رغم التحديات والضغوط الداخلية الخارجية التي واجهها الرئيس الشهيد ياسر عرفات طوال مشوار حياته القيادية ، لم يلتفت إلا لنداء صوت شعبه ومتطلبات مشروع وضرورات الدولة الفلسطينية المستقلة ونصائح الغيورين على قضيته ، فتوجه يوما بوقت حالك وشديد التعقيدات بالحالتين العربية حيث بداية انشقاق البيت العربي بعد انتهاء حرب رمضان 1973 وما آلت إليه
وبداية الانشقاق بالبيت الفلسطيني لرغبة بعد الفصائل تسليم القرار الفلسطيني المستقل لسوريا وهو ما أوصل الفلسطينيين إليه من تشرذم ، ففي العام 1974م ذهب الشهيد أبو عمار بلباسه العسكري الثوري إلى الأمم المتحدة وهو يحمل البندقية بيد وغصن الزيتون الأخضر بيد ، والتي عقدت جلسة خاصة لها من اجل فلسطين في جنيف بدل نيويورك رضوخا للضغوط الأمريكية التي رفضت إعطائه آنذاك تأشيرة دخول للولايات المتحدة الأمريكية
ومع ذلك وافق وذهب لتأكده رغم الجراح وعدم قدرة المجموعات الدولية المؤيدة للقضية الفلسطينية على التأثير على مجلس الأمن المسيطر عليه من قبل القوى الداعمة لإسرائيل الذي لم تنبت له بعد عين العدالة وذراعها المبتور ، ذهب لقناعاته على ضرورات وأهمية قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بالنسبة لفلسطين وهي التي للأكثرية المهمشة فيها رأي وحضور وقرار .
لم تجد خطوة الرئيس عرفات في تلك الفترة معارضة إلا ممن ديدنهم معارضة منظمة التحرير الفلسطينية وحلم الشعب الفلسطيني بالحرية والعودة وتقرير المصير وتحديدا من النظام السوري الذي ضيق وقتها على حركة فتح في سوريا واعتقل الكثير من رموزها وكوادرها وزج بهم بالسجون السورية المكتوب على أبوابها كما يقرأ العارفون ( الداخل إليها مفقود ، والخارج منها مولود
( وحضرت للحرب الأهلية اللبنانية بعد اكتشافها محور القوات الفلسطينية اللبنانية المشتركة ومعارضتها له محضرة لها ما راتكبته من فظائع بمذبحة تل الزعتر التي اقترفتها القوات السورية النظامية ومنظمة احمد جبريل التابعة للمخابرات السورية أب 76م
وأيضا كان من العارضين لهذه الخطوة التاريخية بعض الفصائل الفلسطينية المغردة في قفص سوريا إضافة لمنظمة القيادة العامة أحمد جبريل ، والتي لا يتعدى حدود وجودها أكثر من الأمين العام ومكتبه السياسي وبضع عشرات تخصصهم ووطنيتهم التي ارتضوها لأنفسهم هي فقط رفع أعلام تنظيماتهم بالمسيرات والتظاهرات مهما كان عنوانها وأهدافها على حساب علم فلسطين الأرض والوطن والشعب والقضية .
وما أشبه الأمس باليوم ، فالشعب الفلسطيني العظيم الذي كله رموز عنفوان وصبر وتضحيات وتحديات ، أخرج من بين صفوفه الوطنية الرئيس محمود عباس ( أبو مازن ) الذي مزج بفن ونجاح بين السياسة والثورة وفهم وأفهم بوضوح قولا وممارسة كافة أشكال المقاومة ، دفع به قائدا لامعا ومتميزا من بين طلائعه ومقدماته الثورية التي حملت البندقية بيد وغصن الزيتون الأخضر بيد ، قائدا جادا أدار السياسة بفن واقتدار تماما كما أدار كل مهماته التي كلفته منظمة التحرير الفلسطينية والقائد بها ، قائدا وطنيا جديرا بالاحترام والثقة لإخلاصه لفلسطين الشعب والوطن والقضية ، ولمحاربته الفساد الذي استشرى بالبيت الفلسطيني الداخلي ، ولثبات موقفه رغم كل التحديات والصعاب والضغوطات الممارسة عليه من قبل أمريكا والغرب وبعض الأخوة الأعداء ، ورغم التهديدات المتواصلة له من قبل إسرائيل ومن بخندقها بالتصفية الوطنية والجسدية .
