لعل أغلب الأردنيين تابعوا-متعجبين ومستهجنين- مانشرته وسائل إعلامية أردنية وغير أردنية من تصريحات لمعالي وزير الأوقاف الدكتور عبدالسلام العبادي من اعترافات صريحة بوجود أصنام وألوان من الفساد الإداري والمالي في وزارة الأوقاف الأردنية،حيث ألمح وزير الاوقاف إلى أن وزارته ستتعامل بشفافية ووفقا للأصول في هذا السياق مسجلا بأن أجهزة الرقابة في وزارة الأوقاف تحاول إحتواء ومعالجة سلسلة من الإنتهاكات وممارسات الفساد التي لا يمكن السكوت عليها بسبب الضرر البالغ الذي أحدثته،ولذا يسجل معالي الوزير بكل وضوح بأن الفساد وصل للأسف لموقع كان ينبغي أن لا يصل إليه وهو وزارة الأوقاف.
والحق يقال،فإن هذه التصريحات جريئة وشجاعة،وموافقة للواقع تماما،إلا أنها فريدة من نوعها كما يشهد بهذا كل من سبر غور وزارة الأوقاف،وعرف حقيقة ما يجري خلف الكواليس في هذه الوزارة التي أثقلتها الواسطات والمحسوبية،ودمرها الفساد الإداري والمالي،والشللية والمافيات التي تعمل جاهدة في السر والعلن على اجهاض أي عملية جادة للإصلاح والتغير في هذه الوزارة الدينية التي يجب أن تكون راعية للإصلاح،وقدوة صالحة في مضمار الخير والفضيلة،والتنمية والنهوض بالبلد إلى مراقي التقدم والتغيير.
ولكن مما تحتاجه وزارة الأوقاف الأردنية لكي ينجح ما يدعو له معالي الوزير من إصلاح شامل،وتطهير للفساد؛هوإرادة جادة للقيام بحملة التطهير من أصحاب القرار،مع خطة للإصلاح تكون شاملة ومحكمةوقابلة للتطبيق على أرض الواقع،والأهم من ذلك كله أن تكون تلك الخطة(استراتيجية)ثابتة في الوزارة،لا تتغير بتغير أصحاب القرار في الوزارة،بحيث نضمن استمرار عملية الإصلاح والتطهير في كل الظروف والمراحل،لا أن تكون خاضعة لمزاجية المسؤول،وبالتالي تكون عملية التطهير مضطربة وخاضعة للأهواء والأمزجة المختلفة،مما يجعل من التطهير المزعوم (الفساد بعينه).....
وأما مجرد التصريحات المنفصلة عن الإردة الجادة،والخطة الشاملة؛فقد مللنا منها في الأردن،وما زلنا منذ نعومة أظفارنا ونحن نسمع مثل هذا التصريحات،ونشعر بالنشوة والفرح بها،ولكن سرعان مانفاجأ بالواقع الذي لاعلاقة له من قريب ولا بعيد بمثل هذه التصريحات والأحلام....
علينا أن نعلم في هذا المقام أن من ضروريات حملة التطهير،وعملية الإصلاح؛التي يتكلم عنها معالي الوزير:أن نبدأ بتغيير القيادات القديمة البالية في وزارة الأوقاف،والتي في وجهة نظري لوسلمّنا جدلا بأنهم مؤمنون بضرورة عملية التطهير والإصلاح-وهذا بالطبع بعيد جدا-إلا أنهم غير قادرين على البدء بهذه العملية،فضلا عن السير بها،والمجاهدة والمقاتلة من أجل إنجاحها وتثبيتهاعلى أرض الواقع حتى تؤت ثمارها المرجوة والنافعة،وعليه فلا مجال البتة لنجاح أي مساع أو جهود في عملية الإصلاح دون أن يقتحم ربيعنا الأردني المبارك وزارة الأوقاف بحيث يعمل على التغيير الحقيقي لكثير من الوجوه القديمة من أصحاب القرار في الوزارة،من غير المنطق ولا المقبول أن يتمّ تهميش الطاقات الشبابية الواعية لواقعها،والمثقفة،والإستمرار في الإعتماد على شخوص قديمة لا تكاد تنفصل عن ماضيهالكي تستوعب المتغيرات والمتجددات في عصرنا هذا...
لذا فإن حال وواقع مَن يدعو للتطهير والإصلاح في وزارة الأوقاف مِن أصحاب القرار فيها؛يصدق عليه،ويعبر عنه،قول الشاعر-قديما-:
أوْرَدَهَا سَعْدٌ وسَعْدٌ مُشْتَمِلْ.....مَاهكَذَا يا سعدُ تُورَدُ الإبل
ومن المفارقات العجيبة،والتي جعلت كثيرا من الأردنيين-مستغربين ومستهجنين-كما أشرت لذلك في مطلع مقالتي هذه- هو خبر آخر رافق نشره في كثير من الموقع الإعلامية،تصريحات معالي الوزير حول تطهير الوزارة من الفساد؛ألا وهو أن مجلس الوزراء وافق على تنسيب وزير الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية الدكتور عبدالسلام العبادي باحالة مدير عام صندوق الزكاة على التقاعد الدكتور علي القطارنة اعتبارا من يوم الخميس 14-2-2012.
وقالت المصادر انه من المتوقع ان يتم تعيين الدكتور هاني الطعيمي امين عام وزارة الاوقاف خلفا له بعد عودة الامين العام السابق لمنصبه الدكتور محمد الرعود بحكم قضائي.
من جهة اخرى اشارت مصادر داخل صندوق الزكاة الى ان موظفي الصندوق اجتمعوا اليوم مع الدكتور القطارنة معبرين عن رفضهم واستهجانهم لهذا القرار بالرغم من كافة الانجازات التي حققها القطارنة داخل مؤسسته،حيث رفع من مستوى الخدمات التي تقدمها للفقراء والمساكين بعد ان كان الصندوق في العهد السابق يمر بضائقة مالية صعبة للغاية.
فهل يا ترى هذا هو التطهير الذي يدعو إليه معالي الوزير؛هو تطهير الوزارة من أصحاب الكفاءات والدين الذين تشهد لهم انجازاتهم على أرض الواقع،واستبدالهم بأناس لا خبرة لهم البتة بإدارة مثل هذه المؤسسة الخيرية الكبيرة،والتي يعتمد عليها بعد الله جل وعلا آلاف الأردنيين من الفقراء والمعوزين كان الله لهم....
ولماذا لا نتعلم من أخطائنا،فقد تمّ من قبل إحالة أو انهاء خدمات الأمين العام السابق الدكتور محمد الرعود،وهاهو يعود إلى عمله من جديد بحكم قضائي،مما أوجد أزمة في الوزارة لم تحدث من قبل وهي وجود أمينين عامين للوزارة،وأخشى ما اخشاه أن يصبح بعد وقت قريب مديرين عامين لصندوق الزكاة،فالذي يبدو أن خطأ يعالج بخطئ آخر،ومشكلة تعقبها مشكلة،فمثل هذا التطهير لا أظن أحدا يريده،أو يستحسنه....
وأخيرا وليس آخرا لفت نظري يا معالي الوزير تعليق أحد الأردنيين على خبر إقالة الدكتور القطارنه من عمله ،أحببت أن أضعه بين أيديكم،لعل وعسا... حيث يقول:(لله در وزير الأوقاف ما أشجعه بالإحالات ولله در محكمة العدل العليا بالإلغائات).
وآخر يقول:(إن ما تقدمت به وزارة الأوقاف اليوم من أن هنالك فساد وأئمه لا يحفظون سورة الفاتحه إنما يدل وبكل وضوح على تغلغل الفساد في الوزارة منذ زمن ومحاولة زج هذه الورقه في هذا الوقت الحاسم لتشكيل مجلس وزاري جديد،إنما هو مصلحة شخصية وتلاعب بالرأي العام.. .. كان الله في عون جميع الأئمة الذين وقع الظلم عليهم لا من المواطن بل من المسؤول لا من الشعب بل من وزارتهم المنوطة بحمايتهم والدفاع عن حقوقهم , حفظ الله وطني الأردن).
أملنا أن لا يكون الأمر كذلك،وأن تكون التصريحات الأخيرة المنادية بتطهير الوزارة من الفساد والفاسدين على أسس سليمة،وطرق حكيمة تغلب المصلحة العامة،مقابل المصالح الشخصيّةالضيّقة......
وأختم بقوله جل وعلا :(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.