حَدث أن دَخل بيتُنا ... فأر. فأسرعنا للحاق به، كلٌّ منا مُمتشق سِلاح دَماره الشامل في يدي حذاء، وفي يدها كيماوي، وفي يد إبني ... طالب الجامعة (قنوة) لزوم الفزعة. مسكين هذا الكائن الصغير، ثلاثة من الناس، ورابعتهم فتاة، تملأ البيت صُراخاً ... لجأ الفأر إلى غرفة، وإندس تحت فراش الرعب في إنتظار الفرَج، وأنتظرنا ... وأبى الفأر إلا أن يعيش.
ومضى يوم ... ويومان، فأطل الفأر الجائع برأسه من خلف الباب، فسدَّ فضاءه جسدٌ بألف طابق مما يَعدّ، فتراجع في إنتظار إنصرافي،لم يمهله الجوع إلا قليلاً فعاود الظهور، ليجد في طريقة قطع من الجبن منثورة بدهاء إنسان، تستدرجه إلى الموت.
وبذكاء فأر... أسرع زائرنا بإتجاه المُوزّع بين الغرف، والتقط جبنة وهرب. إدرك الإنسان، بأن عليه الإتيان بخطة تليق بذكاء الفأر، فسدَّ المنافذ، وأبقى على طريق الموت ... ربط الإنسان يد باب الغرفة بحبل طويل، وجلس هادئا في الصالون المؤدي إلى الموزع، وإنتظر الإنسان ... بمكر البشرية كلها، وبسكون الصحراء، وبعيون الصقر في الفضاء ... وبعد وقت وأوقات، أطل الفأر برأسه من جديد، وتلفت يمنة ويساراً فغرّه السكون، والجبن المكنون فتقدم إلى حتفه، خطوات، فكان الإنسان في المرصاد، ليشد الخيط، مغلقاً المنفذ الأخير نحو التراجع
وصاح الإنسان لأخيه الإنسان ... هلموا، فتنادوا مدججين بالأسلحة، هذا حذاء، وهذه قنوةٌ وذاك بخاخ كيماوي ... فاتح ثغره، لينفث السمّ على كل هذا الجزء من الحياة وتعالت صيحات البشر، وسادت همجية البراري، وتخلل الكيماوي أنفه، وسال الدمع في عيناه، فترنح ... وإستجمع قواه، وهرب.
تزاحمت الأجساد، والأحذية، والقناوي ... فوق جسد هذا الكائن الصغير، وكان آخر ما شاهده في الحياة ... نعل أسود، بحجم غيم أسود فار دم الفأر الفار ... من بيت الجوع إلى حضن الموت أستفقت من الحلم مُدركاً ... بأن في الفأر كثير من صفات البشر عاش فأر التَجارب ... ومات فأر المَطالب.