«أصحاب رسالة سامية»، جملة كثيراً ما سمعناها، وكثيراً ما كررها من يسمون أنفسهم بـ«الفنانين» الذين يتشدقون بأنهم يحملون رسالة سامية إلى البشر، وهم في حقيقة الأمر لا يعرفون معنى السمو، رغم أنهم يتشدقون بها ليلاً ونهاراً، ويطربون بها أسماعنا كلما استضافتهم إحدى الفضائيات.
حافظ الإسلام على المرأة، وجعلها كالجوهرة الثمينة التي يجب الاعتناء بها والحفاظ عليها، لأنها اللبنة الأولى في بناء أسرة سليمة، وأوصى بها رسولنا الكريم خيراً، عندما قال في عدة أحاديث: «استوصوا بالنساء خيراً»، وصدق الشاعر حافظ إبراهيم حينما قال: «الأم مدرسة إن أعددتها ... أعددت شعب طيب الأعراق».
دعا الإسلام إلى احترام المرأة، ومنحها حقوقها كاملة غير منقوصة، سواء كانت ابنة أو زوجة أو أماً، وأوصانا بالرفق بها، ومعاملتها بالحسنى في مواضع كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله.
نادى الغرب بتحرير المرأة، وحولها من جوهرة ثمينة غالية إلى سلعة رخيصة، تباع وتشترى، واستخدمها في ترويج السلع البائرة، وقد سار على دربه كثيراً من أصحاب الفضائيات في بلادنا العربية، ممن يبحثون عن الكسب السريع وغير المشروع.
كم تمنيت أن يكون الفن «رسالة سامية»، كما يدَّعون، ولكنه، للأسف الشديد، لم ولن يكون هكذا، لأن أكثر أصحاب الفضائيات وشركات الإنتاج يبحثون عن الشهرة الزائفة، والمال الوفير في وقت قصير، ولا يهمهم أن يكونوا أصحاب رسالة سامية تفيد شباب الأمة، وتنهض بهم، وتدعوهم إلى الخير، والسير على طريق الحق.
حرص أهل الفن على استخدام المرأة في مشاهد خليعة، لتجذب الشباب وتفتنهم، وتحثهم على ترك عبادة الله والمذاكرة والعمل، لمشاهدة الفنانة التي ظهرت في أبهى صورها، وكأنها في ليلة عرسها،لا يختلف معي أحد في أن أكثر الأفلام والمسلسلات لا تخلو من المشاهد الإباحية التي تُظهر المرأة في صورة مخالفة للآداب والقيم النبيلة، وفي بعض الأحيان يحرص المخرج على أن تظهر وهي تدخن أو تشرب الكحوليات، حتى يخيل للمشاهد أن بيوتنا مليئة بالمسكرات والمخدرات.
لماذا لم يحرص أهل الفن على توصيل رسالة لغير المسلمين، مفادها أن الإسلام دين تسامح وسلام، ويدعو إلى التعايش مع الآخرين ونبذ العنف، بدلاً من إظهاره على أنه دين إرهاب ويحث أتباعه على العنف، كما حدث في بعض الأفلام التي قام بتمثيلها بعض المحسوبين على الإسلام.
لماذا لم يسردوا قصص الأنبياء والمرسلين والصحابة الأكرمين، الذين ملؤوا الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وكانت كالغابة يأكل فيها القوي الضعيف؟
لماذا لم يبحثوا عن قصص الكادحين والعصاميين والناجحين في عالمنا العربي الذين بنوا أنفسهم من عرق جبينهم، ولم يحتالوا على قوت الشعوب، ليكونوا عبرة لشبابنا لكي ينتشلوهم من ضيق العيش؟
كم أعجبني موقف الفنانة حنان ترك التي أعلنت اعتزالها الفن، خلال اتصالها بالإعلامي نيشان مقدم برنامج «أنا والعسل»، بعدما رأت أن الفن لا يخلو من الاختلاط المحرم شرعاً، مبتغية في ذلك رضا الله ورسوله.
ليست بعيدة عنا قضية الشيخ الدكتور عبدالله بدر مع الفنانة إلهام شاهين، عندما انتقد فنها الخادش للحياء، والداعي إلى الرذيلة، ونصحها بالتوبة والإنابة إلى الله، فما كان منها إلا أن ثارت عليه، وكشرت عن أنيابها كالأسد المفترس، رغم أنه لم يسئ إليها، ولم يذكرها بشيء ليس فيها، فكل مشاهدها موثقة على «يوتيوب»، وميسرة للجميع، وليست بخافية على أحد.
كنت أتمنى من الفنانة أن تأخذ من كلام الشيخ العبرة والعظة، وتتوب إلى الله قبل فوات الأوان، مقتدية بزميلتها حنان التي اعتزلت في أوج شهرتها خوفاً من عقاب الله، بدلاً من البلبلة التي فعلتها لنفسها في أروقة المحاكم، مستغلة في ذلك تعاطف البعض معها، ما حدا بالشيخ أن يطبع لها بعض الصور الفاضحة المنتشرة في عدة مواقع إلكترونية، ليدافع بها عن نفسه.
أملنا في أهل الفن كبير، أن يستبدلوا الفن الخليع والهابط بالمفيد، ليحافظوا على أعراضنا، ولا يخدشوا حياء فتياتنا، مستغلين فقرهم،وأن يتقوا الله في شبابنا، ولا يستغلوا ضعفهم أمام الشهوات، لأنهم في أمس الحاجة إلى مد يد العون لهم، لإنقاذهم من الفتن والموبقات المنتشرة في أنحاء المعمورة، لأنهم رجال المستقبل وأمل الأمة في غدٍ أفضل.
محمد أحمد عزوز
كاتب وناشط سياسي مصري