سالني احدهم (( والله يا اخي حاولت جاهداً متابعة جميع اللقاءات التي عقدتها اللجنة الملكية لتعزيز النزاهة الوطنية في المحافظات ولكن كل ما خرجت به من حصيلة ان الجميع يطالب بالحد من الفساد والمحسوبية والواسطة والحفاظ على المال العام , فما هو الجديد في اثارة هذا الموضوع , ونحن اتخمنا كلاماً في هذه الامور في السنوات الاخيرة , ولم نلمس اي اجراءات مقنعة للحد من سطوة الفاسدين وسلطتهم , والمشكلة انهم معروفين للجميع
ولا زال البعض منهم في مواقع قيادية وريادية في البلد , والانكى ان هؤلاء المتنفعين والمنغمسين في الفساد بكافة الوانه يتحدثون امام الملأ في لقاءات متلفزة ومناسبات عامة عن المواطنة والانتماء والغيرة على مقدرات الوطن والخوف علية , فبتنا نعيش حالة وهم وعدم ثقه مما نسمع , (وبطل الواحد يعرف وين الصح ), وسؤالي هل هذا الميثاق وهذه المنظومة ستخلصنا من نهب المال العام والواسطة والمحسوبية وتحقق العدالة الاجتماعية التي نتطلع اليها )) انتهى كلام الرجل .
لقد استوقفني ما قاله الرجل واعتقد انه يعبر عن استجابات وردود افعال الشريحة الاكبر ممن تابعوا الحوارات التي دارت اثناء زيارات اللجنة المشكلة لهذه الغاية للمحافظات . لقد تابعت جزءاً من هذه الحوارات , والتي جاءت لاستقراء اراء واقتراحات الناس حول منظومة وميثاق النزاهة الوطنية المزمع اقراره , والذي اعتقد انه كان يحتاج لتمهيد وتسليط الضوء على محاوره بشكل اكثر وضوحاً وعمقاً , فكانت اللجنة تناور بعموميات وشكليات حول الموضوع , وكأن الهدف اقناع الحضور بالفكرة دون تحديد وتفصيل مكنوناتها . رغم انه تم مراعاة الانتقائية للسادة الحضور .
اعتقد ان الرؤيا الملكية بهذا الشأن حصيفة تسعى لتجذير مفهوم النزاهة كقيمة محركة لسلوك ضابط ومعياري لكل شيء يخدش النزاهة سلوكاً وفكراً واتجاهاً , بحيث تصبح معيارية محاربة الفساد بكل اشكالة ثقافة وممارسة . وبأن يتم الاجماع على ميثاق شرف ضابط يلتزم الجميع بالانصياع الية , اما بالنسبة للاليات والاجراءات التنفيذية , سواء منها الاجرائية او القانونية
فيجب ان تدرس بطريقة اكثر دقة وفهماً وحرصاً , على ان تكون هذه الاجراءات بعد تعديلها وتفعيلها ضابطه , وتحتاج من القائمين على صياغة الميثاق الخاص بالمنظومة , تحديث التشريعات والقوانين والضوابط التي تكفل النزاهة , وتقنع عامة الناس انها فاعلة وتحقق العدالة بمفهومها الشمولي ، بحيث تدخل الجهات المعنية من ديوان محاسبة وديوان مظالم وهيئة مكافحة الفساد والقضاء ضمن هذه المعادلة ،وان تكون هذه الجهات الاذرع الحيادية الامينة التي تسعى لاحقاق الحق ومحاسبة الذي تثبت ادانته دون هواده اي كان , وتمنح الصلاحيات الكاملة التي يكفلها القانون دون تدخل لاي جهة .
واعتقد حتى نستطيع ترسيخ مفاهيم النزاهة ومحاربة الفساد بشتى اشكالة في مجتمعنا , علينا ان نبدأ بالاسرة من خلال النمذجة , فسلوك الاباء الايجابي الذي يؤكد على الصدق والامانة والتعاون والحوار واحترام الرأي الاخر وان يتحمل كل فرد في الاسرة المسؤولية والدور الذي يطلع به واحترام العادات الطيبة , والتأكيد في الحرص على الممتلكات العامة وتمثل ما امر به ديننا الحنيف من مكارم الاخلاق كلها قيم ايجابية , ترسخ لدى ابناءنا ضوابط لمسلكيات ترفض التعدي على ممتلكات وحقوق الغير بدون وجه حق , وتعزز التنافس الشريف وحب التعاون والحرص على مقدرات الوطن .
ثم يأتي بعد ذلك دور المؤسسة التعليمية بدءاً بالمدرسة وانتهاءاً بالجامعة , وذلك بتسخير مناهجنا التي باتت بحاجة للمراجعة والتقييم للتأكيد على زرع وتأصيل القيم الاخلاقية الايجابية فكراً وممارسة . اما على صعيد الدولة فيجب ان تكون هنالك عدالة في توزيع مكتسبات الوطن وفي كافة الجوانب , وان تحارب المحسوبية والواسطة قانونياً وقضائياً , عندها تسود النزاهة والشفافية , ويشعر المواطن بالامان .