آخر الأخبار
  بسبب حالة عدم الاستقرار الجوية .. أمانة عمان تعلن الطوارئ المتوسطة   تحذير امني بخصوص الحالة الجوية المتوقعة خلال الساعات القادمة   بعد الهجوم على قوات اليونيفيل .. الاردن يدين الهجوم ويعبر عن تضامنه وتعاطفه مع حكومة وشعب النمسا   الحكومة تقر 3 أنظمة للمحامين: التدريب وصندوق التكافل والمساعدة القانونية   الملك: ضرورة ترويج الصادرات الغذائية في الأسواق العالمية   اعمال قشط وتعبيد وترقيعات لـ23 طريقاً في الكرك بقيمة 1.3 مليون دينار - تعرف على هذه الطرق   57% من وفيات الأردن العام الماضي من الذكور   24 اردنيا أعمارهم فوق 85 عاما تزوجوا العام الماضي   بسبب الحالة الجوية المتوقعة خلال الفترة القادمة .. قرار صادر عن "وزارة التربية" ساري المفعول من يوم غداً   تفاصيل حالة الطقس حتى الجمعة .. وتحذيرات هامة للأردنيين!   الاردن: دعم حكومي نقدي لمواطنيين سيتم إختيارهم عشوائياً   ما سبب ارتفاع فواتير المياه على الأردنيين؟   نقيب الباصات: لجنة مشتركة لبحث تعديل أجور النقل   "الانجليزية والرشادية".. تعرف على سعر ليرة الذهب في الأردن   تحذير من التوجه نحو إقرار إغلاق المحال التجارية في تمام التاسعة   منصّة زين تعقد برنامجاً تدريبياً لتصميم واجهة المستخدم باستخدام “Figma”   المعونة توضح حول موعد صرف مستحقات المنتفعين للشهر الحالي   الداخلية: الإفراج عن 382 موقوفا إداريا   بيان صادر عن وزارة المياه   تحذير صادر عن البنك المركزي الأردني

النَّسْرُ لا يَمُوتُ إلا مَنْتَحِرًا

{clean_title}

 هذهِ الصورةُ فازتْ بجائزةِ بوليتزر عام1994،هزَّتْ الضميرَ العالمِيِّ ،التُقِطَتِ إباَّنَ مَجاعَةِ السُودان الشهيرةِ ،لِطفلٍ سُودانِيّ جائعٍ يزحفُ نحو مُعسكرٍ لتوزيعِ الطعامِ الخاصِّ بالأممِ المتحدةِ ،والذي يَبعُدُ مسافة كيلومترٍ مِن ذلكَ المكانِ ،ويَظهرُ في الصورةِ نَسْرٌ يتربّصُ بالطفلِ في انتظارِ سُقوطِهِ ميتًا ليلتهمَهُ ،بعدَ أنْ فقدَ أمَلَهُ في الحياةِ ،وفقدَ كلَّ أدواتِ الحركَةِ ،واتصالِهِ بالأشياءِ ،ونضبَ مِن جسدهِ مَعينُ الحياة .

وقدْ أودَتْ هذهِ الصورةُ بحياةِ مُصوِّرِها "كيفينْ كارتر" ،بعدَ ثلاثةِ أشهرٍ مِن التقاطِها ،فقدْ انتحرَ بسببِ حزنِهِ الشديدِ على ذلكَ الطفلِ . أنعمتُ النظرَ فِي الصورةِ ،فلمْ أُصَدِّقْ ما رأَته عينايَّ ،فقلتُ في نَفسِي :أيّ العذاباتِ كِيلَتْ إلى هذا الجسدِ ،أينَ هي الرحمة ؟؟!

فلمْ يَطُلْ بي المَقامُ ،ثمّ قلتُ :هذهِ هي الجِبلَّةُ التِي فُطِرَ عليها النّسْرُ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ فالنَّسْرُ مِن المخلوقاتِ الوضيعةِ عند العربِ لأنَّه يتصفُ بخلالٍ شتّى أهمُّها الجُبنُ ، فهو لا يَقْدِمُ على فريستهِ ولا يُحرِّكُ ساكنًا حتّى تخرجَ روحُها، وهو مِن بينِ الطيورِ والجوارحِ مختصٌ بالتعاملِ معَ المَيْتَةِ.

لكنْ في العصرِ الحديثِ ،أصبحَ النَّسْرُ رغمَ مكانتهِ الوضيعةِ في مَخْيَلةِ العربِ ،يرمزُ لصفاتٍ إيجابيةٍ تشيدُ بالنَّسْرِ ،تخصُّه مِنْ بينِ الطيورِ بالفضلِ والتنويهِ بهِ ،كالشجاعةِ والصمودِ والإقدامِ والكرامةِ والعلوِّ والسموِّ حتّى غطَّى على الصقِر.

الشيءُ بالشيءِ يُذكَرُ ،قادَني هذا المشهدُ المأساويُّ ،إلى سياسةِ التجويعِ والتعذيبِ بالآمالِِ الكاذبةِ المُمنهَجةِ التي يُعانِي منها الشعبُ الأردنِيّ ،والتِي أصبحتْ مِن أهمِّ مرتكزاتِهِ. فلمْ يبقَ للشعبِ شيءٌ يملكُه في وطنِهِ ،فمُعظمُ روافدِ الوطنِ ومقوماتِهِ الاقتصاديّةِ بيعتْ ، فما عادَ يملكُ شيئاً يعزّ عليهِ فراقَهُ ،سِوى الحوقلَةِ والقليلِ مِن حُطامِ الدنيا ،لأنَّهم لمْ يُبقوا له دنيا ولا أبقَوا له دِينا ،ولمْ يَعُدْ الصوتُ يُسمِنُ ويغنِي مِن جوعٍ ،فقدْ صُمَّتْ الأذانُ وما عادَ أحدُ يصغِي لشكواهُم ويجدِيهم ،كي لا يسمعَ نحيبَ الثكالَى وتنهيدةَ الأطفالِ وأنينَ الشيوخِ مِن ألمِ الجوعِ. وليسَ لَهم مِن خَيارٍ ،سِوى الانحناءِ أجلالاً للمعلمِ الأولِ النَّسْرُ.

فلمْ أجدْ وصفًا للمشهدِ الذِي يُدمِي القلبَ ،ويُدْمعُ المُقلَ ،أبلغَ مِن هذهِ الكلماتِ المفجوعةِ، للشاعرِ العربِيّ عبدِ الرحمن العِشماوي حيثُ يقولُ : مُتْ فهذهِ الحياةُ لا تَسْتَحقُّ فِيهَا أنْ تَبْقَى لكَ فِيها أنْ تَجُوعَ .. وَتظْمى َ... وَتَشْقَى ... فنحنُ مِنْ قَبلِكَ مَيّتونَ مُتْ فَنحنُ مِنْ بَعدِكَ مَيتون ونحنُ مَعكَ مَيّتونَ نحنُ الذِين شَبِعْنَا مَوتاً وشبِعنَا ترَفاً .. وَقرفاً .. وَسُخفاً ..

وَهَزْلاً تعالَ أيّهَا النَسْرُ واغرس مخالبك في كل مكان فالعالم كله أصبح جيفة ... هامدة أجساد "ميتة" تتحرك على الأرض لا تحمل من الحياة إلا اسمها والمفاجأةَ الصادِمةُ التي لا يعرفُها كثيرٌ مِن الناسِ ،أنَّ النسر لا يموت إلا منتحراً ،ملقياً بنفسه من أعلى نقطة فى السماء إلى الأرض. [email protected]