الحق الفلسطيني بين الضاغط والمضغوط الحق الفلسطيني لن يضيع أبداً ، ولن ينقص قيدَ أنملة مهما جارَالزمان وتكالبَ الأعداء على هذه القضية وشعبها المظلوم والمضطهد ، هذه هي الحقيقة التي يجب أن يفهمها كل أولئك الذين يصرون على التنكر لهذا الحق ، وكل أولئك الذين يتعمدون الإنحياز الأعمى واللإنساني لعدونا الصهيوني الذي لم يتوقف يوما عن إرتكاب أبشع الجرائم في ظل الدعم اللامحدود من كل هؤلاء المتنكرين والمنحازين ، والذين من الطبيعي جداً أن تأتي الولايات المتحدة الأمريكية وهي العدو الأول لشعوب الأرض قاطبة في مقدمتهم .
لماذا تتصرف الولايات المتحدة بكل هذه البشاعة الفاشية والعنصرية مع أعدل قضية عاشها ولا يزال التاريخ البشري ؟ لماذا هذا الرفض الأمريكي الرسمي لحق شعبنا في الوجود ؟ لماذا هذا الإصرار على إظهار كامل وجهها القبيح حين يتعلق الأمر بكينونة هذا الشعب الفلسطيني وحقه في الحياة ؟ لماذا لا تتوقف هذه الدولة الإمبريالية عن تقديم كامل الدعم للقاتل والمغتصب الصهيوني ؟
ومن يستطيع أن ينكر بأن هذا الإجرام و هذه العربدة الصهيونية ما كان لها أن تكون في أبشع أشكالها وصورها لولا هذا الإسناد والدعم الأمريكي الذي لا سقوف ولا حدود له .
لن نراجع تاريخ السياسات والمواقف السوداء التي مارستها الولايات مع قضية شعبنا ومنذ أن حصلت النكبة إلى وقتنا الراهن ، ولن نعدد المرات التي لا حصر لها التي لجأت فيها أمريكا إلى إشهار الفيتو في مجلس الأمن في وجه قضيتنا ، ولن نتوقف عند المليارات التي شفطتها وسرقتها حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة من جيوب المواطن الأمريكي والتي غالبا ما كانت تنتهي في خزائن عدونا الصهيوني ، وسوف نترفع عن مجرد التعليق على ترسانة الأسلحة التي أودعتها أمريكا في مستودعات عدونا الصهيوني ليمارس بواسطتها كل أشكال الإرهاب والإجرام بحق شعبنا وعموم شعوب المنطقة .
بالمقابل ، لم تترك أمريكا وسيلة للخداع والمرواغة بحق شعبنا إلا وأقدمت على فعلها وتحت عناوين وأغطية السلام والمفاوضات الكاذبة والفارغة ، وكامب ديفيد والواي ريفر وحديقة البيت الأبيض كلها أماكن تشهد على ما تم حياكتة من تمثيليات لا تبعث إلا على السخرية من محاولات الكذب والدجل الأمريكي التي مارسها الرؤوساء ، و وزراء الخارجية ، والعديد من مختلف المبعوثين الذين لا يتوقفون عن التقاطر إلى فلسطين وباقي دول المنطقة العربية ولا شيء في جعبهم سوى الكذب والخداع والوهم ، فيما هم كلهم وبلا إستثناء كانوا ولا يزالوا عاجزين عن رفع لا واحدة في وجه الصهاينة القتلة .
طرف حبل الكذب الأمريكي الممتد منذ عشرات السنين هو الآن في يد وزير الخارجية الطازج جداً المستر جون كيري ، الذي يتبجح بالقول بأنه واثق من قدرته على التوصل إلى إتفاقية سلام بين الطرفين الفلسطني والصهيوني وذلك قبل إنتهاء ولاية رئيسه المستر أوباما ، وبالطبع فهو وعندما يردد ذلك فمن الطبيعي أن يستند على الإستخدام التواصل لسلاح الضغط الأمريكي الذي لم يتوقفوا يوماً عن فرضه على الطرف الفلسطيني بهدف الحصول على المزيد من الرضوخ والتنازل والتخلي التدريجي عن كل ما له صلة بقضايا الحق الفلسطيني المرفوض أصلاً وفصلاً من الولايات المتحدة وحليفتها وطفلتها المدللة " إسرائيل " .
