تعودت منذ فترة ان اتابع احيانا قناة جو سات الفضائية وذلك لانها تعرض بعض الحوارات التي تُعنى بالشأن المحلي ضمن سقف عال من الحرية، وهو امر نفتقده في وسائل اعلامنا الرسمية، وقبل عدة ايام شاهدت على القناة برنامجا اعتقدت لأول وهلة انه من برامج الكاميرا الخفية وانها فقرة تقدمها القناة كوجبة خفيفة تمهيدا لتقديم وجبة دسمة من الحوار، فانتظرت وتابعت هذه الوجبة، التي اعتقدت مخطئا انها خفيفة
وشيئا فشيئا بدأت اركز في البرنامج الذي طالت مدة عرضه، وبقيت منتظرا ان يخرج علينا احد ما ليقول ابتسموا انها الكاميرا الخفية، وبعد اكثر من ساعة من المتابعة بدأت تتكون لدي قناعة بان الجماعة جادون فيما يقدمون وان الامر ليس نكتة ولا كاميرا خفية.
البرنامج اسمه "صوت الاردن" وهو نسخة مقلدة برداءة عن برنامج سوبر ستار الذي حقق نجاحا باهرا عند عرضه على المستوى العربي، في هذه النسخة المقلدة يجلس رجلان تتوسطهم امرأة على طاولة ويمثلون لجنة التحكيم، والى جانبهم عازف على الة الاورغ يقوم بدور الفرقة الموسيقية التي تعزف وراء المتسابقين
وعلى نظام سوبر ستار يدخل هؤلاء المتسابقون على اللجنة واحدا تلو الاخر ليعرضوا مواهبهم في الغناء، وتقوم اللجنة بدورها بتقييم الاصوات واداء المتسابقين لاختيار من سيتأهل للمرحلة التالية بعد تصويت الجمهور.
هذا مجرد وصف اخباري للبرنامج لمن لم يشاهده، ولكن الى جانب هذا الوصف الاخباري لا بد من نقل بعض الانطباعات والتوترات و"سمة البدن" التي كابدتها
وانا اتابع البرنامج لا اعجابا به بل استغرابا ومحاولةً مني للتصديق بان هناك مسؤولا عن البرنامج يعتقد انه يقدم عملا له قيمة، فكنت اقول لنفسي هل من المعقول ان القائمين على البرنامج لا يدركون مدى تفاهته؟ فاجيب نفسي احيانا بربما واحيانا اخرى اصل الى مرحلة التفكير في مبدأ المؤامرة واقول لا بد ان القائمين على البرنامج يتعمدون الاساءة الى الشعب الاردني من خلال هذا البرنامج.
ان من تابع برنامج سوبر ستار سيتذكر بالتاكيد كيف استطاع هذا البرنامج اكتشاف مواهب رائعة في الغناء، وسيتذكر ايضا ان في رحلة الحكام الطويلة لاكتشاف هذه المواهب انهم قابلوا بعض الاشخاص ممن لا يمتلكون اي حس فني او اي موهبة، ورغم ذلك كان هؤلاء المتسابقين مقتنعين بانهم موهوبين فعلا
وكانت هذه المواقف تدفع الى الضحك رغم ما فيها من اساءة احيانا لهؤلاء المتسابقين الذين هم بحاجة الى رعاية نفسية وليس الى طريقة تشهيرية قد تزيد من حالتهم سوءً، وقد كانت القناة التي تعرض سوبر ستار تبث بين فقرات البرنامج مقاطعا لهؤلاء المضحكين بهدف التنويع في البرنامج وتحقيق اكبر نسبة للمشاهدة حتى لو كان هذا على حساب مشاعر المتسابقين واهلهم، وقد واجهت القناة انتقادات لاذعة على هذا التصرف الذي يراه البعض غير اخلاقي.
اما نسختنا الاردنية المقلدة من هذا البرنامج والمسمى "صوت الاردن" فقد كانت كلها عبارة عن تلك الحالات الاستثنائية التي ظهرت في برنامج سوبر ستار، فكل المتسابقين بلا استثناء عبارة عن اشخاص من نوعية "العوّاد" الاردني الشهير الذي ظهر في برنامج سوبر ستار والذي ظل على مدى اسابيع طويلة من عمر البرنامج "يدوزن بالعود" كما صورته القناة حينذاك
ومما يزيد طينة برنامجنا المقلد بلة هو لجنة التحكيم ذاتها والتي لا اعرف كيف اصفها، لانها تثير الضحك المصحوب بالتوتر وارتفاع الضغط لتمتعها بقدرة عجيبة على استفزاز المشاهد من خلال افتقار اعضائها للحس الفني او المهني، حيث يبدون وكأنهم مصدقين لانفسهم ومندمجين في ادوار لجنة التحكيم في حين انهم لا يعرفون من الموسيقى والغناء غير كلمات ايقاع وتون وامسك الايقاع ووقع منك الايقاع والتون طلع والتون نزل، محاولين في ذلك ايهام المشاهد بانهم يمتلكون قدرات عظيمة تجعلهم جديرين بمهمة اكتشاف المواهب.
البرنامج بكل اسف يفتقد الى اي عنصر من عناصر النجاح ابتداءً من مقدميه الاستعراضيين واسئلتهم العجيبة وانتهاءً بالمتسابقين المثيرين للشفقة، مرورا بلجنة التحكيم التي دللت على افتقارها للحس الفني من خلال اختياراتها للمتسابقين الذين سيطلون على الشاشة وتعليقاتها المستفزة والتي لا تليق بمستوى المهمة التي يمثلونها، هذا فضلا عن ابتساماتهم وضحكاتهم الاكثر استفزازا، ولا ننسى عازف الاورغ صاحب العزف المزعج حتى الالم وابتسامته المرعبة، أما عناصر التصوير والاضاءة وهندسة الصوت والاخراج فكلها كانت رديئة جدا وتشكل حالة من الاستفزاز العنيف لاي ذائقة فنية.
امام برنامج بهذه الرداءة قد يقول قائل ما يجبرك على المشاهدة؟ لم لا تتحول عن القناة وترح راسك؟ وهنا اقول انني صدقا حاولت ان افعل ذلك ولكن احساسي بان اساءة بالغة لصورة الشعب الاردني تعرض على قناة فضائية اردنية قد يشاهدها اي مواطن عربي في العالم جعلني اتابع البرنامج، بل واذا صدف وان شاهدت حلقات اخرى منه فساتابعها، اذ لا يمكن لي تجاهل الاطلاع على ما يمكن للعربي ان يشاهده عن بلدي وكيف يسهم هذا الشيء المعروض في تكوين صورتي عند هذا العربي.
نحن مع حرية الاعلام وضد اي تدخل جبري لتحديد ما يعرض او ما لا يعرض للجمهور، ولكن هناك ذوق عام يجب مراعاته، وهناك ايضا ضوابط مهنية واخلاقية تمنع الاعلام ان يسيء الى احد، ولا بد من وجود طريقة قانونية او مهنية تمنع اي وسيلة اعلامية من الاساءة الى بلد وشعب كامل، ولكننا نأمل ان تقوم القناة بمبادرة ذاتية منها بوقف عرض هذا البرنامج لما فيه من اساءة بالغة لصورة الشعب الاردني الذي عانى وما زال يعاني من عوامل مفتعلة كثيرة لتشويه صورته، فيا ايها القائمون على البرنامج ارجوكم بادروا بايقافه فورا رحمة بنا، فنحن كما تعلمون "اللي فينا مكفينا".
[email protected]