منذ المجزرة المروعة التي حصلت في غوطة دمشق قبل عدة أيام وما تلاها من نقاشات، هل فعلها النظام أم المعارضة أم جهات أخرى لا تخطر على بال أحد، وما تلا ذلك من ردة فعل عربية ودولية، كانت أبرزها إتخاذ الولايات المتحدة لقرار توجيه ضربة عسكرية محدودة لمعاقبة نظام الأسد، بعد تحميله مسؤولية تلك المجزرة، ونحن ندافع قلمنا ذهاباً وإياباً لكتابة هذه السطور، لكننا آثرنا التأني في الأمر حتى لا نتسرع فيما نكتب، أو تكون ردة فعلنا لحظية على ما حدث، برغم كل الألم والأسى الذي عصر ويعصر قلبنا على ما شاهدنا ونشاهد من مشاهد تدمي القلوب في شامنا الحبيب.
في 29 آب أغسطس الفائت، ونحن نتفكر في ذلك اليوم الذي حمل ذكرى ميلادنا ومجيئنا إلى هذه الدنيا، عادت بنا الذاكرة إلى ما حدث في ذلك اليوم قبل 46 عاماً في 29-08-1967م، عندما إجتمع العرب بعد نكسة حزيران، وخرجوا من قمتهم باللاءات الثلاثة، لا إعتراف ولا صلح ولا تفاوض مع العدو الصهيوني.
واجدين أن هذا هو أفضل موقف يمكن أن نتبناه اليوم بعد ما يجري في سوريا، "لا" لتوجيه أي ضربة عسكرية لأرض الشام الحبيبة من قبل الولايات المتحدة أو فرنسا وبريطانيا، ممن يدافعون عن مصالحهم ومصالح الصهاينة وآخر همهم هو الشعب السوري أو حمايته، ولأن تلك الضربة ستكون أكبر هدية للنظام الذي لن يرد عليها، وسيخرج بتسويق نصره كنصر "إلهي" بعد الضربة مباشرة
كما فعل حزبه في لبنان قبل 7 سنوات، و"لا" للتعاطف مع نظام فعل كل شئ لشيطنة كل من يعارضه، والقضاء على كل صوت قال له في يوم كلمة "لا"، وأجرم في حقه وحق شعبه، و"لا" لإقرار الأخطاء المخزية التي تصدر عن بعض المعارضة في بعض الأحيان، والتشرذم الحاصل بين أطرافها، أو حتى لتوغل جماعات تنتمي لفكر تنظيم القاعدة في أرض الشام، وممارسة بعض التصرفات التي تسئ للدين الإسلامي وصورته السمحة.
ونحن نرى كل هذا القتل والإجرام في شامنا الحبيب نعود بفكرنا إلى قمة جبل الأربعين في جبل قاسيون، هناك حيث مغارة الدم، والتي تلطخت بأول عملية قتل في تاريخ البشرية بحسب بعض الروايات. عندما تجرأ قابيل ابن آدم عليه السلام وأقدم على قتل شقيقه هابيل، ليثور الجبل من فعلته حتى كاد يطبق عليه لولا أن الله أرسل جبريل عليه السلام لمنعه، مغارة الدم الموجودة حتى يومنا هذا مصبوغة بلون الدم الذي سال لأول مرة في تاريخ البشرية في عاصمة الشام دمشق !
ولكن مجرمي مجزرة الغوطة أبوا إلا أن يستمروا في جرائمهم حتى بدون إسالة الدماء، وكأنهم يقولون بأنهم مستمرين في جرائمهم حتى لو لم يبق في الأجساد قطرة دم واحدة !
ونتذكر كيف أرسل الله الغراب ليعلم قابيل كيف يدفن جثمان شقيقه، بعد أن إحتار في ما يفعله به بعد قتله، ترى هل وصلنا إلى المرحلة التي نحتاج إلى غراب يرسله الله لنا لعله يستثير بعضاً من إنسانية هؤلاء ويعلمهم كيف يستروا ما بقي مستوراً من عوراتهم !!
يا ماشياً في شام العروبة مهلاً خفف الخطى، فتحت أقدامك من الشهداء كثير نحو الجنان قد سابقوا المدى، يا ذاهبا ً للشام مهلاً مهلاً، أخبر سوريا أن لها في الغربة أهلاً، في قلوبهم آهات ولوعات ودمع في العين أصبح نهراً، أخبرها أنهم اشتاقوا إلى أراضيها شبراً شبراً، قل لها أن ما يصبرهم على بعدها هو وعد ربنا أن مع العسر يسراً. تشتاق العين أن تبكي ما بك من أوجاع الأحبة يا شام لكن ما عاد بمقدورنا البكاء إلا دماً، فكل دموعنا من بكائها أرواحها زهقت !!!