باسها ثلاث مرات
موعدي في الثامنة صباحاً، وكنت كعادتي ...على الموعد، فجلست في قاعة الزوار لإنتظار المهندس مفيد الذي سيستلم مني السيارة لتبديل قطعة على حساب الكفالة، وأخرجت هاتفي لتقليب بعض الصفحات لحين إستدعائي.
بدأت الحركة تدب شيئاً فشيئاً في مبنى الصيانة بالبيادر، وكعادة المشغول بالاشيء، يقلب النظر بين الهاتف والكراسي والفراغ، فإذ بي أرى الحارس يمسك بيده اليمنى ورقة نقدية خضراء وفي اليسرى محفظة نقود. تحسسها، وأحنى برأسه إلى كفه وقبلها مرة ولامسها جبينه الأسمر، وكرر فعلته ثلاث مرات، ووضعها في المحفظة.
تابع مسيرة الى كوخ الحراسه، فوجدت نفسي ألحق به ودار بيننا الحوار التالي:
عالعافية، كيف الشغل. عال، والحمد لله. بدّك ما تواخذني، شفتك تمسك بالدينار وتقبله ثلاث مرات وتضعه بالمحفظة، شو القصة. تصبّحت بإبن حلال، أعطاني الدينار، فبسته ووضعته بالمحفظة.
عفواً ... أبو ؟ يا سيدي أبو مؤيد، الله أطعمني ولدين وثلاث بنات... واحدة منهم صّماء. ..الله يخلليلك إياهم أبو مؤيد. ...الله يحفظك.
بدك ما تواخذني، كمان مرة عالسؤال، إنت متقاعد عسكري، صحيح.
لا يا سيدي، وكيف خطر عبالك اني متقاعد عسكري، سأل أبو مؤيد.
معرفتي بأن شغلة الحراسة، محصورة بالمتقاعدين العسكريين، لسمعتهم الحسنة، كأبناء للأجهزة الأمنية.
يا سيدي، أنا صحيح متقاعد، ولكن من الجامعة الأردنية.
عندها خفت على مستقبل الأكاديميين، وقلت لحالي، أبو مؤيد أكيد زميل، وجار عليه الزمن، ولكي أقطع الشك باليقين، سألته.
وين خدمت بالجامعة؟ بالمطبخ، رد أبو مؤيد ... أنا أصلاً طباخ. يعطيك العافية... يا سيدي، خدمت 25 سنة، وتقاعدت، والان عالضمان. ولو فيها إحراج، قديش بتوخذ تقاعد. 248 ليره، ومن شغلي هاذ 220 بيلحقهم 86 دينار كل سنة بدل إجازات.
وإذا أخذت إجازة بينخصموا عليك، مش هيك... أبو مؤيد: مفيش إجازات ... الإجازات ممنوعة، وبنوخذ مصاري بدالها. وكيف الدوام، مريح مش هيك، سألته بإصرار.
ياخوي، انا عمري 72 سنة، وبقضّي وقت من السبعة للسبعة.... قصدك الدوام 12 ساعة؟ أه، طنعش ساعة ... وبعدين بنروّح عالدار. ملك ولا أجار، أبو مؤيد؟ ملك .. الملك لله ... اشتريها على نص دونم في عين الباشا.
سلمّت على أبو مؤيد، ورجعت للصالة، أفكر بأبو مؤيد وبقول لحالي... نياله، راضي ومعمّر ومبسوط.
كم يستحق مِنا بعض الناس كلَّ الإحترام ... أشخاص عَملوا فتزوجوا وانجبوا وربّوا وعمّروا وتقاعدوا وهم شاكرين، وبيبوسوا النعمة وجه وقفى، وإحنا ... بنقضيها شكونة.