الى اخوتنا في البلقاء..حتى لا يكون صراعا من اجل البلقاء
إنّ الحمد لله تعالى ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . لقد حثّني ما نراه ونسمعه ونقرأه كلَّ يوم ٍ!
من أصناف ( العنف ) والإساءة والشدّة والاعتداءات و سوء الخُلُق - أن ألتمس مقالة أبوح فيها بما يفتح به الله تعالى عليّ من كلمات أرجو لها من أبناء جِلدتي التّدبر و العناية والقبول ؛ فإنّ المصابَ عظيم ، والجرحَ غائرٌ أليم : عنفٌ وتشاجر ، و تقاتلٌ وتناحر ، وتباغضٌ وتفاخر ، وتقاطعٌ وتدابر ، وحقدٌ وتنافر ؛ في البيت وفي الشارع والمدرسة والجامعة وفي كلِّ مكان .. ! ، والله وحده المستعان ... ووالله ِ! إنّ العين لتدمع ، وإنّ القلب ليحزن ، وإنّا لما يجري ويسري بيننا لمحزونون ! ولا نقول إلا ما يُرضي ربّنا : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ! .
ولقد رأيت أن أميل في مقالتي إلى ذكر ما يرفد سُبُلَ النجاة والسّلامة أكثر مما يَنبش الجرح ويُحرِّش الداء والمرض .. ! لكنّي أقول : كما أنّ شياطين الجنّ تجتال النّاس عن دينهم وأخلاقهم الحميدة ، وتوقع بينهم العداوة والبغضاء والمكيدة ! ، وتصدّهم عن التراحم والألفة والإخاء والمعاني السديدة ؛ فإنّ من الإنس شياطين تفعل فعلهم أو تعينهم بأساليب عنيدة عتيدة عديدة .. !
{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث : " إني لأنظر إلى شياطين الإنس والجن قد فروا من عمر " وفي مسند الإمام أحمد – رحمه الله - عن أبي ذر – رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر: " تعوّذ بالله من شياطين الإنس والجن " ، فقلت : أوَ للإنس شياطين؟! قال: نعم !
وإلا فما تكون الخطابات والمقالات والتحزبّات التي تعمل على إيغار الصدور ، و تهيّج ولا تُهدِّئ ولا تَهدي نفوسَ الناس ! ؛ بل – بكل إصرارٍ ومكابرة وسوء تدبير – يختلقون الذرائع ووسائل التبرير ؛ ومن ذلك – مثلاً - : يقولون – بمكر - ( السبب هو الفقر ) !
والنبي – صلى الله عليه وسلّم – يقول : " .. فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم ... " وعوْداً إلى موضوعنا : فإنّ ( ظاهرة العنف ) في تطوّر ، والنّاس فيها إلى تهوّر ! ؛ ولئلا ينصدعَ الشّقُّ في الواقع ، و ( يتسع الخرق على الرّاقع ) ؛ فلا بدّ من التنقيب عن حقائق هذا المرض المُعضل الذي يقضّ مضاجعنا ، والتعقيب على ذلك العرض المُخجل الذي يُناقض شرعنا ..!
وقديماً قالوا : ' إنّ الإحنَ تجرُّ المحنَ ' والإحن : الأحقاد . وأنا لا أنتقص في استبانة الأسباب من البحوث والدّراسات ، ولا أنتقد ما يطرح – في العلاج – من الحلول والسياسات ؛ ولكن لا مفرَّ من ورود الدّين فإنّه أساس الأساسات .. . والله - جلّ ثناؤه - يقول – مخاطباً نبيّه عليه السلام : { وألّفَ بَين قُلوبهم ، لو أنفقتَ ما في الأرضِ جميعاً ما ألفتَ بين قلوبهم ولكنّ الله ألّفَ بَنهم } بالإسلام !
دين التّواد والتراحم ، والتّحاب والتلاحم ، ونبذ الفرقة والتنافر ، والبغض والتدابر ، ودين العدل والإنصاف ، ونبذ الجور والتعسّف والإجحاف . يقول الله تعالى - في كتابه الذي لا يأتي الباطل من بين يديه ولا من خلفه- : { يا أيّها النَّاسُ إنّا خلقناكُم منْ ذكرٍ وأنثى وجعَلْنَاكُم شُعوبًا وقبائلَ لَتعارفوا إنّ أكرمَكم عنْدَ اللَّه أتقاكُم إنّ اللَّهَ عليمٌ خبير } لا ريب أنّ الأمة العربيّة قبل الإسلام كان فيها من المنكرات والقبائح الشيء الكثير ؛ مع ما كانوا عليه من الشجاعة والإقدام ، والكرم والجود ، والوفاء بالعهود ، والدفاع عن الأعراض ، وغير ذلك من الأخلاق المحمودة .
