يا معالي وزير الأوقاف، ماذا بعد؟
قرأنا وسمعنا أنّ تجديد وتحديث أثاث مكتب الوزير وتوابعه كان على نفقة أحد المتبرعين ولم يكن على حساب خزينة الدولة. وهنا، اسمح لي يا معالي الوزير أن أذكر موقفًا ذا علاقة بهذا الحدث.
يومًا ما، في أحد المعابر الحدودية للأردن، عرض أحد الأثرياء خدمة استبدال أثاث مكاتب أحد الأجهزة العاملة هناك بأخرى جديدة، فما كان الردّ إلّا رفضا قاطعًا من قِبَل المسؤول النّشميّ الذي كان متأكدًا بأنّه إن قبل بذلك العرض فإنّ تجارة هذا الثّريّ وعمله قد يتطاول على القانون بعد ذلك، وستكون له معاملة خاصّة بسبب( كسرة العين) التي لوى بها عنق هذا الجهاز الحسّاس. وبقي العرض قائمًا بين حين وآخر حتى استدعى الموقف أن يُطرد هذا الثّريّ شرّ طردة إلى غير رجعة.
معالي الوزير، لا نشكِّك البتّة بنيّات هذا المتبرّع لجهلنا به وبعمله، ولكن لاريب أنّ هناك شبهة قد لا تكون مأمونة العواقب؛ فمن يتبرّع لك اليوم بدرهم، أتأمن ألّا يطلب منك غدًا دينارًا بغير وجه حقّ؟ أليس هذا من المشتبهات التي تحوم حول الحمى، وعليه فلا تلومنّ من يسيء الظّنّ بعدئذ؟ إنّ الرّعي حول الحمى وبجاوره قد يودي إلى الانزلاق بالمحرمات؛ صغيرها وكبيرها.
إنّ ذريعة قبول هذا التّبرُّع غير مأمونة بحال من الأحوال؛ فعليك سدّ هذه الذّريعة كي لاتك سنّة من بعدك، وقد يتطاول العهد يومًا بعد آخر فيصبح التّبرُّع لهذه الوزارة أو تلك وسيلة لكسر العين وإرمادها، بل وفقئها؛ لتمرير صفقات مشبوهة وغير قانونية في قادم الأيام.
إن كانت نيّة هذا المتبرّع خالصة لوجه الله فعليه طرق أبواب الأسر الفقيرة والمعوزة، وما أكثرها. ودونه وبيوت الله إعمارًا أو صيانة. إنّ أوجه الخير عديدة ولا حصر لها. وأمّا تجديد أثاث وزارة أوقاف أو غيرها فالوزارة أولى بذلك. ولا أظنّ أنّ أثاث أيّ وزارة في حاجة إلى تجديد ولا سيّما قِصَر الفترة الزمنيّة بين وجود وزير وآخر. وهنا لا نتكلّم عن حقبات زمنية بل عن شهور أو أشهر.
معالي الوزير، نقدّر ونثّمن موقفكم المشرّف من كشف ملابسات قضية الفساد في الرواتب التي عندما سمعنا أن بعض الأئمة يتقاضون آلاف الدنانير خُيِّل لنا وجود أئمة ينافسون المرحوم ناصر الدين الأسد بقبضهم على تلابيب اللغة، أو يبزّون معالي خالد الكركي في بلاغتهم وتمكنهم من ناصية العربية. مثل هذه المواقف من معاليكم أو من غيركم من مسؤولين هي موضع احترام نتمنى ألا تتوقّف، وأن تطارد الفساد؛ رأسه وذيله، في الجحور والأنفاق.
معالي الوزير المحترم،
عن أبي عبد الله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما قـال: سمعـت رسـول الله صلى الله عـليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب). صدق رسول الله.