أساليب ووسائل الضغط الأمريكي وبشتى السبل هي البضاعة الوحيدة التي كان يحملها وزراء الخارجية الأمريكية السابقين في حقائبهم أثناء زياراتهم المتكررة إلى المنطقة ، وعن ذلك لن يشذ السيد كيري ، والتعهد الذي قدمه بمواصلة الضغط والإبتزاز إلى اللوبي الصهيوني المتحكم بسياسات ومواقف الولايات المتحدة هو الذي أوصله إلى الجلوس على كرسي رئاسة وزارة الخارجية التي يتربع الآن على سدتها ، والمسكين الوحيد بل والأبله الذي يواجه ويستقبل هذا الضغط الأمريكي ليس سوى الرئيس محمود عباس وفريقه من أشباه الرجال الذين يشاطرونه الأحلام والأوهام والمراهنة على أمريكا وعلى قدرتها في الدفع باتجاه الوصول إلى حل يرضي الطرفين . سلطة رام الله وللأسف الشديد أصبحت في موقع المدمن على استقبال هذا الضغط الأمريكي ، بل لقد أصبحت ترتاح له كل ما كان شديداً
ولذلك لا عجب ولا إستغراب عندما نجد رئيسها عباس يقول حرفياً ونصاً : " بأنه متفائل بجهود كيري الذي يبدي حرصا شديدا على إنقاذ التسوية المتعثرة ، ولذلك فنحن متفائلون لأن كيري جاء و هومصمم على الوصول إلى حل ، ولهذا فنحن أيضا نتلهف إلى العودة لطاولة المفاوضات ، ولأننا حريصون على السلام مع الصهاينة ، وهم جيراننا ونريد أن نعيش وإياهم في أمن وإستقرار ، وهنا يصبح الوقت من ذهب " . ماذا يريد الضاغط كيري أكثر ؟ وماذا يود أن يسمع زيادة من الطرف الفلسطيني المضغوط والذليل والخانع ؟ والذي لا يترك فرصة تمر دون أن يبدي إستمتاعه بهذا الضغط الأمريكي الذي يُمارس عليه ومنذ سنوات بعيدة ، وماذا تتمنى حكومة نتنياهو الصهيونية أكثر من هذه الهدايا المجانية التي يبدي أبو مازن وفريقه الإستعداد لتقديمها
هذه الحكومة التي لم تتوقف يوما عن زيادة نشاطها الإستيطاني الذي يتبجح ويتذرع به أبو مازن وكبير مفاوضيه صائب عريقات ، هذه الحكومة التي أهانت وأدارت الظهر لجهود كيري عندما إستقبلت زيارته الأخيرة التي يتفاءل بشأنها أبو مازن بالكشف عن قرارات إستيطانية جديدة .
لعنة فلسطين الصامدة أمام ظلم وجبروت الضاغط الأمريكي ، والصامدة أيضا أمام رغبات وإستعداد الطرف الفلسطيني المضغوط الذي هانت عليه الكرامة والعزة والشرف ولذلك فهو لا يمانع في أن يتحول لهلام بلاستيكي تنفيذا لقرارات وأوامر الضاغط الأمريكي
لعنة فلسطين التي لا شك في أنها نازلة على رؤوس الضاغط والمضغوط هي التي ستنتصر ما دام شعبنا وكل قواه الوطنية صامدين ورافضين لكل أشكال هذه الضغوط ، ومقاومة هذا الشعب وأحراره لا بد وأن تتفجر غضباً ورفضاً في وجوههم ، فهذا الحق لن يضيع مهما اشتد ظلم الضاغط ومهما ركع وتذلل المضغوط عليه ، والمؤكد دائما أن كيري وعباس سيرحلون إلى مزابل التاريخ ، أما فلسطين القضية فباقية رغماً عن كل أكاذيبهم .