يكاد دولة رئيس الوزراء يزف لنا شبه يومي بشائر الإنفراج والفرج الإقتصادي والمعيشي متناسيا أنه أصبح يتحدث لغة ذات مفردات انقرضت وماتت حتى بين من يقطنون الأدغال. فهو ملتزم بالبشائر المتتالية التي تنم عن استمرارية إدارة الدولة بالطرق التي تجاوزها حتى زعماء القبائل المعزولة في أدغال دول أفريقيا الذين اعتادوا الألوهية والطاعة العمياء من قبل رعايا تفتقر للتعليم والوعي والحداثة والإتصال مع العالم المتحضر.
رغم انتمائه لعشيرة أردنية نحترمها ونحترم انتماءها وتاريخها, إلا أن دولته ما زال متمسكا ومتعاملا بأدوات إدارية لزمن يفترض أننا تجاوزناه وعبرنا زمن الفضائيات والإتصالات التي قربت المسافات واختصرت الزمن وجعلت من العالم قرية صغيرة. يبدو أن التغطية لم تتوفر بعد بعالم دولته أو أنه اختار بقعة غير مغطاة لضمان وجود هامش من حرية الحركة التي يصعب رصدها.
وخلفية دولته وأصوله تشهدان بأنه ليس سميرا وليس فائزا وليس راغبا بنشأته وتدرجه الوظيفي بل عرفناه نسرا يهبط على فريسته عندما يرى بها ما يتوفر من معايير غذائه الصحي. لكن نسرنا صدمنا وأحبطنا حين هبط ببيئة لم تكن بيئته ولم نلاحظ يوما انسجاما بينه وبين أركانها ومكوناتها. لكن يبدو أن نسرنا قد ظل طريقه ووجد ظالته وأصبح يتغذى على الوجبات السريعة التحضير التي أضرارها تفوق منافعها. وبهذا تشكلت قناعة لدى الناس نتيجة ما يرونه ويسمعونه مفادها أنه لم يظل الطريق بل هبط اختياريا وطوعيا إذ يعلم جيدا ما تحويه البيئة التي انتقل إليها.
وآخر ما أتحفنا به دولته محاولا إقناعنا بأن دولة بكافة مؤسساتها وإمكانياتها ومئات الملايين من الدولارات التي تعلن عن دخولها الحكومة نفسها ستفلس إذا لم يتم رفع سعر الكهرباء. هل من مصدق للسيد النسور بالأردن أو خارجه ممن سمعوا هذا الهراء؟؟ والله ضحكنا من شدة شر البلية عندما سمعنا هذا التصريح الذي إن دل على شيء إنما يدل على مدى ما وصل إليه مسؤولونا من استخفاف واستهتار بعقولنا والتمسك بهما عند تمرير قانون أو إصدار قرار.
تصريح يعني أن مطلقه أو متلقيه يفتقر لأبسط أساسيات الوعي والإدراك إذ الإناء بما فيه ينضح. والوعي والإدراك ننفي عدم توفرهما لدى الطرفين. لكنها سياسة "الصفوة" مع العامة التي لم تتغير بتغير الزمن وسياسة "جوّع كلبك بيلحقك" مع اعتذاري عن وقع هذا المثل. فالخطاب من جنس المقام.
كيف لنا أن نلوم من يعارض ودولتك تصنع المعارضين وأسباب المعارضة صناعة المحترفين؟؟ كيف نلومهم وأنت لم تترك وسيلة للتضييق على الناس إلا سلكتها؟؟ هل أبقيت متسعا للتعاطف مع دولتك وأنت تزف لنا شبه يومي خبرا يوتر الشارع ويدفع بالمعارضة للتشدد والتصعيد ويعكر الحياة العامة ويقلق الناس ويشغلهم ويدفع بهم شيئا فشيئا نحو أنماط عيش تخطيناها ونسيناها؟؟
يبدو دولته بظهوره المتكرر على الشاشات الفضائية والذي يحرص عليه حرصه على إثقال كاهلنا وهو يحلف الأيمان ويطلق التعهدات والوعود ويسهب بالشرح والتوضيح الذي لا يخلو من الترهيب والتخويف على مبدأ " ترتح بملعونك لا ييجيك ألعن منه", يعتقد أن هذا النهج الإعلامي ربما يسهم بإقناع الناس بسويّة ما يتخذه من قرارات متناسيا أن المواطن الأردني من الذكاء والفطنة والإدراك ما يمكنه أن يميز بين الغث والسمين بمنتهى اليسر.
من هنا نستنتج أحد أمرين. أولهما أن دولته سلخ نفسه عن القاعدة الشعبية العريضة التي كان يوما ينتهي لها قولا وفعلا عندما كان بعيدا عن مناخ لقب دولة. وثانيهما أنه يعيش ببرج عاجي بعيدا عن نبض الأردنيين لا علم له بالواقع ولا يهمه كم سعر كيلو البندورة أو البطاطا. وهذا الإستنتاج الأخير ربما يخلص إليه من هو من خارج المجتمع الأردني , أما نحن الأردنيين ننفيه لعلمنا بمسيرة وأصول دولته.
لذلك نرجّح ونقرّ الأمر الأول إذ دولته يحاربنا بالنهج الذي طالما كان يحاربه وهو تحت القبة النيابية. وبهذا يكون قد انقلب على نهجه وانحرف عن مساره لاستدلاله ببوصلة غير دقيقة ولم تكن من أدواته. ومهما حاول دولته التقرب من المواطنين بشرحه وتوضيحه واستعطافه والإكثار من مصطلحات تعبّر عن خوفه على الوطن والمواطن فلن تتغير قناعة الأردنيين بأن نسرنا قد خرّ صريع بيئة هبط بها دون حساب.
إن دولة إفلاسها من عدمه يقرره رفع سعر الكهرباء أو عدمه, يعني وجود خلل بالإدارة والخطاب والنهج لدى مؤسسة الدولة. وبالتالي هي دولة لا فائدة من حكوماتها ونوابها لا بل ليُترك الناس يعيشوا حياة قبائل أفريقيا المعزولة طالما احترام عقل المواطن مغيب والإستخفاف يتصاعد وإرجاعنا للخلف يمشي بخطى حثيثة. أو لتكن هناك نوايا صادقة وجادة باتجاه التصحيح والإصلاح بعيدا عن الإنتقائية وأكبش الفداء.
وندعو دولته ومن سيتقلدون موقعه أن يخاطبونا بما يعقل لأننا أصحاب عقول ولسنا أغناما تساق بالعصا. ونذكّر دولته أن ما سيعود به فرق رفع سعر الكهرباء لا يشكل سوى نسبة بسيطة جدا من الأموال التي هدرت وسرقت. فكان الأجدر أن يُلاحق ويحاسب ويسجن من وراء الهدر البروناوي ومن قام بالسرقة وتستعاد أموال المواطنين والدولة بدل سلوك نهج شراء الوقت الذي يدفع ضريبته المواطن المحتاج.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
[email protected]