فكان قراره الجريء والشجاع بترجمة معنى ( مقاتلين من أجل الحرية ) الذي طرحه الثوار لحظة الانطلاقة والذي كان واحدا منهم ، ولتحقيق حلم الشهيد عرفات بدولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس ولتحقيق أمنيته العهد والقسم ( حتى يرفع شبل من أشبالها أو زهرة من زهراتها علم فلسطين فوق القدس وأسوار القدس ومآذن القدس ومقدساتها )
فتوجه أولا إلى مجلس الأمن سبتمبر 2011م للحصول على قرار يضمن فلسطين دولة تحت الرقم 194 من أجل ترسيخ مفاهيم السلام والأمن العالميين ، متجاوزا المحذورات والخطوط الحمراء التي ترسمها أمريكا ، وفشل بذلك ليس خوفا من عصاها الغليظة التي يخافها كثيرين إلا شعب فلسطين وقيادته ، بل لأن مجلس الأمن ما زال ضعيفا مريضا بعين واحدة ولم تنبت بعد له ذراع العدالة المبتور بالسكين الغربية القاطعة .
وكما كل فلسطيني يعرف ويؤمن بالحكمة القائلة ( لا يضيع حق وراءه مطالب ) ، سيتوجه الرئيس محمود عباس للجمعية العامة للأمم المتحدة 29 تشرين الثاني 2012م متسلحا بموقف قومي عربي رائد ، ووعد وطني من كافة القوى والفصائل الفلسطينية بالوقوف خلف خيار سيادته ، عدا الخائبة الخائرة التي ما زالت بخندق النظام السوري القاتل لشعبه ، وبقرار بالمساندة من عدد من الدول العربية والعالمية يزيد عددها عن 132 دولة تقف مع قضية فلسطين رغم ضعفها وقلة حيلتها وهوانها مثل الشعب الفلسطيني على الناس ، لتحقيق مطلب واحد هو الاعتراف بفلسطين بصفة مراقب بالأمم المتحدة .
أنّ أمريكا التي حذرته مرارا من هذا المنعطف الذي يسير إليه ، وإسرائيل التي بعثت له التهديدات تلو التهديدات وحذرته من خطورة المنحنى الذي يريد الوصول إليه ، تعرفان ما أهمية هذه الخطورة بالنسبة لقضية فلسطين وحاضرها ومستقبلها ، وهي اعتراف العالم وإقراره بأنها دولة تقع أراضيها وشعبها تحت لاحتلال ، وهنا مكمن السر بالتحول الذي يقصده الرئيس أبو مازن لخير فلسطين وشعبها ، وبالخطر الذي تستشعر به أمريكا وتعرفه إسرائيل على الخطة الصهيونية الشاملة بدولة يهودية على كامل تراب فلسطين .
وكما لم يسلم الشهيد ياسر عرفات من ذات الأيادي الملطخة بالدماء الفلسطينية الزكية ومن زعيمتهم إسرائيل الطاغية والتي انتهت بدس السم له وقتله ، لم يسلم الرئيس عباس من ذات الأيادي الوسخة والأفواه القذرة بل وزاد عليها أفواه قذرة تتلمذت على أيادي الموساد فأخذت تشط يمنة ويسرى وتزبد وتكيل الشتائم والتهم للرئيس
ليس لأنها غير راضية عن نضالاته وخطوته الجريئة التي تقرب الفلسطينيين كثيرا من حقوقهم المشروعة فه بقرارة أنفسهم يعرفون أنّ ما قام به هو الذي يتبغ بظل الظروف الراهنة ، بل لأن من يتبعون لها كسوريا ويغردوا بصفها كأيران لم يعطوهم الإذن بالموافقة على ذلك ، وعلى وجوب المباركة للشعب الفلسطيني المظلوم بقرب تحرره من نير الاحتلال وإرهابه واستيطانه وبطشه ، فالقضية بالنسبة لهم ما زالت قميص يتدرع به لمصالحهم ، وليس حق يتبع من أجل المصلحة الفلسطينية العليا .
[email protected]