المطلوب هو : إصلاح النظام و ليس إسقاطه!!! بقلم : العميد المتقاعد فتحي الحمود يخطئ كل من يعتقد بأن بإسقاط النظام في الأردن هو الحل لما يعاني منه الوطن من ويلات و مصائب و مصاعب اجتماعية و اقتصادية خاصة بعد أن شاهدنا بأم أعيننا و عاصرنا بالدقيقة ما حصل في الدول العربية التي إما سقطت أنظمتها أو هربت أو تنازلت عن ولاياتها و هي أنظمة ماثلة للعيان لا أظنني بحاجة إلى تضييع وقت القارئ بتفصيلاتها المملة و المزعجة معا .
لا أقول هذا لأنني تحولت من المعارضة الوطنية إلى الموالاة فكاتب هذه السطور ولاؤه لله و للوطن و الأرض و أمته العربية الماجدة و لا أوالي أشخاصا و إن احترمت بعضهم بالطبع فالتعميم عندي سبب كل بلاء. أقول هذا و أرفض أي دمار أو خراب فيما بنيناه و بناه من قبلنا الآباء و الأجداد و أرفض أن تسال قطرة دم واحدة على ثرى الأردن من أي جهة فجميعنا أبناء وطن و أرض واحدة عسكريين و مدنيين عاملين و متقاعدين...
و أكثر الأمثلة التي تمس وجداني حقيقة هذا الابتلاء الذي تعاني منه الشقيقة الجارة سورية التي انعكست أزمتها على كل من حولها بمن فيهم نحن في الأردن و أكثرها وجعا و إيلاما نزيف الدم المستمر و تحول أرض الشام إلى مكان " عمومي " لكل التنظيمات السياسية و الدينية و الطائفية !!!
فلا يُعقل أن نقبل بمثل هذا في بلدنا ولا بأي ثمن و على رأس الأثمان هو تغيير النظام و إسقاطه و هو ما تسعى إليه فئة قليلة ولكن تأثيرها في الشارع كبير لأنني و ببساطة أستطيع القول بأن الشارع الأردني هو" شارع إسلامي " بامتياز و هاهو الصوت القومي يكاد يختفي بسبب ما تعرضت له الأنظمة القومية من انتكاسات حادة مكنت أعداء القومية من الاستيلاء على الشارع العربي عموما !!!
على كل حال : قلت بأن المطلوب هو إصلاح النظام بالحسنى و ليس بالقوة و لا نقبل بأن يدخل المواطن الأردني في صراع مباشر أو مواجهة مع الأجهزة المكلفة بالمحافظة على الأمن العام .
و هذا ليس مستحيلا ...فالحراك السلمي مطلوب حتى يتحقق الإصلاح المنشود و الذي يتمثل بمكافحة الفساد الذي الذي استشرى, و محاسبة الفاسدين عما ارتكبوه بحق الوطن و المواطن الذي يعاني من عجز مزمن في الموازنة العامة , و مديونية عالية لا يعلم إلا الله تعالى كيف ومتى يمكن سدادها !!!
بالإضافة إلى ذلك فإنني أُحمل قانون الانتخابات الحالي جزءا كبيرا من المشكلة و الذي عايشه جيل واسع من شباب الوطن أثرّ سلبا على سلوكهم العام و خلق حزازات بين العشائر و بين أبناء العشيرة الواحدة و هاهو مرة أخرى يفرز مجلسا عجيبا غريبا يصعب وصفه بجملة أو بضعة كلمات و هاهو أمامنا و من سبقه يحكي عن نفسه مع احترامي الشخصي طبعا للسادة النواب فهم لم يهبطوا بمظلة تحت قبة البرلمان و من انتخبهم هم من أرسلوهم إلى هناك و أنفقت عشرات الملايين من الدنانير في ظل ظروف اقتصادية صعبة و مغرية للنائب و الناخب معا !!!
لا يمكن أبدا أن يبقى هذا الفلتان في أسعار الحاجيات المختلفة التي لم يعد بمقدور المواطن على تأمين القسم الضروري منها لتأمين ما يشبه عيش شبه كريم لأفراد أسرته و إطعام الأفواه الجائعة و تأمين حاجيات المدارس و الجامعات و أجور أطباء جشعين و تجار محتكرين ...
