آخر الأخبار
  وزير البيئة: مخالفة الإلقاء العشوائي للنفايات قد تصل إلى 500 دينار   سمر نصار: جلالة الملك عبدالله الثاني كرم جمال السلامي بمنحة الجنسية الأردنية تكريماً لجهوده مع المنتخب ومهنيته حيث أصبح جزءا من عائلة كرة القدم الأردنية   عرض إيطالي ثقيل لنجم في منتخب النشامى   93٪ من مواطني إقليم الوسط يرون مشروع مدينة عمرة فرصة لتوفير وظائف واستثمارات   جمعية الرعاية التنفسية : تخفيض الضريبة على السجائر الإلكترونية طعنة في خاصرة الجهود الوطنية لمكافحة التبغ   الأمانة توضح ملابسات إنهاء خدمات عدد من موظفيها   18.4 مليار دينار موجودات صندوق استثمار الضمان حتى الشهر الماضي   ولي العهد يترأس اجتماعا للاطلاع على البرنامج التنفيذي لاستراتيجية النظافة   قرار حكومي جديد بخصوص أجهزة تسخين التبغ والسجائر الالكترونية   إجراءات حازمة بحق كل من ينتحل شخصية عمال الوطن   إرادة ملكية بقانون الموازنة .. وصدوره في الجريدة الرسمية   بتوجيهات ملكية .. رعاية فورية لأسرة من "ذوي الإعاقة"   منتخبا إسبانيا وإنجلترا يقدمان عرضين لمواجهة النشامى "وديًا"   استطلاع: 80% من الأردنيين يرون مشروع مدينة عمرة مهما   الأردن الرابع عربيًا و21 عالميا في مؤشر نضج التكنولوجيا الحكومية   التربية تنهي استعدادها لبدء تكميلية التوجيهي السبت المقبل   تحذير أمني لمالكي المركبات منتهية الترخيص في الاردن   الدفاع المدني ينقذ فتاة ابتلعت قطعة ثوم في الزرقاء   "المياه" تدعو المواطنين للتحوط بسبب وقف ضخ مياه الديسي لـ4 أيام   الاتحاد الآسيوي لكرة القدم يعتزم إطلاق دوري الأمم الآسيوية

النَّسْرُ لا يَمُوتُ إلا مَنْتَحِرًا

{clean_title}

 هذهِ الصورةُ فازتْ بجائزةِ بوليتزر عام1994،هزَّتْ الضميرَ العالمِيِّ ،التُقِطَتِ إباَّنَ مَجاعَةِ السُودان الشهيرةِ ،لِطفلٍ سُودانِيّ جائعٍ يزحفُ نحو مُعسكرٍ لتوزيعِ الطعامِ الخاصِّ بالأممِ المتحدةِ ،والذي يَبعُدُ مسافة كيلومترٍ مِن ذلكَ المكانِ ،ويَظهرُ في الصورةِ نَسْرٌ يتربّصُ بالطفلِ في انتظارِ سُقوطِهِ ميتًا ليلتهمَهُ ،بعدَ أنْ فقدَ أمَلَهُ في الحياةِ ،وفقدَ كلَّ أدواتِ الحركَةِ ،واتصالِهِ بالأشياءِ ،ونضبَ مِن جسدهِ مَعينُ الحياة .

وقدْ أودَتْ هذهِ الصورةُ بحياةِ مُصوِّرِها "كيفينْ كارتر" ،بعدَ ثلاثةِ أشهرٍ مِن التقاطِها ،فقدْ انتحرَ بسببِ حزنِهِ الشديدِ على ذلكَ الطفلِ . أنعمتُ النظرَ فِي الصورةِ ،فلمْ أُصَدِّقْ ما رأَته عينايَّ ،فقلتُ في نَفسِي :أيّ العذاباتِ كِيلَتْ إلى هذا الجسدِ ،أينَ هي الرحمة ؟؟!