ومن ذلك أنّ العرب كانوا قبل الإسلام أناساً ذوي قلوبٍ قاسية ؛ وطباعٍ خشنة ، والجهل فيهم قد بلغ حدّ أن يكون ديناً يتبع ، واستشرت بهم العادات المذمومة والقبيحة حتى صاروا يتغنون بها في أشعارهم ؛ وفشت فيهم الثارات والنزاعات ، فكانوا أمة تفرُّقٍ وتناحر ؛ وتقاتل وتشاجر ، وعصبية عمياء وتفاخر ؛ يأكل القوي منهم الضعيف ؛ عندهم المُوسِر مَهيبٌ مُوقّر ، والمُعسرُ مَهينٌ مُحقّر .
وكان فيهم الفظاظة والشدّة ، والغلظة والحدّة ؛ ما كان يجعلُ أمرَ تحررهم من أغلال الجاهلية و تلك الأوحال ضرباً من المحال ، فبعث الله تعالى فيهم { رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }؛ فبدأ النبي – صلى الله عليه وسلم – معهم داعياً إلى الله بالعلم والبيان ، والحجة والبرهان ؛ ناصحاً لهم ترك القبائح والرذائل ، ومُرشداً إلى عظيم الأخلاق والفضائل ؛ مُبشراً برضوان الله تعالى لعباده المتقين ؛ ومُنذراً لهم من سخط الله وعقابه إن كانوا من المكذبين .
وقد وجدوا فيه - صلى الله عليه وسلم - رجاحةَ العقل وكماله واتزانه ، وسعة الصدر ، والرأفة والرحمة ، والحرص على ما ينفعهم ، والصبر على أخطائهم وزلّاتهم ، والرفق واللطف بهم ، والشفقة عليهم ، وفصاحة اللسان وحسن المنطق ، وحصافة الأسلوب ، والحكمة البالغة ، والشجاعة الغالبة ؛ والتواضع وخفض الجناح لهم ، والكرم والبذل ، وحفظ العهد ، والوفاء بالوعد ؛ وغيرها من الخصال الحميدة التي "لم تندُرْ فتُعدُّ ، ولم تُحصرْ فتُحدُّ " كما قال الإمام الماوردي ( إمام المشرق في زمانه ) ، فكان – صلى الله عليه وسلم – معلّماً لهم ومربياً بكل ما تحمله الكلمة من معان ٍ باهرة ، ودلائل ظاهرة .
وما هي إلا بضع سنين ؛ حتى كان حوله – عليه السلام – رجالٌ يعجز البليغ عن وصفهم ؛ و " لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه لإثبات نبوته " وهذه عبارة تناقلها العلماء في كتبهم ؛ وجرت على الألسن حقّاً مبينا ً؛ فإنّ من طالع سيرتهم – رضي الله عنهم – ووقف على أخبارهم ؛ عرف – يقيناً لا ريب فيه – أن من علّمهم وربّاهم لا يكون إلا نبيا ً مُرسلا من عند الله – جلّ في علاه – ؛ علّمَه وربّاه .
وكان من أهمِّ وأجلِّ ، وأعظمِ وأجملِ ما ربّى عليه النبيُّ – صلى الله عليه وسلّم – أصحابَه ؛ التآخي والمحبة في الله تعالى ؛ فتوجّه إليهم بأعمال وفيرة ، وأحاديث كثيرة ؛ تحضهم على التراحم والتوادِّ والألفة والاجتماع والائتلاف ؛ وتحذّرهم من الفرقة والتباغض والاختلاف ؛ وإني ها هنا أسوق كوكبة مضيئة من تلك الأحاديث فاسمعوا وعوا عباد الله : " أفشوا السلام و أطعموا الطعام و كونوا إخواناً كما أمركم الله" و " لا تباغضوا و لا تقاطعوا و لا تدابروا و لا تحاسدوا و كونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله" و " لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره ....
بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه" " قتال المؤمن كفر وسبابه فسوق ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام " " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ، ستره الله يوم القيامة "' " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " و '' ما أحب عبدٌ عبداً لله إلا أكرمه الله عز وجل" " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " و ' سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ... ' '
إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي ' ' والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم " واسمعوا .. عن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا ، واعلموا أن لله عز وجل عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم وقربهم من الله " فجثا رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ناسٌ من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياءُ والشهداءُ على مجالسهم وقربهم من الله ؟! انعتهم لنا، جلِّهم لنا ؟ فسُرَّ وجه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بسؤال الأعرابي .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل ، لم تصل بينهم أرحام متقاربة ، تحابوا في الله وتصافوا ، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسون عليها ، فيجعل وجوههم نوراً ، وثيابهم نوراً ، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ( صححه الإمام الألباني لغيره) وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنّ رجلاً زار أخا له في قرية , فأرصد الله له ملكا على مدرجته , فقال : أين تريد ؟ قال : أريد أخاً لي في هذه القرية , فقال : هل له عليك من نعمة ترُبٌّها ؟ قال : لا ؛ غير أني أحبّه في الله , قال : فإني رسول الله إليك أنّ الله أحبك كما أحببته " رواه الإمام مسلم فكان أن ضرب الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم – في الإخاء والمودة ؛ ما لا يُعرف له نظيرٌ في تاريخ البشريّة ؛ وكتب السَير تطفح بقصصهم وآثارهم ومواقفهم في ذلك ؛ فكانوا – بحقِّ – خير َسلفٍ لتابعيهم ، ولمن جاء بعدهم .
وحسبي أن أذكر لكم – ها هنا - أثراً عجيباً ؛ يُنبئُنا بما كانت عليه قلوب أولئك من الألفة ؛ وهم الذين ربّاهم نبيُّ الرحمة والرأفة – صلى الله عليه وسلّم – ؛ فقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب ( الإخوان ) بسنده عن الحسن قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذكر الرجلَ من إخوانِه في بعض الليل فيقول : ' يا طولها من ليلة ' فإذا صلّى المكتوبة غدا إليه فإذا التقيا عانقه . { رحماء بينهم ..} نعم ! فبعد أن كانوا بالأمس أعداءً متناحرين ، صاروا بنعمة الله أخلّاء رحماء متحابين ؛ قال ربُّ العالمين - عزّ في علاه - : { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنُتم على شَفا حفرة من النّار فأنقذكُم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون} إنها الأخوة التي عقدها الله - تعالى - من فوق سبع سماوات .. ولو لم يكن من دليل على كمال الألفة بين قلوب الصحابة غير هذه الآية لكفى ؛ ذلكم أنّ الله – تعالى- يمنُّ على عباده بما أسبغ عليهم من النّعم ، فله الحمد على نعمة الإسلام ديناً خالطت بشاشته القلوب فأحيتها ، وخالجت بشائره العقول فأنارتها ، وجعل بيننا من وشائج المودة والرحمة ما يعلو بالنفس عن الظلم والجور، ويسمو بها إلى العدل والنور ، ويحرِّرها من أغلال الشدة والعنف ، ويحضها على الرفق واللطف ، ويربيها على التسامح والعطف .
ويوم أن استحكمت حلقات هذا الدين في الأمة ؛ وتمنّعت حرماته من التعدي والمجاوزة والالتباس ! ؛ غَدَتْ { خيرَ أُمّةٍ أخرجَت للنّاس } فلا يُعتقدُ أنّ أمّةً يصفها خالق الأنفس و ربّ البريّة بالخيريّة يكون في شرعها ما ينافي أو يخالف معاني المودة و الرحمة والائتلاف مثقال ذرّة ؛ وحسبنا هذا هادياً ودليلاً . إنْ يفترق ماءُ الوصال .. فماؤنا عذبٌ تحدّر من غمام ٍواحد ِ أو يفترق نسبٌ .. يؤلِّف بيننا دينٌ أقمناه مقام الوالد ِ أسأل الله تعالى أن يؤلّف بين قلوب المسلمين عامة ، والأردنيين خاصةً ، وأن يُنزل السكينة و الطمأنينة عليهم ، ونسأله تعالى فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحبّ المساكين ، وأن يغفر لنا ويرحمنا ، وإذا أراد بقوم فتنةً أن يتوفانا إليه غير مفتونين !
ونسأله تعالى أن يجنّب بلدنا الفتن والإحن والمحن وسائر بلاد المسلمين ، وأن يوفق ولاة أمورنا إلى ما فيه صلاح الناس في دينهم ودنياهم ، وأن يريهم الحقّ حقّاً ويرزقهم إتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه ، إنّه ولي ذلك والقادر عليه . سبحانك ربّنا ربّ العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين