الانتظار ( محايد ) كفعلٍ نفسي ٍمجرّد ، إلا أنّه يختلف حسب المدّة و الهدف والنتيجة ،فقد يكون محدود الزمن أو متجدد أو لا نهاية له . وقد تكون له نتيجة سعيدة أو غير ذلك ،ونحن كشعوب وكأفراد أدمنا الانتظار ، نعيش في حالة انتظار دائم ، أو ننتقل من انتظار إلى انتظار ،ننتظر قدوم المولود ، وننتظر أن يكبر ، فان كبر انتظرنا عطفه وبرّه وزيارته . أو أن يأخذنا بيده ليوصلنا إلى دار المسنين ، ثمّ ينسانا .
تستنفر كلّ الأسرة ، لتوفير الأجواء المناسبة للدراسة . فتمتنع عن كثير من الأشياء ، وتقنّن الأصوات والحركات حتى يتمكّن الابن من النّجاح والحصول على معدّل عالٍ يُؤهلّه لدخول الجامعة . فان تخرّج انضم إلى صفوف المنتظرين لفرصة عمل ، إلاّ إن تمكّن بقدرة ( قادر ) من اجتياز الصفوف والحواجز وحصل على فرصة غيره .
تكبر الفتاة ، فتنتظر وأهلها ( نصيبها ) والفارس الذي يأتي على الحصان الأبيض ، فان تأخر فليس عندهم مانع أن يأتي على حصانٍ من أي لون أو حتى بدون حصان ماشيا أو زاحفا . فان جاء نسينا انتظارنا ووضعنا كلّ عقدنا عليه وعلى أهله وأرهقناه بمطالب وشروط يعجز أمثاله عن تلبيتها . وليعيشا بعد ذلك بديْن ينتظرا سداده .
ينتظر ربّ الأسرة آخر الشهر إن كان موظّفا أو الحصول على دخلٍ لتلبية مطالب الأسرة المتعدّدة ،ويحتار كيف يتمكّن من توزيع دخلْ محدود ومتآكل على احتياجات ونفقات متنوعة ومتزايدة . فالدخل ثابت أو متناقص بينما الحاجات والأسعار تتزايد وتفوق قدرة الطبقة المتوسطة .
ينتظر المُعارض الوصول إلى الحكم،فان وصل غاص ولاص في تفاصيل الحياة . ونسي ما كان يدعو إليه ، أو اكتشف أنّ هناك فرقٌ بين حساب السرايا وحساب القرايا،وأن الخيال ليس كالواقع . وأنّ التنظير شيء والتطبيق العملي شيءٌ آخر ،ننتظر إصلاحا توقّف ، انتظارا لتغيّرات إقليمية ، أو يحدث بالتنقيط الممل .
والحراك لا يمتلك الرؤية الواضحة وغير قادر على تطوير وسائله وأدواته،ننتظر أن يتوب الفاسد فيتوقّف عن فساده بمحض إرادته وذوقه . فلعلّه يتغيّر بين عشيّة وضحاها من حالٍ إلى حال ويصبح من أولياء الله الصّالحين ، فيعيد ( من باب الورع ) ما امتدّت إليه يده بالحرام يوم أن كانت يده طويلة ولا توفّر كلّ ما تصل إليه ، وأن لم تصل أطالها لتصل .
ننتظر أن نصل إلى قانون انتخاب عصري ، طال انتظاره . وليشارك الجميع في العمليّة السياسيّة ينبثق عنها مجلس يمثّل كافّة المواطنين،ولكنّه يتعرّض لإعاقة أثناء السّير الطويل، أو لعل طول الطريق أتعبه فتوقّف وقوفا إجباريّا في محطّات للتعديل والتبديل وإعادة الصّياغة،والمؤمن ينتظر نتيجة جهده وعمله ، فينال الجزاء الأوفى
وهل من جزاءٍ أفضل من جنّةٍ عرضها السموات والأرض . فالدنيا دار عمل والآخرة محلّ الجائزة ،ننتظر وننتظر وسنبقى كذلك ، ومصيبةٌ أن تنتظر بعيدا لا يصل أو قريبا لا يمر أو رغبةً لا تتحقق ،ولو كان الانتظار رجلاً لقتلته أو لطالبت بإيقاع أشد العقوبة عليه ،ولنعلم بأنّ الأشد من الموت انتظاره .