حرية الكلمة التي نعيشها في الاردن ، فريدة من نوعها ، ولا شك ان سقفها قد ارتفع الى ابعد الحدود ، ومن ينكر ذلك هو كمن ينكر الشمس في وضح النهار ، وان يكن البعض يعتبر الديمقراطية في الاردن غير مكتملة ، فان حرية الكلمة هذه ، هي المقدمة الاولى للديمقراطية ، وهنا لا بد ان نشير الى ان هذه المقدمة الاولى ، قد عرت لنا سلبيات ابناء شعبنا ، الذين يفهمون الحرية ، حرية للتجريح والاساءة والشتائم ، وحرية لنفث الاحقاد الشخصية .
رغم عشقي للديمقراطية والحرية وما يلف لفهما ، فانني اود القول ، انني كنت احد الذين اسعدهم التعديل على قانون المطبوعات الاخير ، والذي عبرت معظم المواقع الالكترونية عن احتجاجها عليه ، بحجب التعليقات ، وكم كنت اتمنى ان تحتج جميع المواقع بنفس الطريقة ، لان ما شهدناه من مئات الالوف من التعليقات ، في مختلف المواقع الالكترونية في السنوات الاخيرة ، وحول جميع المواضيع التي نشرت عليها ، خلا من كل المعايير الاخلاقية
فحتى المصائب والنكبات وحالات الوفاة ، لم تسلم من انحطاطهم الاخلاقي ، فكشفت هذه التعليقات ، كم هي هيمنة ذلك التيار الشعبي الغوغائي على مسيرة الاعلام الالكتروني ، وهنا اود التاكيد على عدم التعميم ، فهناك فئة من شعبنا ، التي بؤرقها فعلا المصلحة الوطنية ، تشارك بتعليقات جادة ، لكن الاغلبية الغوغائية هي التي تطغى .
في بداية ممارستنا لحرية الكلمة ، خطر ببالي فكرة ، وهي انه لو جاء احد الباحثين ، لدراسة المزاج الشعبي الاردني ، من خلال دراسة وتحليل تعليقات الاردنيين في المواقع الالكترونية ، فانه لن يكتشف الكثير مما يفيد ممارستنا للديمقراطية ، بل سيكتشف حجم البذاءة عند البعض ، ومدى هيمنته على الاعلام الالكتروني ، واود هنا ان اشير ، الى ان كثرة التعليقات ، لا تؤشر الى كثرة المعلقين ، فان احدهم يستطيع ان ينشر عشرات التعليقات باسماء مستعارة .
لقد كانت فضائية الجزيرة ، هي السباقة الى ابراز هيمنة هذه الفئة ، عندما قرر خبراء الحرب النفسية ، انشاء تلك الفضائية ، كي تدس السم في الدسم ، فكانت برامجها في البداية ، ارواءا لعطشى الحرية ، فاستقطب برنامج صراع الديوك ، المسمى الاتجاه المعاكس ، عشرات الملايين من المشاهدين العرب ، الذين رأوا في هذا البرنامج ، تجسيدا للحرية التي ينشدون، لكننا لم ننتبه الى السم الذي دس بالدسم الا متاخرين ...
وعودة الى العنوان اعلاه ، فهناك مثال حي امامنا ، وهو ان احد المواقع الالكترونية ، يشن منذ اسابيع ، حملة هجومية على رئيس مجلس ادارة شركة البوتاس العربية ، مغلفة بشعار الحرب على فساد مزعوم ، لكن الذين يعرفون حقيقة الاوضاع في تلك الشركة ، ويعرفون خصال رئيس مجلس الادارة ، الذي لم يمضي على تعيينه في منصبه الثمانية اشهر ، وقد بدأت الحملة عليه مبكرا ، يدرك ان هذه الحملة ابعد ما تكون ، عن الغيرة على المصلحة الوطنية .
لقد عاش العاملون في البوتاس ، سنوات عجاف سبقت مجيء الادارة العليا الحالية ، وبالاخص بعد هيكلة الرواتب والوظائف عام 2008 ، والتي اصبحت صفحة سوداء في تاريخ العاملين ، لما خلقته من مظالم يندى لها الجبين ، مورست فيها ابشع اشكال المحسوبية والفساد ، ان من ناحية غياب العدالة في زيادة الرواتب ، او في توزيع المناصب والامتيازات
وما زالت معاناتنا مستمرة منذ حوالي الخمس سنوات ، لم نجد احدا يكتب او يعلق على هذه المعاناة وما كتب عنها ، بنفس الحماس الذي يكتب وينشر في ذاك الموقع الالكتروني ، وبعد ان استلم رئيس مجلس الادارة الجديد جمال الصرايرة موقعه ، كانت اولى قرارته ، اعادة دراسة الهيكلة ، واحالة عطائها على شركة متخصصة ، وقد بدات عملها فعليا
ورغم ذلك ، انطلق الحاقدون يبثون سموم حقدهم ، ويمارسون تضليلا للراي العام ، على مبدأ " الطلق اللي ما بصيب بدوش" ، فتناسوا هذا الانجاز ، وتناسوا اكبر انجاز معنوي تحقق لهم ، رئيس متواضع ، يستمع للجميع ، ويتفهم قضايا الجميع ، ويتمتع بالسمعة الحسنة ، لم توجه له اي ذرة اتهام ، في معمعة الحرب على الفساد ، التي نشهدها منذ سنوات ، والتي لم توفر احدا .
