تعلمنا من الأمثال ذلك المثل الذي يقول : زوبعة في فنجان ، وهذا المثل يستخدم عند عامة الناس للتعبير عن الحالة التي تقام الدنيا فيها وتقعد من أجل مسألة هينة ، أو من أجل هيجان شديد لكنه ضعيف الأثر، ويمكن أن ينطبق أيضا على من يسعى وراء صنع ثوران لا يدوم طويلا
هذا ما وجدناه في قواميس اللغة ومعانيها المختلفة عن الزوبعة وفنجانها ، أما فيما يخص واقعة القتل العمد ، ومع سبق الإصرار التي تعرض لها القائد الرمز الختيار أبو عمار والتي نعيش على وقع ذكراها التاسعة في هذه الأيام فكم هو محزن ومؤلم أن تتحول إلى قضية فناجين تبحث عن زوبعة ! نعم ، زوبعة فارغة ، هذا ما يريد اثارته البعض من هؤلاء المرتزقة والمتسلقين على حبال ملف جريمة القتل والإغتيال ، وهم من حولها كالفناجين
وما دامت هذه الزوبعة هائجة ، ففي ذلك ما يكفي لكي تمتلىء هذه الفناجين بالمزاودات الرخيصة ، ودموع التماسيح الكاذبة التي تسيل من عيونهم خصوصا عند لحظة الوقوف لقراءة الفاتحة على روح الشهيد والتي أشك في أنهم يحفظونها وهم يحتفلون بالذكرى السنوية لهذا القتل البشع الذي إرتكبه ونفذه العدو الصهيوني المجرم بحق ختيار فلسطين وقائد ثورتها المعاصرة .
القهر من هذه المسرحية الهزلية هو الدافع من وراء هذه الكتابة ، القهر من هذه المتاجرة الرخيصة التي يقودها ويروج لها هذا البعض الرخيص تحت عنوان البحث عن قاتل أبو عمار ، وإذا كانت الزوجة ، ومن يُفترض فيها أنها كانت رفيقة درب ، قد أباحت لنفسها أن تفتح الحقيبة الشخصية الخاصة بزوجها الختيار لكي تستعرض الفضائيات أمامنا بعضاً من حوائجه الخاصة وقطعاً من ملابسه الداخلية ، فقد ذهب اللواء توفيق الطيراوي رئيس اللجنة المكلفة بالتحقيق إلى ما هو أبعد من ذلك ، حيث قام بفتح القبر الذي يحتضن بين جنباته جسد الختيار ، حتى تتمكن المختبرات العالمية من أخذ العينات اللازمة وتحليلها بغية معرفة السبب الذي أدى لمقتل أبو عمار ، فلا يوجد ما يمنع عند سيادة اللواء من استباحة حرمة القبور ، ما دامت العملية قد تمت في ظل التقيد التام بالثوابت الإسلامية التي لا تتعارض وتعاليم ديننا الحنيف .
اليوم وفي الذكرى التاسعة لرحيل الختيار، ومع ظهور نتائج التحاليل التي أجمعت على وجود مادة البولونيوم المشعة والسامة في العينات المأخوذة من جسد أبو عمار ، عادت ذات الفناجين للبحث عن زوبعتها من جديد ، فاللجنة المركزية لحركة فتح إنعقدت وتحت أعلى درجات التكتم والسرية ، ورئيس لجنة التحقيق دخل في حالة من الإستنفار القصوى والشديدة ، والزوجة رفيقة الدرب أطلقت العنان لتصريحاتها المدوية التي أوحت لنا عبرها بأن حربا عالمية ثالثة يجب أن تقوم بهدف معرفة القاتل ، القاتل الذي تصر في إحدى تصريحاتها هذه على أنه يسرح ويمرح في عاصمة السلطة رام الله !
