فور تنحي مبارك عن الحكم، وتنازله عن منصبه لنائبه عمر سليمان، الذي لم يكمل يومه الأول بصلاحيات الرئيس، وتولي المجلس العسكري، المنحل، مقاليد الحكم في البلاد، لم يطب ذلك لكثير من المصريين، خوفاً من استيلائه على الحكم، ولما عانوه من فساد إداري على أيدي الرؤساء السابقين، الذين كان لا يجرؤ أحد أن ينتقدهم، لأنهم كانوا واجهة للمؤسسة العسكرية، التي تعتبر من أرقى وأقوى مؤسسات الدولة، والتي تضم في صفوفها خيرة أبناء الوطن، المهيئين نفسياً للتضحية بكل غالٍ ونفيس من أجل الحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره.
لم يمنح المصريون للمجلس العسكري فرصة، ليروا طريقة حكمه للبلاد، فهرعوا مهرولين إلى الشوارع والميادين العامة مطالبين بسرعة نقل السلطة إلى مدنيين، خوفاً من إقحام المؤسسة العسكرية في السياسة، وتركها لمهام عملها، وعدم إيفائها بوعودها، التي كان من أولها إجراء انتخابات نزيهة، وعدم المشاركة في الحياة السياسية.
في هذه الأثناء، تعالت الأصوات المطالبة بمحاكمة عبد المجيد محمود، النائب العام، لأن أصابع الاتهام أشارت إليه بأنه المسؤول عن إعدام الأحراز التي تدين رجال الأمن في قتل المتظاهرين، ما كان له كبير الأثر في تبرئتهم، لأن القضاة لم يجدوا ما يدينهم.
رغم أن نقل السلطة لمدنيين، وعودة العسكريين إلى ثكناتهم، وإقالة النائب العام من منصبه، كانت إحدى مطالب الثورة، وكانت من أولويات الرئاسة التي أوفت بوعدها، ووضعت النقاط على الحروف، لتستقر البلاد، ويسكن العباد، إلا أن أصحاب المصالح لم يهدأ لهم بال، لأنهم لا يريدون للمحروسة الاستقرار، والخروج من أزمتها، بعد خسائرها الفادحة وهروب أصحاب رؤوس الأموال منها، فقاموا باختراع الأكاذيب ليشككوا المواطنين في كل من حولهم، وشجعهم على ذلك الإعلام المضلل، المملوك لرجال أعمال فاسدين، عاثوا في أرض الرباط فساداً، لأنهم لا يهمهم إلا مصالحهم، حتى لو وصل بهم الأمر إلى إبادة الشعب بكامله.
وحديثاً، طالبت جبهة الإفلاس، ومن سار على دربها من المتآمرين على مصر، والممولين من الخارج، بأن يترك الجيش ثكناته ويتسلم زمام الأمور بدلاً من الرئيس المنتخب، ظناً منها أن المجلس العسكري سينفذ لها مطالبها، وسيحارب بدلاً عنها، وسيقدم لها البلاد على طبق من فضة، إلا أنها واهمة، لأنه إذا تسلم الحكم فلن يتنازل عنه مهما كلفه ذلك من تضحيات، لأنه يملك المال والعتاد، ويستطيع الاستيلاء على الحكم خلال 24 ساعة، دون مقاومة من أحد.
لم تقف المهزلة عند هذا الحد، بل إنها طالبت برجوع المستشار عبد المجيد محمود إلى منصبه، ضاربة بقرار الرئيس عرض الحائط، بإعفائه منه وتعيين بديل عنه.. وقد استعانت في ذلك برجالها في القضاء، لينفذوا لها رغباتها، في مخالفة صريحة لنص الدستور.
وما زالت جبهة الإغراق تبحث لها عن موطئ قدم في مقرات الحكم وصنع القرار، بكل الحيل والألاعيب، وما زالت مسلسلاتها الهابطة مستمرة، حتى وصل بها الأمر إلى تحريف تصريحات أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، عن «بلطجية المخابرات»، على الرغم من أن حديثه كان عن النظام السابق، لتحدث فتنة بين الرئاسة والجهاز.
ليس دفاعاً عن الرئيس، لأني لست إخوانياً، ولكن حباً في وطني، الذي أرهقه كثرة المشاكل، والبحث عن المصالح، والصراعات السياسية، وأضرت بالمواطن، وأفقدته الأمل في المستقبل، حتى أصبحنا أضحوكة لدول العالم، وفقدنا احترامها.