فلمْ يَطُلْ بي المَقامُ ،ثمّ قلتُ :هذهِ هي الجِبلَّةُ التِي فُطِرَ عليها النّسْرُ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ فالنَّسْرُ مِن المخلوقاتِ الوضيعةِ عند العربِ لأنَّه يتصفُ بخلالٍ شتّى أهمُّها الجُبنُ ، فهو لا يَقْدِمُ على فريستهِ ولا يُحرِّكُ ساكنًا حتّى تخرجَ روحُها، وهو مِن بينِ الطيورِ والجوارحِ مختصٌ بالتعاملِ معَ المَيْتَةِ.

لكنْ في العصرِ الحديثِ ،أصبحَ النَّسْرُ رغمَ مكانتهِ الوضيعةِ في مَخْيَلةِ العربِ ،يرمزُ لصفاتٍ إيجابيةٍ تشيدُ بالنَّسْرِ ،تخصُّه مِنْ بينِ الطيورِ بالفضلِ والتنويهِ بهِ ،كالشجاعةِ والصمودِ والإقدامِ والكرامةِ والعلوِّ والسموِّ حتّى غطَّى على الصقِر.

الشيءُ بالشيءِ يُذكَرُ ،قادَني هذا المشهدُ المأساويُّ ،إلى سياسةِ التجويعِ والتعذيبِ بالآمالِِ الكاذبةِ المُمنهَجةِ التي يُعانِي منها الشعبُ الأردنِيّ ،والتِي أصبحتْ مِن أهمِّ مرتكزاتِهِ. فلمْ يبقَ للشعبِ شيءٌ يملكُه في وطنِهِ ،فمُعظمُ روافدِ الوطنِ ومقوماتِهِ الاقتصاديّةِ بيعتْ ، فما عادَ يملكُ شيئاً يعزّ عليهِ فراقَهُ ،سِوى الحوقلَةِ والقليلِ مِن حُطامِ الدنيا ،لأنَّهم لمْ يُبقوا له دنيا ولا أبقَوا له دِينا ،ولمْ يَعُدْ الصوتُ يُسمِنُ ويغنِي مِن جوعٍ ،فقدْ صُمَّتْ الأذانُ وما عادَ أحدُ يصغِي لشكواهُم ويجدِيهم ،كي لا يسمعَ نحيبَ الثكالَى وتنهيدةَ الأطفالِ وأنينَ الشيوخِ مِن ألمِ الجوعِ. وليسَ لَهم مِن خَيارٍ ،سِوى الانحناءِ أجلالاً للمعلمِ الأولِ النَّسْرُ.

فلمْ أجدْ وصفًا للمشهدِ الذِي يُدمِي القلبَ ،ويُدْمعُ المُقلَ ،أبلغَ مِن هذهِ الكلماتِ المفجوعةِ، للشاعرِ العربِيّ عبدِ الرحمن العِشماوي حيثُ يقولُ : مُتْ فهذهِ الحياةُ لا تَسْتَحقُّ فِيهَا أنْ تَبْقَى لكَ فِيها أنْ تَجُوعَ .. وَتظْمى َ... وَتَشْقَى ... فنحنُ مِنْ قَبلِكَ مَيّتونَ مُتْ فَنحنُ مِنْ بَعدِكَ مَيتون ونحنُ مَعكَ مَيّتونَ نحنُ الذِين شَبِعْنَا مَوتاً وشبِعنَا ترَفاً .. وَقرفاً .. وَسُخفاً ..

وَهَزْلاً تعالَ أيّهَا النَسْرُ واغرس مخالبك في كل مكان فالعالم كله أصبح جيفة ... هامدة أجساد "ميتة" تتحرك على الأرض لا تحمل من الحياة إلا اسمها والمفاجأةَ الصادِمةُ التي لا يعرفُها كثيرٌ مِن الناسِ ،أنَّ النسر لا يموت إلا منتحراً ،ملقياً بنفسه من أعلى نقطة فى السماء إلى الأرض. [email protected]