وفي ذات السياق راحت تتكاثر وتتداعى الفناجين ، فالفرصة مواتية ، والزوبعة في شدة هيجانها الذي لم نر له مثيلاً من قبل ، وهكذا إندلعت فجأة وبدون أية مقدمات حرب المؤتمرات الصحفية الهامة والخطيرة بين حملة هذه الفناجين ، ونصبت المنصات ، وراحت تتقاطر الفضائيات ، وهنا فمن الطبيعي أن يكون السيد ناصر القدوة في مقدمة المتحدثين باسم عائلة وأقارب الراحل الكبير مطالبا بتدويل التحقيق ، ونقله إلى أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بهدف الكشف عن القاتل الذي ارتكب الجريمة وتقديمه إلى المحكمة الدولية ، وبذلك يكون الجبل قد تمخض فولد فأراً .
أما سيادة اللواء سلطان أبو العينين عضو اللجنة المركزية لحركة فتح فقد كان الأكثر حميةً وحماساً ، حيث كشف لنا خلال مهرجان جماهيري حاشد أقامته الحركة في مدينة نابلس إحياءً لذكرى إستشهاد الختيار قائلا : " إننا اقتربنا من لحظة الحقيقة ولحظة الكشف عن الذي إغتالك يا أبا عمار ، وتفصلنا عنه لحظات ومسافات قصيرة " ، وأضاف " سنذهب إلى حدود السماء لنقدم القتلة والمأجورين والعملاء إلى محكمة العدل الدولية "
وهنا وفي هذه اللحظة صدحت حناجر الأمهات والأخوات من الحاضرين بالزغاريد ، وتشابكت أيدي لاشباب في حلقات الدبكة أمام منصة اللواء أبو العينين الذي كان محاطا بمحافظ نابلس ، وكبار المسؤولين في المحافظة ، وممثلون عن فصائل العمل الوطني ، وهكذا ، فإن الزوبعة تجد نفسها مضطرة للإنحناء أمام الحجم الكبير للفنجان الذي حملته يد سيادة اللواء أبو العينين المتفائل جدا !
السيد ناصر اللحام رئيس تحرير موقع وكالة " معا " الإخبارية الفلسطينية كتب يقول : " القاتل معروف وهو شارون وموفاز ، والقتيل معروف ، وأداة القتل معروفة ، والرغبة في القتل كانت موجودة ، والآن وبكل سذاجة تحاول جهات دولية وعربية تأجيل التقدم بتهمة القتل " لإسرائيل " بدعوى أننا نريد أن نعرف كيف دخل السم لفرشاة أسنان عرفات " .
أما السيد نصري الصايغ الكاتب في السفير اللبنانية وفي مقاله الذي حمل عنوان - أبو عمار ماتَ أم قُتل ؟ - فيقول : " لا أحد يريد الجواب عن هذا السؤال ، و لا أحد يهتم إن كان قد مات أو قتل ، فعرفات ممنوع من الحضور ولو ميتاً ... والأصح ، ولو مغتالاً ، إن اغتياله يحرج الجميع . فلتكن ضالة القادة العرب : " لقد مات " . ولا ضرورة لمحكمة دولية " .
الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يمسك بخيوط اللعبة ، هو في النهاية أحد هؤلاء القادة العرب ، ولا أعتقد في أنه سيخرج أو يشذ عن إجماعهم وبغض النظرعما تحاول أن تفعله الفناجين الملتفة من حوله ، وعليه فمن الطبيعي أن تكون نتائج إجتماعات اللجنة المركزية لحركة فتح ، وتصريحات رئيس لجنة التحقيق ، ومطالبة السيد ناصر القدوة الناطق باسم أقارب الختيار ، وتصريحات الكثيرين من امثال اللواء أبو العينين الحماسية ما هي إلا زوبعة في الفنجان .
وعليه ، فالثابت الوحيد في زوبعة مقتل وإغتيال الختيار أننا أمام لعبة فناجين ، وفنجان يضحك على فنجان ، وهذا ما سيجعل الزوبعة في هيجان مستمر ومتواصل ، وإذا كتب الله لنا الحياة فسوف نذكر بعضنا البعض بذلك في الذكرى العاشرة على رحيل الختيار ، فما زال على الصينية متسع لفناجين أخرى ، أما الشهداء فهم أحياء عند ربهم يرزقون ، ومن يحترم دماءهم بصدق فإن عليه أن يتوقف عن المفاوضات ، وعن التنسيق الأمني مع القاتل الصهيوني ، والله المستعان .