ما بين الحرب العالمية الاولى والثانية ما يقارب العشرين عاما لم تستطع فيها الدول إستيعاب تداعيات ونتائج الحرب الاولى بل لم يستطع العالم الغربي والدول العظمى والمنتصرة من تحديد اولويّاتها ومكاسبها حتّى كانت الحرب الثانية التي جائت نصرة لليهود ضد هتلرالذي كان متطرفا في قراراته ولإنشاء الكيان الصهيوني .
وكما ركّزت تلك الدول نصيبها وفوائدها التي جنتها على شكل حدود معترف بها واراض وموارد تحت الارض وانظمة حكم موالية وبرامج تجهيل للشعوب واستغلال لمقدّراتها ولكن الضربة الاولى وهي الحرب العالمية الاولى وضعت الاساس في كسر شوكة الدولة العثمانية التي دام حكمها ما يُقارب الستمائة عام استولت فيها على اهم المناطق استراتيجيّة من حيث الموقع الجغرافي والموارد من خلال وجود النفط والماء العذب وغيرها من المعادن تحت طبقات ارضها اضافة الى وجود شعوب تدين بالديانة الاسلاميّة .
فتكالبت الدول على الدولة العثمانيّة وجردتها بداية من اراضيها الممتدّة في صقاع الدنيا من خلال برامج وخطط لكسر الدولة من الداخل بدءا من بث الفتن والإنحلال في حكام الامبراطورية وخلق نازع داخلي قومي بواسطة اتراك باتوا رموزا للقومية التركيّة مثل اتتاتورك والتي حوّلتها الى دولة علمانيّة وثم خلق الكره والعداء بين تلك الإمبراطوريّة التي اضحت دولة هزيلة والتي بعد كل ماقدّمته للاوروبيين رفضوا وما زالوا يرفضون انضمامها للاتحاد الاروبي بدعوى عدم وصولها الى مستوى التفكير والثقافة الاوروبيّة ناهيك عن حجج اخرى منها قضيّة قبرص والعلاقة مع اسرائيل وما يقال عن مذابح الارمن وغيرها من الخزعبلات الاوروبيّة .
وبعد ان نزعوا ملكيتها للاراضي قسموها بسايكس بيكو واهم خطوة هي زراعة وعد "بلفور"لكيان في تلك الأرض بديانة يهوديّة على ارض عربية حسب الوعد البريطاني والبروبوغندا الامريكية البريطانية الأستعماريّة وبدأو بتغذية ذلك الكيان وتنميته حتّى بات من اكبر الكيانات قوّة في المنطقة وبات ذلك الكيان الاسرائيلي هو اللاعب الاقوى في المنطقة بل في العالم اجمع .
وحدد العالم الغربي وعلى رأسها امريكا هدفين رئيسين تحكم علاقاتها مع الدول وهما التحكم بمنابع النفط عصب الحياة وثانيهما حماية امن اسرائيل ولضمان بقاء هذين العاملين الاساس كان لا بدّ من التخلّص من القوّة الثانية والنظام الحامي لها وهو النظام الاشتراكي فكان لها ما تريد عام 1989 وعلى يد زعماء من ذلك النظام واستقرّت القوة الأحادية في يد امريكا بلا منازع بعد ان انتهى الأتحاد السوفياتي واصبحت روسيا دولة كباقي الدول مع امكانات وموارد غير محدودة .
وكان لا بدّ لأسرائيل وامريكا ان تنتبه للمتغيّرات في المنطقة وهي تنامي المذهب الشيعي والمتمركز في ايران والمنتشر في لبنان وسوريا وتنامي المد السنّي المتمركزة قوّته في تركيا والعراق وباكستان فحاولت ضرب السنة والشيعة من خلال الحرب الأيرانيّة العراقيّة (1980 – 1988) .
ولكن كانت النتيجة هيمنة عراقيّة على دول المنطقة وعلى النفط والمهدد الأقوى لأسرائيل في نفس الوقت الذي لم تنتهي فيه ايران والمذهب الشيعي فكان لا بدّ من تعديل الخطّة للتخلّص من قوّة العراق والنظام فيه مع المحافظة مؤقتا على ايران كمهدّد لدول المنطقة وللسنّة حيثما وُجدوا وخلق قوّة كرديّة يجري تنميتها لتكون جاهزة للردع حين الطلب .
