في ذكرى ضابط في الميدان

العقيد الركن المجحفل محمد عواد الهواري المومني
قالوا أن رصاص الغزاة الي أصاب جسده لم يثنه أن يقود جنوده بنفسة على أرض المعركة، ووقف مخاطبهم، "سنصعد كل الذرى العالية، وسنضرب وسنقصف، فنحن أمة ثاراتها لا تندمل"، ووجه نار مدفعيته باتجاه صلف إسرائيل وغرورها، وأجبرهم على التوسل عبر اللاسلكي "اوقفوا المدفعية المجنونه... اوقفوها".
ورغم أنه أمضى حياته بين هدير مدافعه، وتعرفه ميادين الكبرياء ومعسكرات الجيش ... إلا أنه رحل عنا قبل أيام كنسيم صباح تشرين، أنه عميد العسكرية، قائد المدفعية في معركة الكرامة الخالدة، وأحد فرسان الرعيل الأول المؤسسين (الجيش العربي) الذين كان لهم شرف الدفاع عن الوطن وفلسطين العقيد البطل محمد عواد المومني.
ولد العقيد المومني بجبل عجلون الأشم باللواء الشمالي في عام من اعوام الغضب، عاصر الإستعمار والاستقلال، وتأثر بالمشاعر الوطنية والقومية التي سادت تلك الفترة، وفي سن مبكرة إنتقل إلى اربد وتلقى علومه في ثانوية اربد، محيرة الشمال الأولى حيث الموطن الحقيقي للنقش على الحجر.
"اذا اردت ان تكون من الرجال فاذهب الى الجيش، واذا اردت ان تكون ضيفً عند الله فاطلب الشهادة في سبيلة"، وعلى هذا المبدأ، التحق في اواخر نيسان حين كان زهر اللوز في اوجه أوائل الستينيات، بالكلية الحربية الملكية في العبدلي، وتخرج منها كضابط مدفعية، توجه للميدان فكان عسكرياً ملتزماً صارماً، قاد الكتائب باقتدار عسكري واحتراف متقن، وأمضى العمر ضابطاً مخلصاً شجاعاً، دافع عن شرف الأمة والعروبة، وشارك في جميع حروب ومعارك الجيش العربي.
في 21 ايار عام 1968 صدحت إذاعة عمّان لتقول: "بيان رقم (1) من القيادة العامة صرح ناطق عسكري في القيادة العامة بقيام العدو الصهيوني بشن هجوم على منطقة نهر الأردن، وعبرت قواته النهر"، وفعلاً بدأ الاشتباك، فتقدم جنوده وألقى فيهم كلمة ألهبت حماسهم، وبدأ يصب نار حمم مدافعه فوق رؤوس الأعداء، وكان قصف المدفعية السادسة لا يتوقف، حتى صدحت إذاعة عمّان بكل قوة وكل فخر وكل عروبة لتقول بيان رقم (11) "تم تطهير أرضنا من فلول الاعداء"، فكم تسامر بعدها الآباء والأمهات يرددون حكاية المدفعية السادسة، وكم اغرورقت أعين الحراثين والبسطاء حين كانت الحكاية تبلغ ذروتها (عليكوا مردود النقى أرمي يا محمد).
وكما امضى العمر مرتحلاً بين القتال في الكرامة والتخطيط لحرب رمضان، أبى إلا أن ينهي العمر في وحدة عسكرية (المستشفى العسكري في عجلون، ليلة الجمعة الموافق 22/02/2018) تاركاً سجلاً من الشجاعة والتضحية ما يستحق التقدير والأعجاب، وتاركاً أيضا في حسابة البنكي الوحيد مبلغ دينارين وبضع قروش لا غير.
لم استعجلت الرحيل آبا عامر فلم يئن الأوان بعد يا سيدي
مر أربعون يوماً على الفراق والرحيل، مر مثقلاً مليئاً بآلام الفراق... بكاك الرجال قبل النساء وافتقدك رفاقك العسكر بذكرى النصر هذا العام، وبقي مقعدك شاغراً... سأل نهر الأردن عنك، وشهدت لك مرتفعات السلط بالشجاعة في معركة الكرامة، وهضاب الخليل بالبطولة في حرب الأيام الستة، ومرتفعات أم قيس بالتضحية في حرب الاستنزاف. لك الرحمة وأنا في رحلتك البطولية بعضاً من عزاء.
ارقد بسلام أيها البطل... فهنيئاً لجبل عجلون بك وبجسدك الطاهر... وهنيئاً المدفعية الجيش العربي برمز مثلك.