ماذا سيحدث لو قامت مديرية الأمن العام بالمراقبة عن بعد لمسيرة يوم الجمعة 5-10-2012، التي تحشد لها جماعة الإخوان بكل طاقاتها، وان تعمل الأجهزة الأمنية في نفس الوقت، على منع دخول أي مسيرات مناكفه ضمن خط سير المسيرة الحاشدة المزمع تسييرها، لمنع حدوث أي صدام في ذلك اليوم، حرصا على سلامة الجميع.
فالمسيرة الإخوانية سلمية، غايتها التعبير السلمي عن مشاعر الاحتجاج على السياسات العامة في الدولة، والإصرار على تحقيق المطالب السياسية، التي تطالب بها مختلف الفعاليات السياسية و الشعبية، التي اشتغلت بالعمل السياسي، وترى انه من الضروري العمل الجاد على تحقيقها، بعيدا عن لغة التشكيك بالنوايا، وتبادل الاتهامات بالعمالة، التي أصبحت توجه لجماعة الإخوان لا بل ولكل الأحزاب الإصلاحية والفعاليات الشعبية الأخرى، والتي تزايد نشاطها السياسي مع انطلاق الحراكات الشعبية العربية، لمجاراة الربيع العربي في دول الجوار، والتي بدأت عفوية منطلقة من الشارع في شرارتها الأولى، والتي سرعان ما أصبحت تلفها الأحزاب السياسية بعباءتها، وهو الأمر الذي ربما كان سبب رئيسي لعزوف كثير من الشباب للانخراط في هذه المسيرات الإصلاحية.
صحيح أن الحراكات الشعبية بمختلف فعالياتها طالبت بتعديلات دستورية، فردت السلطة بتعديل 43 مادة من الدستور، واستثنت المواد الثلاث التي طالبت بها الفعاليات الشعبية على وجه الخصوص، وهي المواد 34 و 35 و36 من الدستور، على اعتبار أن أي تعديل على أي من هذه المواد يعتبر مساس بصلاحيات الملك، وهذه هي الشماعة التي يعول عليها كثير ممن يعارض إجراء إصلاحات حقيقية على المستوى السياسي للبلد.
فنصوص المواد الثلاث مدار الحديث ونقطة الخلاف كالآتي: المادة 34 :1- الملك هو الذي يصدر الأوامر بإجراء الانتخابات لمجلس النواب وفق أحكام القانون.(وهذه الفقرة لا خلاف عليها). 2- الملك يدعو مجلس الأمة إلى الاجتماع ويفتتحه ويؤجله ويفضه وفق أحكام الدستور. (وهذه الفقرة أيضا لا خلاف عليها). 3- للملك أن يحل مجلس النواب.
وثالثا هذه تطلب جماعة الإخوان والأحزاب السياسية استبدالها بنص يحصن المجلس من الحل، ما دام أن هذا المجلس منتخب من الشعب، ويمثل إرادتهم، ولكي لا يكون حل المجلس مرتبط بالمزاج أو الرغبة، ثم أن هناك كلفة اقتصادية كبيرة تترتب على حل المجلس، وإجراء انتخابات جديدة يتحملها الاقتصاد الوطني، علما أن حل المجلس وفق هذه الفقرة أيضا محدد حسب الدستور بآلية واضحة وليست مطلقة لجلالة الملك، ولكنها عرضة لهيمنة السلطة المطلقة في حال كان رئيس الوزراء معين، وينظم هذه الآلية دستوريا المواد 30 و40 و49 و51 من الدستور. 4- للملك أن يحل مجلس الأعيان أو يعفي احد أعضائه من العضوية. (وهذه الفقرة أيضا لا خلاف عليها بما يتوافق مع ثالثا).
المادة 35:الملك يعين رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته، ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم، بناء على تنسيب رئيس الوزراء.( وهذه المادة تطالب جماعة الإخوان والأحزاب الأخرى بتعديلها، بحيث تنص على أن يتم تكليف حزب الأغلبية النيابية بتشكيل الحكومة، ما دام أن اختيار النواب كان من الشعب، وان المجلس النيابي يمثل الشعب، وان هذا المجلس هو الجهاز الرقابي على أداء الحكومة).
المادة 36: الملك يعين أعضاء مجلس الأعيان، ويعين من بينهم رئيس مجلس الأعيان ويقبل استقالتهم. ( وهذه المادة ترى جماعة الإخوان وباقي الأحزاب السياسية والفعاليات الشعبية ضرورة تعديلها، بحيث يكون اختيار الأعيان وفق انتخابات شعبية، أو على الأقل انتخاب نصف عددهم، أو حتى تقليص عدد الأعيان من الأصل).
أما فيما يتعلق بقانون الانتخاب، فالتجربة على مدى الدورات النيابية السابقة أثبتت أن قانون الانتخاب المبني على نظام الصوت الواحد لن يكون بمقدوره إنتاج مجلس نيابي حزبي، وان أقصى ما يمكن إفرازه هو مجلس نواب خدمات، يعجز عن الصمود في وجه أي قرارات حكومية، ونتيجة الإصرار على إبقاء الصوت الواحد، وتطعيم القانون بمقاعد للقائمة الوطنية، كتغيير شكلي وتنازل إعلامي عن مبدأ الصوت الواحد، قررت جماعة الإخوان وكثير من الأحزاب السياسية مقاطعة الانتخابات، التي لا يزال الأمل بإجرائها نهاية هذا العام من ضروب المستحيل، الأمر الذي جعل من التسجيل للانتخابات واستلام البطاقات الانتخابية أمر لا يستحق كثير من الاهتمام في نظر الكثير من المواطنين، الأمر الذي تطلب تمديد فترة التسجيل للانتخابات لمرتين على التوالي.
وعودا على موضوع مسيرة يوم الجمعة فإنها ستمر على خير وبدون مشاكل، إذا تمكنت الأجهزة الأمنية من منع تواجد مسيرة مناكفة للمسيرة التي دعت إليها جماعة الإخوان، والمطلوب ممن يتحدث على أثير الإذاعات الأردنية المختلفة من الإعلاميين، احترام كل فئات الشعب، وعدم التشكيك بنوايا الآخرين، وعدم التحريض ضدهم، فلغة إثارة الفتنة أصبحت واضحة وعلنية، تنطلق من أفواههم وتسمم أجواء ونفسيات المواطنين كل صباح، فيتغنون بالوطنية ويحرضون فئات الشعب على بعضه، ومنهم من يجزم بقدرته على حشد مليون من المواطنين لمناكفة مسيرة الخمسين ألف، فالمطلوب من الجميع درء الفتنة لا إثارتها، ليرسو المركب بسلام بعد العاصفة.
[email protected]