والذي اثار ذعر اسرائيل وامريكا تنامي القوّة الاسلاميّة في تركيا حيث اخذت الحكومة فيها مواقف شبه عدائية وغير مريحة تجاه اسرائيل وتقاربا نحو العرب والقضيّة الفلسطينيّة ولكن اكثرها إثارة التقارب التركي السوري الذي تطوّر حتّى لفتح الحدود والتنقل بين البلدين ببطاقة الهويّة اضافة للتجارة الحرّة بين البلدين وخطوات تقارب اخرى مما تخوّف الغرب من تقارب ايراني تركي مما يزيد من قوّة العرب والمسلمين .
وحيث وصل الخطر على حقول النفط واسرائيل الى درجات عالية فكان لا بدّ لأسرائيل وامريكا اللجوء الى بدائل فيها خطورة ولكن لها ضرورة ملحّة وهي اللجوء الى الشعوب لخلق انظمة حكم جديدة ظاهرها اسلامي ديموقراطي وباطنها يحتاج لمساعدات مالية ستبقيه تحت الجناح الأمريكي وبالتالي يبقى على الأقل مسالما وحياديا او نصيرا لأسرائيل فكان ما يُعرف بالربيع العربي بدهاء اسرائيلي وتخطيط امريكي وتمويل عربي وبدأ حقل التجارب من شمال افريقيا وبعد اعتماد التجربة ونجاحها تم التسلسل بها وبدأت العقبات تواجه المخططين والممولين وبدا تعداد الشهداء لا يمثّل شيئا للحكام او للثوّار فكل منهما له فهم خاص بذلك .
وبدأت البوصلة تتخذ اتجاهات هامّة بل مفصليّة وعاد تقسيم العرب والمسلمين معسكر شيعي فارسي تقوده ايران ومعسكر ستي تقوده الدولة الاوروبية عضو الحلف الاطلسي وقسمت الدول الغربية الى ثلاثة محاور المحور الايراني ويضم سوريا الأسد والعراق والمحور التركي ويضم السعودية وقطر والمحور الثالث هو محور الخوف والحيرة ويضم بقية الدول العربية مع اختلاف مواقفها حسب الظروف والأزمان .
إنّ التطوّر الدراماتيكي المتسارع على الحدود التركية السورية يشكّل خطرا عالميا خاصّة إذا ناصرت قوات الحلف الاطلسي تركيا وشاركت قوات امريكية من بلدان الاقليم في تطور الاوضاع واضطرت ايران لمساعدة سوريا بالسلاح والقوّات وشاركت قوات عربية في المعركة فمن المحتمل ان تكون تلك الحرب العالمية الثالثة تستغل الفرصة فيها اسرائيل لضرب المفاعلات النووية في العمق الايراني اذا اعطت امريكا الضوء الاخضر بعد الأنتخابات الرئاسيّة بامكانية حمايتها لأسرائيل من اي خطر من ضربات باسلحة نووية اوكيماويّة .
ولكن ماذا يستفيد العرب من تلك الحرب غير ضياع القومية العربية من جهة وضياع النفط من جهة اخرى وبالتالي تعود الدول العربيّة كالشحّادين على ابواب السلاطين بخضوع كامل للامريكان وتكون الهويّة العربيّة التي غنّينا لها كثيرا قصص من الماضي .
والذي لا يطمّن هو بدء مناوشات شبه مستمرة بشكل يومي وحتى تتأكد امريكا من وقوف قوات الحلف الاطلسي لجانبها وتتأكد سوريا من ثبات موقف روسيا والصين الى جانبها تكون اكتملت عناصر الحرب لا سمح الله فهل تكون بوابة الدخول هي الحدود السورية – التركية وتبدأ بمناوشات بسيطة تطور مع الوقت الى ان تشعل الشرارة العالمية .
فكما كانت اسطنبول مركز العثمانيين فقد كانت دمشق مركز الأمويين وكلتاهما اسلاميتين عاشتا في زمنين مختلفين وقضى عليهما الزمان وظروفه بواسطة قادة كل دولة ومواطنيها،(فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) (الأعراف 136 ـ)
صدق الله العظيم .!!