخشنه، وتدحرجت على الرصيف ثم دلفت الى الشارع، فظل يتابعها ويلاحقها بنظراته الملهوفه، وكأنه فقد شيئا غاليا عليه، كيف لا ؟

فهذا العنقود يجب ان يكفيه، ويغمس به كأدام للرغيفين , نعم ايها العنقود الذهبي،فأنت عزيز وغال لآنك في يد رجل كادح مسن فقير ,سيبلل برحيقك الحلو الحلال لقمته الجافة , فتقوى عزيمته بك، ليواصل عمله الشريف، واظن ذلك خيرا لك، من ان تكون شرابا حراما تملأ معد المترعين المخمورين، فتذهب عقولهم وتخبث نفوسهم وتجلب لهم الامراض والسوء.

نعم يا عنقود فذلك خيرا لك والله، من ان تتخم موائد الاثرياء البخلاء ،المكدسة براداتهم بالفواكه من كل نوع وصنف، ممن لا تكاد ايديهم غير الشريفة، ان تصل الى حباتك، نظرا لامتداد كروشهم المتدلية المنفوخة ،في الوقت الذي تخلو حياتك الحلال ياعنقود من بطون الجياع والفقراء ، والذين يروونها فقط في المحال وفوق العربات , نعم ايها ايها العنقود اني اراك في قبضةالرجل الحجار، وقد غطتك حبات الماء الطاهر من الجرة النديه، الممزوج بأشعة الشمس البهيه، نورا يشع ويتلآلآ,خاصة وانك حر ليس كعنقود العنب الاسير، في غزة والخليل ورام الله والجليل ،يذرع من تحتك جندي صهيوني آثم غاشم ولئم، ارضك المقدسة جئة وذهاباببسطار دنس وثقيل، متغطرسا متكبرا يجرح متللذا بكل ساديه خدودك الشفافه بذوؤابات حرابه الدامية الانتقامية ليسيل بعدها الدمع الهتون حبات سخيه

....لقد شطحت بفكري، وانا انظر الى صاحبنا المسكين المنشغل بلقيماته وقطفه ، والذي شارف بألاتيان علىنهايته، ولم يبقى له إلا عرموش اجرد وبعض الحبات الصغيرة، الذي اّثر ان يأكلها بلا خبز معتبرا انها ( تحلايتة ) بعد وجبة الطعام. بوركت ايها العنقود عندما تكون طعاما وشرابا ودواء حلالا طيبا ،للناس الاتقياء الشرفاء البسطاء، الذين يحمدون الله على نعماته وآلائه ،،صباح مساء.

.... و سحقا لك، وانت شرابا حراما مسكرا ممرضا للابدان، مذهبا للعقول ومدمرا للنفوس ومبددا للاموال والفلوس....وحزنا واسفا عليك، وانت لا تزال محاطا ومسيجا ببنادق وحراب الاعداء، يعيش امثالك من العناقيد في صدور امهاتهم الدوالي المغلات واخواتهن من الاشجار الاخريات، مقطعات الاوصال ومقتلعات بفعل جنازير الجرافات والدبابات، محترقات بقنابل المدافع وصواريخ الطائرات، ينتظرن اليوم الذي يجلس تحتهن اهلهن الطيبين المؤمنين، بكل عز وفخار،يداعبون خدودك انت وامثالك، ويتلذذون بطعم مذاقك ونكهة عصيرك، ، وانت حر بارضك وعنفوانك ومصيرك.

ترجلت من سيارتي، وتوجهت نحوهذا العامل الشريف ،ابن وطني المجد المعطاء، الذي يأكل بكد يمينه وعرق جبينه،فسلمت عليه، وشددت على يديه،وقبلت وجنتيه،وهو في ذهول ودهشة واستغراب،دون ان يعرف سبب هذا السلام والتقدير والاعجاب.