جراءة نيوز - الدكتور منذر الحوارات يكتب ..
لم يصادف عبر تاريخ الشعوب أن استفادت دولة أو نظام سياسي من الحروب في الجوار كما كان الحال بالنسبة للنظام السياسي في إيران فمنذ عودة الخميني من الخارج بعد سقوط حكم الشاه في الثورة عام ١٩٧٩م تبين للنظام الجديد ضحالة إمكانياته في السيطرة على دولة عميقة مثل إيران بالذات مع وجود منافسين شاركوه في الثورة وينتظرون حصتهم من كعكة الحكم في حينها استفاد من أزمة احتجاز الرهائن في السفارة الاميركية ٤ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٧٩ في إلهاء الجميع عن الحكم وشواغله رغم ان فرصته الذهبية لتصفية خصومه، وعندما اندلعت الحرب مع العراق في العام ١٩٨٠ والتي أطلق عليها إيرانياً الدفاع المقدس وهي التسمية التي مكنت النظام من تصفية خصومه في الداخل بطريقة لم يسبق له مثيل حيث استتب الحكم تماماً لتيار الخميني وأعوانه وفي حرب الخليج الثانية في العام ١٩٩١ حينما حطم التحالف الدولي القوة العسكرية لعدو الخميني اللدود صدام حسين الأمر الذي اعاد لإيران رغم ضعفها الى مكانتها كقوة اقليمية مهيمنة وفي هذه الفترة وما تلاها استطاعت ان تستثمر التغافل الغربي عنها والتهائه بصدام حسين كي تبدأ من جديد في احياء برنامجها النووي وعززته بعد احداث ١١ سبتمبر في العام ٢٠٠١ والحرب على أفغانستان ومن ثم غزو العراق تمكنت ايران من استثمار الحاجة الامريكية والفراغ الجيوسياسي الذي خلفه سقوط الدولة العراقية من التغلغل عميقاً في مفاصل الدولة والمجتمع العراقي.
ولاحقاً بعد أحداث «الربيع العربي» والحروب الأهلية التي اندلعت بعد العام ٢٠١١ والحرب على «داعش» استطاعت إيران ان تبسط نفوذها على أربع دول عربية ومن خلال هذه الدول استطاعت أن تهدد أمن باقي الدول العربية الاخرى وتتحكم في سيرورة الاحداث فيها وربما تفرض اجندتها عليها، أما في الغزو الروسي الاخير على اوكرانيا فقد مثل هذا الغزو طوق نجاة اخر للنظام في ايران لسببين فقد اصبحت الأمل بالنسبة لروسيا فهي الممر الاجباري والاساسي لبضائعه ونفطه باتجاه اسيا وهذا جعلها تحصل من روسيا على تنازلات مهمة في سوريا، اتاح لها اعادة التموضع بطريقة ضاغطة على دول المنطقة بالذات بعد ان تراجعت روسيا عن التزاماتها السابقة على الحدود الجنوبية لسوريا ومن الجهة الاخرى، فالعالم بات بأمس الحاجة للنفط والغاز الإيراني لإطفاء جوع الأسواق للطاقة بالذات بعد فرض الحصار على النفط الروسي، وبسبب هذا الواقع الجديد بدأت تدير التفاوض في جنيف من موقع قوة لذلك وجدناها تركل الاتفاق النووي بكل استهزاء وأمعنت بفرض شروطها بدون ان يرف لها جفن، ولِمَ لا فهي لم تكن بهذا الموقع من القوة أبداً فهي تسيطر على دول عربية عديدة وتضغط على دولة الاحتلال وتحاربها بأدوات لا تورطها بشكل مباشر، والآن هي تحاذي أهم حلفاء الولايات المتحدة وتضعهم في مأزق دائم، وهي اذا ما هُددت تستطيع بكل بساطة ان تغلق مضائق الخليج حيث شريان الحياة بالنسبة للإقتصاد العالمي ومثل هذه الخطوة تهدده بالانهيار والغرق في فوضى لا حدود لها.
أما إسرائيل ورغم كل محاولاتها لاستفزاز إيران فلم تنجح أبداً في جرها لمواجهة مباشرة أو الجلوس معها على طاولة للحوار، باختصار لأنها لا تريد طاولة اسرائيل التي لن تفيدها في شيء لكنها ترغب بطاولة الولايات المتحدة حيث الموزع الرئيسي للأدوار والمكانة الإقليمية ولأجل ذلك تتشبث بأوراقها العربية بشكل انتحاري ولما لا فهي وسائلها الرئيسية للضغط على الولايات المتحدة، ورغم ان اسرائيل بدأت تتعلم من إيران وتحاول استعمال اسلوبها بالاستحواذ على الأوراق الاقليمية لذلك وجدناها تقيم التحالفات والمعاهدات وتنشر منظومات الصواريخ على مقربة من ايران لتقول لها حتى لو لم نستطع ضربكم عسكرياً فنحن في اقرب النقاط منكم طبعاً هي تمارس نفس اللعبة الايرانية كي لا تنفرد إيران بالطاولة مع الولايات المتحدة، فهي أعني إسرائيل تصر على ان تكون الطرف الثالث على مائدة اقتسام الغنائم والنفوذ والتي ستكون دول المنطقة وميليشياتها وممراتها هي أوراق اللعب، فيها وهي قبل ذلك كانت أدوات الصراع لكن لا أحد يعلم ما هي أدوارها بعد انتهاء اللعبة، فإيران التي استطاعت عبر عقود أن تعتقل إقليم بأكمله لتحقيق أجندتها لم يخطر ببالها كم من الدمار والخراب الذي خلفته وراءها في سبيل تحقيق غاياتها تلك، فهذا لا يعنيها طالما المبرر موجود (الجهاد المقدس ضد الاستكبار العالمي)، أما العرب ودولهم فلم يدركوا أبداً حجم القوة التي يمتلكونها مجتمعين لذلك كانوا ضحية ليس لإيران بل لإيمانهم الزائف بأنهم ضعفاء لا يستطيعون الدفاع عن انفسهم لذلك استعانوا بالحلفاء فكانوا وبالاً عليهم وتخلوا عنهم عند أول مفترق.