اقل ما يقال عن لبنان اليوم انه بلد يعيش تحت سقف حكومة مستقيلة ، ومجلس نواب لا يجتمع ، ومقبل على استحقاق رئاسي بلا اجندة واضحة ، وخلافات مستشرية بين مذاهبه وطوائفه ، وإنقسام عامودي بين سائر مكوناته ، وإنفلات أمني ، وتردي اقتصادي ، ومكوث نحو مليون نازح سوري فوق أرضه .هذا هو بإختصار واقع لبنان اليوم الذي بات جزءاً لا يتجزأ من الأزمة السورية ، كما بات مستقبله السياسي مرتبط بمستقبل تطورات الأوضاع في سوريا رغم ان البعض لا زال ينادي بضرورة نأي لبنان بنفسه .
فمنذ سبعة اشهر تم تكليف النائب تمام سلام بتشكيل حكومة خلفاً لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة ولكن كل المساعي باءت بالفشل لأن مشروع تشكيل حكومة من 8+8+8 اصطدم برفض من قوى 8 اذار بإعتبار ان الرئيس سلام هو من صلب 14 اذار مما يعني ان قوى 8 اذار ستحصل على 8 وزراء فيما قوى 14 اذار ستحصل على 10 وزراء مقابل حصول النائب وليد جنبلاط والرئيس ميشال سليمان على 6 وزراء .وطرحت قوى 8 اذار معادلة أخرى وهي 9+9+6 ولكن قوى 14 اذار رفضتها لأنها لا تريد اعطاء خصومها الثلث المعطل .
وأضافت الى ذلك شرطاً أخر وهو ان ينسحب حزب الله من سوريا كشرط مسبق لإنضمامه الى الحكومة .ويرد حزب الله على ذلك بالقول على لسان امينه العام السيد حسن نصرالله :" لقد تواضعنا عندما قبلنا بمعادلة 9+9+6 " وهذا ما لا قد يقبل به حزب الله بعد فترة لأنه يعتبر ان محور الممانعة قد انتصر في سوريا وان سوريا تمر الأن بالربع ساعة الأخيرة قبل اعلان انتصارها .
اما عن مجلس النواب فإن قوى 14 اذار ترفض حضور أي جلسة تشريعية في ظل وجود حكومة مستقيلة فيما قوى 8 اذار تعتبر ان من حق مجلس النواب التشريع في ظل وجود حكومة مستقيلة لأن هناك سوابق تؤكد ذلك .وعن استحقاق الأنتخابات الرئاسية اعتباراً من شهر اذار / مارس المقبل فإن الخلاف بدأ منذ الأن بين من يقول ان نصف النواب زائد واحد يحق لهم انتخاب رئيس ، وبين من يقول ان انتخاب رئيس جديد يتطلب حضور ثلثي المجلس النيابي . ناهيكم على انه لا يوجد اتفاق على أسم أي رئيس .وفي نفس الوقت لا يمر يوم دون ان تحصل حادثة امنية او عملية سرقة او اختطاف او نشوب مواجهات بين عائلات او بين احزاب او بين طوائف كما هو الحال في طرابلس التي تقبع على فوهة بركان .
وما يزيد الطين بلة هو ان معظم التوترات تأخذ طابعاَ طائفياً ومذهبياً تحت تأثير ما يجري في المنطقة بشكل عام وخاصة في العراق وسوريا ومصر واليمن .
ومن الطبيعي ان ينعكس ذلك على الوضع الإقتصادي لأن طرقات التصدير البرية مقفلة بسبب الأوضاع الأمنية في سوريا ، ولأن السياح الخليجيين غير مضطرين للمغامرة بحياتهم والمجيء الى لبنان ، ولأن الدولة لا تستوفي الضرائب المتوجبة على المواطنين بشكل سليم كما انها شبه غائبة عن رسم أي سياسة تشجيعية للقطاعات الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية .
ويتكامل هذا الواقع المزري مع وفود اكثر من مليون نازح سوري الى لبنان مع ما يعني ذلك من اعباء اجتماعية وأقتصادية وأمنية في ظل وصول مساعدات من المجتمع الدولي بالقطارة .كل هذا يعني ان لبنان يتجه الى مستقبل مجهول لن يدفع ثمنه إلا المواطن الذي يئن ويمتعض ويعاني ولكن ما من مسؤول يستمع اليه لأن كل طرف في لبنان يتهم الطرف الأخر بأنه وراء ما الت اليه الأوضاع ،ويبرأ نفسه من أي مسؤولية . علماً ان الجميع شركاء في الدمار.
رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي