شكراً للأخ والصديق الصحفي حمدي فراج فهو صاحب الحق في هذا العنوان ، والفضل يعود إليه ولقلمه الحر والشجاع في موضوع هذا المقال ، حمدي بطبيعة الحال مزروع هناك غربي النهر في فلسطين ، وبيت لحم ومخيم الدهيشة يعرفانه جيدا .
ويعرفان كذلك كم هو حاد وصارم وعنيد عندما تصل الأمور للحق الفلسطيني ، و مفارقاته الغير فارقة التي يدونها تعكس بصدق و أمانة كيف يكون الإنتماء ، فكل ما هو رمادي مرفوض عنده ، هكذا ولد ، وهكذا يعيش ، ولا رجعة البتة عن الأمل بالتحرير والعودة وتنظيف فلسطين و إنقاذها من أقبح جريمة عرفها التاريخ المعاصر.
السبت من بداية هذا الأسبوع إنطلقت في مناطق " نفوذ " السلطة حملة الدعاية الإنتخابية للإنتخابات المحلية البلدية والتي ستتواصل حتى يوم الثامن عشر من الشهر الجاري ، وذلك كما جاء على لسان رئيس لجنتها المركزية الدكتور حنا ناصر في المؤتمر الصحفي الذي عرض فيه أيضا الكشوفات النهائية للقوائم والمرشحين ، والذي أشار إلي أن ممارسة الدعاية الإنتخابية ستكون وفق ضوابط ومحدادت قانونية ، وهذه الدعاية وما يرافقها من نشاطات سوف تتيح للقوائم المتنافسة إبراز وشرح برامجها وتقديم مرشحيها والتواصل مع جمهور الناخبين .
ولكن صديقي حمدي له رأي آخر ، فكل هذا " الفيلم " الفارغ والخالي من أي محتوى وطني جوهري وفعلي ليس سوى ثريد ومرق يقدمه المرشحين للناخبين ، ما دام الوطن يمر في مرحلة آخر رمق ، في ظل مجموع الفشل ، والعبث ، و الإنتكاسات التي تعصف ولا تزال بهذه السلطة ، و بمواقفها ، و بسياسات التخاذل و التنكر لكل ما هو وطني و التي دأبت على انتهاجها و ممارستها .
فأية إنتخابات هذه التي يتحدثون عنها ونصف الشعب لا يشارك بها ؟ أية إنتخابات هذه التي يروجون لها ونصف الوطن " قطاع غزة " لا يشارك بها ؟ أية إنتخابات هذه وأغلب المرشحين ليسوا سوى مرتزقة ومتكسبين كالطحالب ؟ أية إنتخابات يريدون ، وتنظيم حركة فتح الذي يعتبر نفسه حزب السلطة الحاكم تشتعل به الخلافات و تسوده أجواء الفرقة و التناحر وقرارات الفصل والإستبعاد التي أقدمت عليها قيادة الحركة بحق الرموز الوطنية و بطريقة تعكس هذا الحال المزري الذي لا يستحق النقاش أو الجدال ؟!
هذه الإنتخابات في نهاية المطاف ليست إلا واحدة من المهازل والعثرات الجديدة لهذه السلطة وقيادتها ، وفي مقدمتهم رئيسها محمود عباس المسؤول الرئيسي عن السيناريو والتمثيل والإخراج ، فإلهاء الناس ، وجرهم بعيدا عن ممارسة دورهم الوطني في مقاومة الإحتلال وأدواته هو الهدف ، وهي الغاية التي خططوا لها تحت جناح لياليهم المظلمة والسوداء ، والأدلة التي تشير إلى فعلتهم النكراء هي أكثر من أن تعد أو تحصى .
ولأننا لا نفتري على أحد من الطباخين الذين يشرفون على إعداد وتجهيز طبخة " الثريد والمرق " الإنتخابية مع مراعاة أن هذه الطبخة تعتبر من الطبخات الشعبية في فلسطين لمن لا يعلم ، فما علينا سوى التدقيق الموضوعي في أغلب ما جاء بالمؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس لجنة هذه الإنتخابات الدكتور حنا ناصر لنكتشف هذا العبث وما بداخله من ضحك على ذقون جماهير شعبنا ومن خلال هذه العملية الإنتخابية الهزلية التي يدعون أن فيها تكريس للديمقراطية الفلسطينينة .
يؤكد رئيس اللجنة ومن واقع الكشوفات التي عرضها أن النصف فقط من أصحاب حق الإقتراع في الضفة الغربية يمكن لهم أن يدلوا بأصواتهم يوم 20 الجاري من هذا الشهر ، فأين ذهب النصف الثاني يا ترى ؟ نترك الجواب للقارىء ، الأمر المضحك الآخر ، يقول الرئيس أن 181 هيئة محلية لن تجري فيها الإنتخابات لوجود قائمة واحدة وبالتالي تكون قد فازت بالتزكية ،وهذا ما كان له أن يكون لولا الترهيب والتهديد والوعيد الذي يمارسه الطباخين على من يفكرون في الترشح .
ويكمل الرئيس بالقول أن 94 هيئة فقط ستجري فيها الإنتخابات يوم 20 الجاري ، و أما بخصوص 78 هيئة أخرى فسيتم تأجيل إنتخاباتها إلى شهر نوفمبر / تشرين الثاني القادم لأنه لم يتم إعتماد أي قائمة فيها ، و هذا يعني أن طبخها لم ينضج على مواقد الطباخين ، وهنا ننصح الأخوة المبدعين في علوم الرياضيات وإستخراج النسب أن يدلوا بدلوهم لمساعدتنا في إكتشاف الحقيقة .
ولأن الديمقراطية الفلسطينية التي تتشدق بها هذه السلطة لا مثيل لها على وجه الكرة الأرضية ، فقد تقرر أن يشارك الأشاوس من رجال الأجهزة الأمينة في هذه الإنتخابات ومن خلال 11 مركز خصصت لهم وحدهم في المدن الرئيسية للإدلاء بأصواتهم خلال فترة الإقتراع المبكر يوم 18 الجاري ، وكلنا يعلم ماهية وطبيعة الظروف التي تحيط برجل الأمن عند ممارسة حقه في التصويت ! ولذلك نعتذر عن التعليق والتعقيب على هذه الديمقراطية التي يتغنى بها الرئيس أبو مازن ، ونترك لعقل القارىء أن يذهب حيث يشاء ! .
لن نسترسل في تعداد أوجه فساد وشبهات هذه المسرحية الإنتخابية التي لا تصب في مصالح شعبنا والتي قررتها وتشرف عليها سلطة رام الله أولا ، وحركة فتح ومعها باقي الفصائل الضالعة في هذا التهريج ثانيا ، فالحقيقة المرة التي تحاول هذه الأطراف الإلتفاف عليها والتي يجمع عليها كل شرفاء وأحرار شعبنا تؤكد على أن هذه الإنتخابات ما هي إلا محاولة رخيصة ومكشوفة و لا ترمي إلا إلى إعتماد وتكريس الضفة بدون القدس وغزة كدولة لفلسطين ، و هذا ما يروج له أبو مازن ومعه كل أشباه الرجال الذين يدورون في أفلاكه ، ولكن ، تبقى الثقة عميقة وراسخة في شعبنا ، وفي قدرته على إفشال تمريرهذا المخطط المعادي الجديد الذي يحاك كذباً وزوراً باسم الديمقراطية ، فكل فعل لا تشير بوصلته إلي فلسطين باطل و لن ينطلي على هذا الشعب الصابر .