قد يؤخذ على المواطن العربي وفي هذه الحقبة الزمنية العربية الحرجة عزوفه عن الاهتمام بالشأن الإقليمي ،والاعتكاف والانسياق بالشأن المحلي الداخلي الخاص بكل دولة يعيش فيها ذاك المواطن،وقد يتحرج أحياناً بالتفوه بالشأن الإقليمي ليس صمتا عن الحق ولكن لقصور في الرشد السياسي لدى بعض المتحاورين أو حتى المتلقين ، ولكثرة الأحداث التي تتعلق بالشأن الداخلي والتي لا تقل أهمية عن واقعنا العربي والتي تشكل نسيجاً مجتمعياً عربياً متكاملاً مخترقاً حدوداً مصطنعة وضعت بأيدٍ استعمارية.
في هذا القرن الحادي والعشرين وعلى هذه البقاع العربية، أحداث جسام ليس بصدد الحديث عن أسبابها ولن نتلمس نواتجها التي ستزهر وتثمر ولو بعد حين،وما هذا الفتك والقتل والتشريد والتدمير المنهجي والتآمر الكوني المفضوح بتهم مصطنعة صُبغت بمصطلحات تبشيرية ، ولا بتأييد شخوص وأزلام الأنظمة القمعية الدموية الذين ما عادوا علموا لون سماءهم من استدامة خضوعهم
وفي خضم هذا التيار المتلاطم الأمواج تعتزل حكومتنا بكل مكوناتها هذا الشأن العربي ،وتستمر بالتمويه السياسي ولا ضير في ذلك حفاظا على أمنها وأمن مواطنيها ،ولكن ما يلاحظ على الحكومة أنها اعتزلت الشأن الداخلي الخاص بها أيضا، واختزلت وأبدعت بالشأن الاقتصادي ، وبذلت جُل إمكانياتها في هدف واحد وهو الميزانية الموزونة بمعايير مرسومة مسبقا لا تجاوز بقيمها المادية مهما كانت ضرائبها الشعبية .
فمنذ عام ونيّف والحكومة "الاقتصادية " عاكفة ومجتهدة ومختزلة كل نشاطها في الشأن الاقتصادي، في حلها وترحالها وفي زياراتها الميدانية وفي نشاطاتها الداخلية وفي مقابلاتها المرئية والمسموعة تجد ذات الحديث الشعبوي الدافئ والكلمات المؤثرة بنبرة أمومة تفطر القلب،المتضمن والمنطوي بسطوره شاناً اقتصاديا يمس فيه قوت المواطن، وأنا على يقين بأن أخوف ما يخاف منه المواطن الأردني مشاهدة الطاقم الحكومي أو سماعه، لأننا أصبحنا (المواطنين )مشاريع استثمارية اقتصادية ،ولسان حال الحكومة الأردنية يقول : منكم نُحّسن اقتصادنا وندعم ميزانيتنا بصرف النظر عن مواردنا،وهذا هو التفسير العملي والأوحد الذي يزيل الالتباس بشأن التعاطف الحكومي بازدياد عدد المهجرين ألينا.
والاختزال بمفهومه الكيميائي سحب أو حتى شفط الأكسجين من المادة حتى إنهاكها، وهو الوصف الواقعي الذي ينطبق تماما على الحكومة الأردنية التي اختزلت أجندتها وبرامجها على الجانب الاقتصادي المتمثل بإنهاك ذات المواطن الأردني، واعتزلت الجوانب الأخرى السياسي والأمني والاجتماعي والتعليمي منها، وما أن تكمل الحكومة المصطلح عليها "بالبرلمانية" مدة ترؤسها السلطوية إلاّ وقد أملقت الشعب الأردني إملاقا.