لقد وصل بهم الحقد ، ان اخذوا يحملون جمال الصرايرة ، مسؤولية ما يقال عن قضايا فساد قديمة ، لا صلة له بها ، وقبل ذلك كانت الحملة عليه ، فيما يخص الشركة الامنية الجديدة ، التي تولت مسؤولية الامن في الشركة منذ شهرين ، اي بعد تعيين الرئيس الجديد بستة اشهر ، وهم يعلمون ان عطائها اقر قبل قدومه ، وان مسؤوليتها ربما لا تقع عليه ، بل على ادارات ادنى
اما القضية الجديدة في سلسلة هذه الحملة المبرمجة ، فهي قضية احد العاملين ، الذي تم فصله اخيرا ، بسبب حصولة على عجز طبي بنسبة 80% ، وهذا الامر كما سمعنا لا يجوز حاليا ، الا بعد ان تقره المحكمة ، والخطأ القانوني ان ثبت ، فلا يتحمل مسؤوليته رئيس المجلس ، بل الادارة التنفيذية والدائرة القانونية في الشركة ، فلماذا استهداف الرئيس في كل صغيرة وكبيرة ، وفيما هو من صلاحياته ، وفيما هو غير ذلك ؟
اما قضية التبرعات للمجتمع المحلي ، والاتهام بالاقليمية ، فاود ان اوضح ، ان دعم المجتمع المحلي ، هو سياسة قديمة لشركة البوتاس العربية ، توقفت لسنوات بعد الخصخصة ، وامام الشكاوي ضد وقفها ، وهو ما طرح في مجلس النواب السابق ، فاعتقد انه تم الايعاز باستئنافها ، فهي ليست بدعة جديدة من رئيس المجلس ، بل سياسة قديمة تباركها الحكومة ، لان فيها عونا لها ، فدعم المستشفيات الحكومية ، والجمعيات الخيرية والاندية الرياضية ، فيه مصلحة جمعية
ومن الطبيعي ان يكون المجتمع المحلي ، المحيط بموقع الشركة ، وخاصة في الاغوار الجنوبية والكرك ، هو الاكثر تاثرا بهذا الدعم ، حسب ما يزعمون ، وان صح زعمهم ، فهو المجتمع الذي يتعرض للتلوث ، ولاستنزاف موارده المائية ، وعلى ارض ابنائه اقيمت المصانع ، ورغم ذلك ، فلقد شمل الدعم ، كل الاردن ، وكل بؤر الفقر فيه ، وهو ليس دعما شخصيا ، بل دعما لتجمعات سكانية محرومة
واتحدى من يقود هذه الحملة الكاذبة ، ان يعلن عن دعم ارسل لغير مستحقيه . لقد كان لي ملاحظات ذات مغزى كبير ، على هذه الحملة الاعلامية ضد رئيس المجلس ، لقد كانت الحملة تبدأ ، بنشر خبر ما ، وبسرعة البرق تنهال التعليقات خلال ساعات ، فتتجاوز منذ اليوم الاول المئة تعليق ، وكأني بمن دس الخبر ، وهم على ما اعتقد قلة قليلة ، قد لا يتجاوز عددها ، عدد اصابع اليد الواحدة ، هم انفسم من يتولون مهمة القصف العشوائي بالتعليقات ، حتى اذا نفثوا كل احقادهم ، تباطأ وتوقف سيل التعليقات
كما نلاحظ اختفاء التعليقات المضادة لهم، واخيرا اود ان اقول كلمة ، لمن قد يتهمني بالتملق ، انني اكثر من عانى في البوتاس ، وما زلت اعاني نتيجة كتابة مقالات سابقة ، انتقدت فيها مظالم الهيكلة ، وجلبت لي الغضب ، وما كنت لاغير رايي ، لو لم المس هذا التحول الايجابي ، مع قدوم الادارة الجديدة
لقد اغضبتني تلك المواضيع والتعليقات ، لانني لم اجد من هولا ء المعلقين عندما كنت اكتب ، اي مساندة معنوية ، بل الهجوم الشخصي ، وها هم اليوم يشهرون سيوفا ضد الادارة الجديدة ، صدئت في غمدها سنوات طويلة ، رغم الفساد القديم الذي يتحدثون عنه ، ويحاولون تحميل مسؤوليته لمن هم منه براء .
مالك نصراوين [email protected] 28/3/2013