من حبر الأقلام أضاء نصرالله القناديل ! لست أدري إذا ما كان من حقي أن أكتب عن الشاعر والروائي إبراهيم نصرالله كمناضل و مقاوم وفدائي وكمشروع شهادة ، من ناحية أخرى ، فقد كتب الكبير شوقي بغدادي في عام 1954 تقديما لرواية " المصابيح الزرق " وهي للعظيم حنا مينه.
إستهله بالقول : أنا لا أدري لماذا تكتب المقدمات ومع ذلك فنحن نكتبها . أعجبني هذا القول ، فسألت نفسي وقلمي إن كان الحديث عن الكبير أيضا نصرالله بحاجة إلى مقدمات وبعد أن قطع هذاالمشوار الطويل من العطاء والكد والعناء بين أشعاره و رواياته ! البحث اليوم عن الفدائي أصبح يشابه حالة البحث عن الإبرة الضائعة بداخل جبل من القش .
وتسمية الفدائي في النضال الوطني الفلسطيني إرتبطت بالمقاتل حامل السلاح والمستعد لقتال عدوه في أية لحظة ، فماذا عن من جعل عقله وضميره قلما يقاتل عدوه ويطارده شعراً ونثراً وهو مؤمن بحتمية الإنتصار عليه ؟ ألا يستحق أن يكون فدائياً ، فالقلم والكلمة بندقية ورصاصها لا يقل في تأثيره عن الرصاص الفعلي والحي .
في إيطاليا سألوه ذات يوم عن الفارق بين الشاعر الفلسطيني و" الإسرائيلي " ، فأجابهم قائلاً : " الإسرائيلي " يكتب شعره عن البيت الذي أخذه مني ، وأنا أكتب شعري عن بيتي الذي سأعود إليه . هذا هو الفارق بكل بساطة ، و هذه هي قمة النضال ، والإيمان الذي لا حدود له بعودة الحق إلى أصحابه في يوم من الأيام والذي لا يهتم به نصر الله زمناً ما دامت البوصلة وعلى كل الأصعدة تشير دائما إلى الشمال الفلسطيني .
ولأن الجوهر الكامن في تجربة الإستشهاد فلسطينيا لا يتحدد فقط على أساس الهوية الحزبية والتنظيمية ، فمن المنطق وبلا أدنى خلاف أن يستحق الشاعر والروائي المناضل هذه الصفة حتى ولو كانت في ميادين الأحبار والورق وما يولد عنهم من نتاج ذهني إبداعي سيبقى إلى أبد الآبدين ، وإذا كنا نحتفل بذكرى الشهداء تخليداً لهم ، فما هو المانع أن يحتفل نصرالله بولادة القصيدة أو الرواية ، فالشهادة هنا والولادة متساويتان !
في شهر رمضان الذي إنقضى ، إنتهيت من إلتهام " قناديل ملك الجليل " وهي آخر الجديد في الملهاة الفلسطينية التي ولدت في عام 1985 ، لتكون أساساً للمواجهة المستمرة والمتواصلة في هذه الحرب المفتوحة التي يخوضها نصرالله مع عدوه الغاصب ، وهذا يعني يقينا بأن الملهاة لن تنتهي لأنها تتوالد ، فما أن تنقضي أشهر الحمل حتى يأتي المولود الجديد ليرى خيط النور الذي يقودنا ويوجهنا نحو لحظة الإنتصار القادمة لا محالة .
أنا لست بناقد ، ولكني أستميح العذر من المناضل نصرالله في أن أستعير منه وبالمفهوم السياسي الوطني – ظاهر العُمر الزيداني – بطل القناديل ، ليولد من جديد في رام الله هذه المرة ، وفي المقاطعة تحديداً حيث مقر الرئاسة الفلسطينية ولكي يأخذ فرصته في قيادة أمور النضال الوطني الفلسطيني ، ولكي يرى شعبنا وكل فصائله الوطنية كيف سيعلن ظاهر المواجهة مع حكومة المجرم نتنياهو . كيف سيتعامل هذا القائد الفلسطيني الذي ولد على ضفاف بحيرة طبرية في القرن السابع عشر ومات في الثامن عشر ( 1689 – 1775 ) مع معطيات الظروف الراهنة ؟
وكيف سيوظف تجربته الغنية مع الثورة التي أشعلها أنذاك على الحكم التركي حتى استطاع أن يقيم أول كيان سياسي وطني قومي حديث ، في الشرق العربي ، فكم نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب تاريخنا الوطني والإنساني العربي و على الأخص الفلسطيني من جديد ! ماذا سيفعل يا ترى مع حكومة سلام فياض التي يطالب شعبنا برحيلها ؟
وهل سيهدم الأجهزة الأمنية القائمة على أساس التنسيق مع العدو ؟ لتعود إلى موقعها الطبيعي كفدائيين ومقاتلين يواجهون عدوهم ويتصدون لجرائمه التي لا يتوقف يوما عن إرتكابها ، وكيف سيدير دفة المصالحة وبما يقبر هذا الخلاف والإنقسام ؟ وهل سيكون قادرا على أن يؤسس لنا وحدة وطنية فعلية نستند إليها في صراعنا مع عدونا ؟ وكيف سيعيد ترتيب علاقاتنا مع الأشقاء العرب والمسلمين ، وهل سيواصل المراهنة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن ؟
أنا أتخيل إذا أنا موجود وبعد أن أتعبتني كَثرة التفكير ، كم هو مؤلم هذا السراب الذي نلهث خلفه ، و كم أتمنى أن يقرأ هذه الرواية الواقعية كل الأمناء العامون ، وأعضاء المكاتب السياسية واللجان المركزية وكل الكوادر التي تدور من حولهم ، كم أرجو من كل الباحثين في الشأن الفلسطيني أن يقرأوا القناديل ففيها تاريخ ما كنا لنعلم عنه شيئا لولا بندقية المقاتل نصر الله التي أطلقت النار فأصابت بزيت أقلامها قناديل الجليل التي لن تنطفىء أبدا ، و أرجو من الرئيس عباس أن يبادر فوراً إلى قراءة هذه القناديل لأن الزيت عند شعبنا لا ينضب !