زيادات في الأثمان كل أسبوع على الأقل هذا إن لم يكن يوميا . الصحة العامة و هذه الفوضى العارمة في موضوع التداوي و العلاج و هل سيظل كبار السن من المرضى اقرب ما يكونوا إلى المتسولين على أبواب الأطباء و العيادات و المستشفيات ؟؟؟؟ الفساد الإداري لا يقل خطورة عن الفساد المادي و لا الفساد الأخلاقي الدخيل على مجتمع " كان " محافظا , نعم الفساد الإداري و الترهل و الإهمال و عدم المساءلة أو المحاسبة في دوائر الحكومة المختلفة و البلديات و غيرها
و هاهي شوارعنا قد تحولت إلى " مزابل " على الرغم من كل ما يدفعه المواطن من ضرائب ورسوم لها أول و ليس لها آخر !!! أزمات سير خانقة في كل حارة وقرية و بلدة و مدينة بلا حل أو حتى محاولات للحل , فكل الحلول فاقمت من أزمات السير و لم تساهم في تخفيفها و إذا تُركت الأمور على حالها فسيأتي وقت ليس ببعيد تغلق فيه طرقات و شوارع المملكة تماما !!!
التهديد المستمر من قبل الحكومات برفع الدعم عن الأسعار و بالتالي زيادة الفواتير بشكل كبير لربما يصل إلى أكثر من الضعف و على الأخص أسعار الكهرباء و المياه بالإضافة إلى ارتفاع أثمان المحروقات المستخدمة لغايات التدفئة و الطبخ ولا أقول السيارات مع أنها ذات تأثير سلبي على أجور النقل ...إلا أن أسعار المحروقات التي ذكرت لم تعد محتملة ولا أظن أن 90 % من الأردنيين في هذا العام قد استخدموا ربع ما يحتاجونه لهذه الغاية , و إذا ما أرادت الحكومات المتعاقبة أن تحل قضاياها المادية فعليها أن لا تلجأ إلى جيوبنا الخالية في كل مرة أو أنها تذهب إلى الجحيم !!!
إذن فإن لدينا ألف مشكلة و مشكلة...و لكن الحل ليس في إسقاط النظام و لكن في إصلاحه و الإلحاح و الإصرار على ذلك لأنه ثبت أن سقوط أي نظام سيتبعه سقوط الدولة و هو حتما ما لا نتمناه أبدا لأردننا العزيز و الغالي على جميع أبنائه و قاطنيه .
وهنا – إذا جاز لي - أوجه حديثي إلى النظام ممثلا بجلالة الملك رأس النظام لأقول له ومن على هذا المنبر و كمواطن أردني غيور محب لوطنه و مواطنه ومن باب النصيحة الصادقة على قاعدة ( صديقك من صدَقَك لا من صَدّقك ) : أرجوك أن تبدأ ذلك و بأقصى سرعة ممكنة و أنت قبل غيرك تعرف كيف السبيل للقيام بهذا الإصلاح و الخطوات الأولى لذلك من أجل إعادة الثقة و الطمأنينة " المفقودتين " بين المواطن و الحكم ...فالوقت يسير بسرعة و قطار الإصلاح لا ينتظر المترددين و المؤجلين , و أنت حتما لست منهم و نحن نعلم علم اليقين أنك صاحب القرار الأول و الأخير .
نعم يا جلالة الملك البداية من عندك و من حولك. و عندما تبدأ ستجد أنك قطعت الطريق على المتربصين بك مستغلين الظروف التي يمر فيها جيرانك فالوضع عندنا اليوم ليس أفضل من أوضاعهم قبل أن تبدأ المشاكل لديهم , و ستجد شعبك الأردني الطيب الأصيل المعطاء ملتفا حولك بعيدا عن التزلف و النفاق و الكذب و الخداع الذي دمرّ بلادا و هدم مدنا و أسال دماء عربية زكية طاهرة !!!
و أخيرا و ليس آخرا أقول إلى جميع الأخوة الحراكيين الذين نجل ونحترم و نقدر : افعلوا و قولوا ما شئتم و لكن ضعوا حدودا مقبولة لشعاراتكم و هتافاتكم حتى يظل حراككم الطيب إن شاء الله حراكا سلميا طيبا مباركا و حتى لا يحدث أي صدام أو احتكاك مع إخوتكم رجال الأمن العام و الدرك حتى لا يقع ما لا يحمد عقباه و كان آخرها ما حدث يوم الجمعة الفائت في مدينة إربد و غيرها من مدن المملكة و كم آلمنا ما حدث و كم تمنينا أن لا يحدث .
وأُوصيكم بالصبر فلقد صبرتم و صبرنا كثيرا, وعانيتم و عانينا كثيرا, و تألمنا كما تتألمون....ولكننا مستعدون للصبر حتى تتحقق المطالب من دون إراقة قطرة دم واحدة أو هدم " طوبة " واحدة في أرض الوطن من أقصاه إلى أقصاه. لست هنا واعظا ولا مرشدا و لا مصلحا...
إلا أنني مواطن محب لوطنه مدرك لحجم الأخطار المحيطة به من كل جانب داخليا وخارجيا أنبه لغايات التنبيه لا غير, كفانا الله و إياكم شر القتال و الاقتتال فالوطن و أبناؤه أغلى من أي شيء آخر , فالوطن باق و جميعنا إلى زوال . بارك الله فيكم [email protected]